مشاهد من ليل أبي سليمان الداراني رضي الله عنه
وهذا العبد المحب لله تعالى،
أبو سليمان الداراني رضي الله عنه، العابد الزاهد، الناطق بالحكمة، القائم لله تعالى في سواد الليل، يبتغي حبه، ونيل مرضاته؛ فعن ؟أحمد بن أبي الحواري، قال
( دخلت على أبي سليمان وهو يبكي فقلت له: ما يبكيك؟ فقال لي: ياأحمد، ولم لا أبكي وإذا جن الليل ونامت العيون وخلا كل حبيب بحبيبه، وافترش أهل المحبة أقدامهم، وجرت دموعهم على خدودهم، و قطرت في محاربتهم، أشرف الجليل سبحانه وتعالى، فنادى جبريل: بعيني من تلذذ بكلامي، فلم لا تنادي فيهم: ما هذا البكاء؟ هل رأيت حبيبا يعذب احبابه؟ أم كيف يجمل بي أن أعذب قوما إذا جنهم الليل تملكني؟ فبي حلفت إذا وردوا علي في القيامة لأكشفن لهم عن وجهي الكريم؛ حتى ينظروا إلي وأنظر إليهم)
[1]
وعن ذي النون المصري، قال
( تسمعوا ليلا على أبي سليمان الداراني، فسمعوه يقول: يارب إن طالبتني بسريرتي؛ طالبتك بتوحيدك،وإن طالبتني بذنوبي؛ طالبتك بكرمك، وإن جعلتني من أهل النار؛ أخبرت أهل النار بحبي إياك)[2] رحم الله أبا سليمان؛ ما قال هذا القول جرأة على الله تعالى، وإنما قاله حسن ظن بربه عزوجل، وجميل رجاء فيه؛ فإن المحب لله تعالى يعطى من حسن الظن وجميل الرجاء ما لا يخطر على بال!
وعن أحمد بن أبي الحواري، قال
(قال لي أبو سليمان: يا أحمد إني محدثك بحديث، فلا تحدث به حتى أموت، نمت ذات ليلة عن وردي[3]، فإذا أنا بحوراء تنبهني، وتقول : يا أبا سليمان تنام وأنا أربي لك في الخدور[4] منذ خمسمائة)[5]
وعن أحمد بن أبي الحواري، قال: قال لي أبو سليمان
( يا احمد، كن كوكبا، فإن لم تكن كوكبا؛ فكن قمرا، فإن لم تكن قمرا؛ فكن شمسا؛ فقلت: يا أبا سليمان، القمر أضوا من الكوكب، والشمس أضوأ من القمر، قال: يا أحمد، كن مثل الكوكب طلع أول الليل إلى الفجر، فقم أول الليل إلى آخره، فإن لم تقو على قيام الليل، فكن مثل الشمس، تطلع أول النهار إلى اخره، فإن لم تقدر على قيام الليل؛ فلا تعص الله تعالى بالنهار)
[6]
وعن أحمد بن أبي الحواري، قال
( سمعت أبا سليمان، يقول: ربما أقمت في الآية الواحدة خمس ليال، ولولا أني بعد أدع الفكر فيها ما جزتها أبدا، وربما جاءت الاية من القران تطير العقل فسبحان الذي رده إليهم بعد)
[7]
وعن أحمد بن أبي الحواري قال
( قلت لأبي سليمان : تبيت عننا؟ قال: ما أحبكم تشغلوني بالنهار؛ وتريدون أن تشغلوني بالليل)
[8]
وعن أحمد بن أبي الحواري، قال
( سمعت أبا سليمان يقول: إذا لذت لك القراءة؛ فلا تركع ولا تسجد، وإذا لذلك السجود؛ فلا تركع ولا تقرأ، الأمر الذي يفتح لك فيه؛ فالزمه)
[9]
وهذا من فقه أبي سليمان رحمه الله تعالى _؛ فإن مقصود الصلاة أن يجد العبد قلبه فيها؛فإذا وجد لذته؛ فليكثر منها؛ فإنه لا يدري لعله إن انتقل منها إلى غيرها أن تنتقل عنه تلك اللذة.
وعن القاسم بن عثمان الجوعي قال
(سمعت أبا سليمان الداراني، يقول: قرأت في بعض الكتب يقول الله عز وجل: يعني ما يتحمل المتحملون من أجلي، ويكابد في طلب مرضاتي، فكيف بهم؛ وقد صاروا في جوار، وتبحبح في رياض خالدي؛ فهنالك فليبشر المصريون على أعمالهم بالنظر العجيب من الحبيب القريب، ترون أن أضيع لهم عملا، وانا أجود على المولين عني فكيف بالمقبلين على؛ما غضبت على أحد كغضبي على من أذنب؛ فاستعظمه في جنب عفوي، فلو كنت معجلا أحدا، وكانت العجلة من شأني؛ العاجلة القانطين من رحمتي، فأنا الديان الذي لا تحل معصيته، ولا أطاع إلا بفضل رحمتي، ولو لم أشكر عبادي إلا على خوفهم من المقام بين يدي؛ شكرتهم على ذلك، وجعلت ثوابهم الأمن مما خافوا، فكيف بعبادي لو قد رفعت قصورا تحار لرؤيتها الأبصار فيقولون: ربنا لمن هذه القصور؟ فأقول: لمن أذنب ذنبا ولم يستعظمه في جنب عفوي ألا وإني مكافئ على المدح ؛ فامد حوني)
[10]
المراجع
- المحبة لله، لأبي إسحاق الختلي:111/1، والتبصرة، لابن الجوزي:298/2
- حلية الأولياء الأصفياء، لأبي نعيم:255/6
- المقصود بالورد، ورده قيام الليل، وهو ما اعتاده من ركعات الليل ومن تلاوة القرآن، ومن ذكر وعاء
- الخدور: جمع خدر، وهو ناحية في البيت، يترك عليها ستر؛ فتكون فيه الجارية البكر، انظر : النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير:13/2
- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، لأبي نعيم:259/9
- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، لأبي نعيم:261/9
- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، لأبي نعيم:261/9
- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، لأبي نعيم:263/9
- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، لأبي نعيم:265/9
- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، لأبي نعيم:255/9