مشاهد من ليل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه


زكريا بن طه شحادة


وهذا عمر بن عبد العزيز، العالم العابد، الخليفة العادل، مجدد الدين، المحب لله تعالى( كان واحد أمته في الفضل، ونجيب عشيرته في العدل، جمع زهدا وعفافا، وورعا و كفافا، شغله أجل العيش عن عاجلة، وألهمه إقامة العدل عن عاذله، كان للرعية أمنا وأمانا، وعلى من خالقه حجة وبرهانا، كان مقرها عليما، ومفهوما حكيما)[1] قواما لله تعالى ليله ونهاره فعن المغيرة بن حكيم قال( قالت فاطمة بنت عبد الملك ، امرأة عمر بن عبد العزيز: يا مغيرة ، إني أعلم أنه قد يكون من الناس من هو أكثر صلاة وصوما من عمر، فأما أن أكون رأيت رجلا أشد فرقا من ربه عز وجل من عمر، فإني لم أره، كان إذا صلى العشاء الآخرة ألقى نفسه في مسجده، فيدعو، يبكي حتى تغلبه عيناه، ثم ينتبه، فيدعو، ويبكى حتى تغلبه، فهو كذلك حتى يصبح)[2]

وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، قال

( كان لعمر بن عبد العزيز[3] فيه دراعة[4] ومن شعر وغل[5] وكان له بيت في جوف بيت يصلي فيه، لا يدخل فيه أحد، فإذا كان في أخر الليل؛ فتح ذلك السفط ولبس تلك الدراعة، ووضع الغل في عنقه، فلا يزال يناجي ربه، ويبكي حتى يطلع الفجر، ثم يعيده في السقط)[6]

وعن محمد بن المنكدر، عن عطاء قال( دخلت على فاطمة بنت عبد الملك بعد وفاة عمر بن عبد العزيز، فقلت لها: يا بنت عبد الملك، أخبريني عن أمير المؤمنين، قالت: أفعل ولوكان حيا ما فعلت، إن عمر رحمه الله كان قد فرغ  نفسه وبدنه للناس، كان يقعد لهم يومه، فإن أمسى وعليه بقية من حوائج يومه فدعا بسراجه الذي كان يسرج له من ماله، ثم قام فصلى ركعتين، ثم أقعى واضعا رأسه على يده، تسيل دموعه على خده، يشهقة، فأقول: قد خرجت نفسه، وانصدعت كبه، فلم يزل كذلك ليلته، حتى برق له الصبح ثم أصبح صائما، قالت: فدنوت منه، فقلت: يا أمير المؤمنين، لشئ ما كان قبل الليلة ما كان منك؟ قال: أجل فدعيني وشأني، وعليك بشأنك، قال: فقلت له إ،ي أرجو أن أتعظ قال: إذا أخبرك، إني نظرت إلى فوجدتني قد وليت أمر هذه الأمة: صغيرها وكبيرها، وأسودها، ونحمرها، ثم ذكرت الغريب الضائع، والفقير المحتاج، والأسير المفقود، وأشباههم في أقاصي البلاد، وأطراف الأرض؛ فعلمت أن الله مسائلي عنهم، وأن محمداﷺ عذر، ولا يقول لي مع رسول اللهﷺ حجة؛ فخفت على نفسي خوفا دمعت له عيناي، ووجل له قلبي، فأنا كلما ازددت لها ذكرا؛ ازددت لهذا وجلا، وقد أخبرتك، فاتعظي الأن أو دعي)[7] انظر هذا العبد المحب لله تعالى، القائم على أمر رعيته في النهار، القانت في طاعة ربه عزوجل في الليل؛ ما كان يشغله رضي الله عنه ماهو فيه من عز السلطان، وشغل الليل و النهار عن الاشتغال لله تعاى في ظلمات الليالي، فكان أعبد العباد، وأعلم العلماء، وأحكم الحكماء، وأعدل الولاة، وهكذا فليكن الولاة، وإلا فلا خير في العيش إذن!

المراجع

  1. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم:235/5 
  2.  الزهد، لأحمد بن حنبل:242/1 
  3.  السفط: الوعاء الذي يعبأ فيه الطيب وما أشبهه من آلات النساء ، السفط التابوت الصغير، انظر: المغرب في ترتيب المغرب، للخوارزمي:226/1 
  4.  دراعة: تطلق على رداء واسع يسمى بالإزار أيضا، انظر: تكملة المعاجم العربية، لدوزي:330/4 
  5.  غل: طوق من حديد تشد به اليد إلى العنق، انظر: تفسير غريب القرآن، الكواري:5/13 
  6.  حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، لأبي نعيم:291/5 
  7.  محاسبة النفس، لابن أبي الدنيا:112/1
السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ مشاهد من ليل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه

معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day