ما أحوجنا إلى الصبر
الصبر خُلُق كريم تحتاجه البشرية جمعاء، ذُكورًا وإناثًا، قديمًا وحديثًا، يُحتاج إليه في أمور التعبُّد والطاعات، وفي التعلُّم والشهادات، وفي الصناعة والتجارات، عاقبتُه جميلة طيِّبة في الدنيا، ويكون عبادةً، وأجرًا في الآخرة.
هو عندَ القتال شجاعَة، وعندَ الإنفاق كرَم، وعند الغَضَب حِلْم.
وقد وصفه الحكماء فقالوا: الصبر مثل اسمه مر مذاقته ... لكن عواقبه أحلى من العسل
نعم ،،،
إنَّه الصبر، فهو الجواد الذي لا يكبو، والجند الذي لا يُهزم، والحصن الحصين الذي لا يُهدم، وهو والنصر أخوان شقيقان، فالنصر مع الصبر، والفرج مع الكرب، والعسر مع اليسر، وهو أنصر لصاحبه من الرجال بلا عدة ولا عدد، ومحله من الظفر والفوز كمحل الرأس من الجسد.
وقد حث الدين عليه، وأكدت الأديان على أهمية وضرورة التحلي به، فهو ساق إيمان المؤمن الذي لا اعتماد له إلا عليها، فلا إيمان لمن لا صبر له، وإن كان ... فإيمان قليل في غاية الضعف، وصاحبه يعبد الله على حرف، فإن أصابه خير اطمأن به، وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة، ولم يحظ منهما إلا بالصفقة الخاسرة.
فخير عيش أدركه السعداء بصبرهم، وتَرَقُّوا إلى أعلى المنازل بشكرهم، فساروا بين جناحي الصبر والشكر إلى جنات النعيم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
ولذا فنبي الإسلام عليه السلام حثّ عليه ورغّب، وعاش عليه ونبّه، لضرورة التخلق به، فكان المؤمن حقا هو من يتحلى به، والفائز في الدنيا والآخرة من تخلّق به، فقال -عليه الصلاة والسلام – ((ما أعطي أحد عطاء أوسع ولا خيراً من الصبر))
فالصبر خير العطاء، وأوسع العطاء، وأفضل النوال، ولهذا أيضا قال -عليه الصلاة والسلام – ((والصبر ضياء)) فهو ضياء لصاحبه، ونور له في حياته، يستبين به السبيلَ، ويتحمّل به المشاق، وتهون عليه الصعاب، وتنبسط له الحياة، ويسر فيها غاية السرور، إضافة إلى كريم العطاء، وعظيم النوال الذي يناله اهله عند الله يوم القيامة. فما أحوجنا إليه في هذه الأيام، ويا له من ضرورة مهمة من ضروريات الحياة، فالحاجة إليه ملحة في كل شأن من الشؤون، وكل عمل من الأعمال، فلا استطاعة لأحد على القيام بأي عمل من الأعمال أو طاعة من الطاعات إلا بخصلة الصبر العظيمة، ولا استطاعة للعبد على الانكفاف من المحرمات والإحجام عن المنهيات والبعد عن الأمور التي تسخط الله إلا بهذه الخصلة العظيمة ولا قدرة على العبد على تحمّل الآلام والصعاب والمصائب إلا به.
فلنحاول التخلّق به، ونشره بين الناس لنيل سبل الراحة وطرق السعادة.