(أبكم لا يقدر أم حق بالعدل يأمر) المثال الثالث


(أبكم لا يقدر أم حق بالعدل يأمر) المثال الثالث

وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ ۖ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ۙ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ

هذا مثل ضربه الله تعالى لنفسه والآلهة التي تُعبد من دونه، فقال تعالى ذكره {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ}

  • الرجل الأول {أَحَدُهُمَا} والمقصود به كل ما يعبده أحد من دون الله، فهو {أَبْكَمُ} لا يسمع شيئا، فالأبكم هو: الأخرَسُ في أصْلِ الخِلْقَةِ مِن وقْتِ الوِلادَةِ، بِحَيْثُ لا يَفْهَمُ، ولا يُفْهِمُ. وزِيدَ في وصْفِهِ أنَّهُ زَمِنٌ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ، فمن شدة ضعفه وحقارته أنه {لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} فلا ينطق ولا يستطيع فعل أي شيء لنفسه، وهذا تنبيه على قمة ضعف هذه المعبودات الباطلة من دون الله، لأنه إما خشب منحوت ، وإما نحاس مصنوع لا يقدر على نفع لمن خدمه، ولا دفع ضرّ عنه وهو {كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلَاهُ} ، يقول: وهو عيال على ابن عمه وحلفائه وأهل ولايته، فكذلك الصنم كَلّ على من يعبده، يحتاج أن يحمله ، ويضعه ويخدمه، كالأبكم من الناس الذي لا يقدر على شيء، فهو كَلّ أي ثقل ووبال {عَلَىٰ مَوْلَاهُ} على أوليائه من بني أعمامه وغيرهم {أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ} حيثما يوجهه لا يأت بخير، لأنه لا يفهم ما يُقال له، ولا يقدر أن يعبر عن نفسه ما يريد، فهو لا يفهم، ولا يُفْهَم عنه، فكذلك المعبودات من دون الله التي لا تعقل كالجمادات والحيوانات، أو التي لديها عقل، ولكن عقولهم صُرِفت عنهم، فقبلوا ان يُعبدوا من دون الله، فهم لا يعقلون ما يقال لهم ، فلا يأتمر لأمر من أمره، ولا ينطق فيأمر وينهي.

الرجل الآخر: يقول الله تعالى عنه أنه {يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} هل يستوي هذا الأول ((الذي بلغ منتهى الحقارة والمهانة لأنه أبكم وكلّ على مولاه)) فهل يستوي هذا ومن نتكلم عنه فهو {يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} ناطق متكلم يأمر بالحقّ ويدعو إليه وهو الله الواحد القهار، الذي يدعو عباده إلى توحيده وطاعته.

يقول: لا يستوي هو تعالى ذكره، والصنم الذي صفته ما وصف. {وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} يقول: وهو مع أمره بالعدل، على طريق من الحقّ في دعائه إلى العدل، وأمره به مستقيم، لا يَعْوَجّ عن الحقّ ولا يزول عنه، ويدل غيره على صراط مستقيم.

فالأوَّلُ مِثْلُ الأصْنامِ الجامِدَةِ الَّتِي لا تَفْقَهُ، وهي مُحْتاجَةٌ إلى مَن يَحْرُسُها ويَنْفُضُ عَنْها الغُبارَ والوَسَخَ، فهي عاجزة عن الكلام وعن الفعل، ولا تقدر على أي شيء.

والثّانِي مَثَلٌ لِكَمالِهِ تَعالى في ذاتِهِ وإفاضَتِهِ الخَيْرَ عَلى عِبادِهِ، فهو متكلم، آمر بالعدل الذي هو على صراط مستقيم، وهو عادل في أمره، مستقيم في فعله فلا يستوي هذا، والعاجز عن الكلام والفعل.

وعلى هذا، فإنَّ المشرك يبدو شخصاً يحمل الصفات التالية:

  • عبد يفقد الارادة.
  • أبكم منذ الولادة.
  • لا يستطيع انجاز عمل ما.
  • كَلُّ على مولاه.
  • فاشل في جميع أعماله.

فمن يقبل أن يعيش في الدنيا بصفات كهذه، ويترك توحيد الله الذي يعصمه من هذه النواقص، فيعيش بصفات كاملة غير ناقصة، وعلى قدر توحيده يكون كماله

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ (أبكم لا يقدر أم حق بالعدل يأمر) المثال الثالث

معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day