مشاهد من ليل الشافعي رضي الله عنه
وهذا العبد المحب لله تعالى، القوام لربه تبارك وتعالى، "الإمام الكامل، العالم العامل، له السخاء والكرم، وهو الضياء في الظلم، أوضح المشكلات، وأفصح عن المعضلات، المنتشر علمه شرقًا وغربًا، المستفيض مذهبه برًا وبحرًا، المتسع للسنن والآثار، والمقتدي بما اجتمع عليه المهاجرون والأنصار، محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه، حاز المرتبة العالية، وفاز بالمنقبة السماية" (1)؛ فعن الربيع بن سليمان، قال: "كان الشافعي قد جزأ الليل: فثلثه الأول يكتب، والثاني يصلي، والثالث ينام". قال الذهبي: "قلت: أفعاله الثلاثة عبادة بالنية" (2).
وعن الحسين الكرابيسي، قال: "بت مع الشافعي، فكان يصلي نحو ثلث الليل، وما رأيته يزيد على خمسين آية، فإذا أكثر فمائة، وكان لا يمر بآية رحمةٍ؛ إلا سأل الله لنفسه وللمؤمنين أجمعين، ولا يمر بآية عذاب؛ إلا تعوذ بالله منه، وسأل النجاة لنفسه ولجميع المؤمنين، فكأنما جمع له الرجاء والرهبة معًا" (3).
وعن الربيع بن سليمان، قال: "كان الشافعي يُفتى وله خمس عشرة سنة، وكان يُحيي الليل إلى أن مات" (4).
وعن الربيع، قال: "بت في منزل الشافعي رضي الله عنه ليالي كثيرة، فلم يكن ينام من الليل إلا يسيرًا" (5).
انظر هذا العبد المحب لله تعالى، شمس الدنيا، ليله كله في العبادة: من صلاة، وتدوين علم للمسلمين، ونوم يتقوى به على العبادة والعلم؛ قيامه له لعامة المسلمين بما يدعو به لنفسه، دعاه حبه لله تعالى إلى حب الخير لعامة المسلمين وخاصتهم والدعاء لهم.
المراجع
1. حلية الأولياء، وطبقات الأصفياء، لأبي نعيم: 63/9
2. سير أعلام النبلاء، للذهبي: 248/8
3. معرفة السنن والآثار، للبيهقي: 196/1، وسير أعلام النبلاء للذهبي: 248/8
4. تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي: 403/2
5. إحياء علوم الدين، للغزالي: 355/1