البركة
الناس يسعون في هذِه الحياةِ الدنيا بِألوانٍ منَ الأعمالِ شَتّى، وكلُّ شيءٍ لا يَكونُ للهِ فبركتُه مَنزوعَة، والربُّ هوَ الذي يُبارِك وَحدَه، فالبركةُ كلُّها مِنه، والله جلّ وعَلا برَحمته يأتي بالخيرَات، وبفضَله يضاعِف البركات، وليس فضل العمل وسَعةُ الرّزق بكثرته، ولا زيادةُ العمر بتعاقُب الشهور والأعوام، ولكنْ سعةُ الرزقِ والعمُر بالبركة فيه.
والبركةُ ما كانت في قليلٍ إلاَّ كثَّرته، ولا في كثيرٍ إلا نفَعَته، ولا غِنَى لأحدٍ عَن بركةِ الله، حتى الأنبياء والرّسل يطلبونها من خالقِهم، يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: ((بينما أيّوبُ يغتسِل عُريانًا، فخرَّ عليه جرادٌ من ذهَب، فجعل أيّوبُ يحتثي في ثوبِه، فناداه ربّه: يا أيّوب، ألم أكن أغنيتُك عمّا ترى؟! قال: بلَى وعزّتِك، ولكن لا غِنى بي عن بركتك)).
البركة: -هي تكاثرَ الخير ونماءه، واستقرارَه واستمراره، وثبوته وديمومته، فلا تفترق عن الشيء الموجودة فيه، بل تظل مرتبطة به.
والمصدر الذي لا تُلتمس البركة إلا منه هو الله وحده، فهو وحده الذي (تبارك) أي: كثُرت بركاته وتزايد خيره،
قال تعالى
﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ﴾
[الفرقان1]
وقال جل شأنه
﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ﴾
[الملك1]
وقال الله
﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾
[غافر64]
وقال
﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾
[المؤمنون14]
لذلك علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نلتمس البركةَ من الله، وأن نسأله إياها، فها هو -على سبيل المثال- كان إذا رأى باكورة الثمر، دعا الله سبحانه وسأله البركةَ؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُؤتى بأوَّل الثَّمر فيقول: ((اللهم بارك لنا في مدينتنا، وفي مُدِّنا، وفي صاعِنا، بركةً مع بركة))، ثم يعطيه أصغر من يحضُرُه من الولدان.
إنها إن وُجدت وحلَّت، تتسع الأوقاتُ، وتتضاعف الطاقات، وتتحقق الإنجازات، ووقعت المعجزات، وإن فُقدت أو رحلت، فربما خرج الإنسانُ من هذه الحياة -مهما طال عمره، وكثُر سعيُه- بلا زاد قدَّمه، ولا أثر خلَّفه.
ولقد حلَّت هذه البركةُ الربانية على هذه الأرض قبل أن يستخلف اللهُ الإنسان فيها بملايين السنين،
فقال تعالى
﴿قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ* وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ﴾
[فصلت9-10]
وبارك فيها؛ أي: جعلها مباركةً، قابلة للخير والبَذْر والغِراس.
وبصفة عامة وإجمال مختصر واضح، فالذين ينتفعون ينتفع ببركات الله في هذه الأرض هم الذين اتقَوا ربهم، وعمَروها بمنهج الله -عز وجل-
قال تعالى
﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾
[الأعراف96]
وعلى العكس من هذا، فإن التغييرَ والتبديل والإعراض عن منهج الله -تعالى -سبب لزوال البركة، وذهاب الخير؛ وقد قص اللهُ -تعالى- علينا نبأَ "سبأ" الذين أُبدلوا من بعدِ البركات والنماء مَحْقًا؛
قال تعالى
﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ*فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ﴾
[سبأ15-16]
ولا شك أن كل منا يحتاج بشدة إلى مثل هذه البركة في كل شأن من شئون حياتنا، فإننا نحتاج إلى البركة في عمرنا حتى لا يضيع هباء، ومع وجود البركة في الأرض من قبل استخلاف الإنسان فيها، إلا أن كثيرا من الناس -وبعضهم مسلم للأسف -لا ينعَم بالبركة في حياته، فيفتقدها في كل مجالات الحياة، فلا يشعر بالبركة في المال والأولاد،
مع أن الله تعالى قال عنها
﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾
[الكهف46]
وكثير منا لا يَنعم بزوجته مع أن الله تعالي جعلها سكنًا ومودة ورحمة،
فقال - سبحانه
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾
[الروم21]
فالزوجة خلقها الله للسكن، فقوله تعالى ﴿لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾؛ أي: تألفونها، وترتاحون وتطمئنون إليها، ولكن الزوجة عندَ البعض لا أُنسَ ولا مودة ولا رحمة، مشاكل وخِلافات، ومحاكم، لماذا؟ لأنَّه لم يُبارَكْ فيها.
إن البركةُ هِبةٌ من الله فوق الأسباب الماديَّة التي يتعاطاها البشرُ، فإذا باركَ الله في العُمر أطالَه على طاعته، وإذا باركَ الله في الصحة حفِظَها لصاحبِها، وإذا باركَ في المال نمَّاه وكثَّرَه، وإذا باركَ الله في الأولاد رزقَ بِرَّهم وهداهم وأصلَحَهم، وإذا باركَ الله في الزوجة أقرَّ بها عينَ زوجها.
إننا وللأسف نعاني من نزع البركة من حياة الناس، فقد نُزعت على مستوى الأفراد، وأدى ذلك إلى نزعها على مستوى الأمة، فالأمة اليوم كثيرة ولكن كثرة لا بركة فيها، وصدَق فينا قول المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: ((يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كما تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِهَا فقال قَائِلٌ وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قال: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزَعَنَّ الله من صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ الله في قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ فقال قَائِلٌ يا رَسُولَ اللَّهِ وما الْوَهْنُ قال: حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ)).
والبركة في حياتنا تظهر بوضوح في مجالات محددة، وإلا فإن البركة في كل الأرض، وفي كل الكون، والناس لا يستغنون عنها، ولكن تكون محسوسة ملحوظة في:
- العمر: وتكون البركة في العمر عندما يستطيع الإنسان في مدة حياته أن يُحقِّق من الإنجازات والأعمال الميمونة ما لا يستطيع غيره أن يحققها.
- الوقت: -والبركة في الوقت تعني اتِّساعه واغتنامه في العمل الصالح، فمن الناس من يقوم من نومه بعد عشر ساعات، لكنه يشعر أنه لم يَنَمْ، والبعض ينام من خمس إلى ست ساعات ويشعر أنه نام كل اليوم بسبب البركة.
- الرزق: -ومعنى البركة في الرزق أن يكون كافيًا، فكم من الناس من يحصل على الآلاف، لكنه محروم منها ومن سعادتها، بل ويخرج مديونًا بسبب عدم وجود البركة.
- العلم: كيف يكون في العلم بركة؟ والجواب: إذا سمعت آية أو حديثًا، واستفدت منهما، وطبقتهما في حياتك، فهذه بركة، فالعلم الذي يُنتفَعُ به بركة عليك، أما علمٌ وجودُه وعدمه على حد سواء، هذا لا بركة فيه.
- الدار: -وتكون البركة فيها بأن تتسع لأهلها، فالبعض يضيق عليه البيت وإن كان قصرًا يحسده الناس عليه، والبيت الذي يتسع لأهله وتكثر فيه البركة هو البيت الذي تحضره الملائكة، وتنفر منه الشياطين، ويملؤه الخير؛ تأملوا كيف أن الله ألهم نوحًا عليه السلام أن يقول بعد غرق قومه ونجاته:
﴿وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ﴾
[المؤمنون29]
- الزوجة والمركب: -جاء في صحيح الجامع: ((ثلاث من السعادة، وثلاث من الشقاوة: فمن السعادة: المرأة تراها تعجبك، وتغيب فتأمنها على نفسها ومالك، والدابة تكون وطيئة فتلحقك بأصحابك، والدار تكون واسعة كثيرة المرافق، ومن الشقاوة: المرأة تراها فتسوؤك، وتحمل لسانها عليك، وإن غبت عنها لم تأمنها على نفسها ومالك، والدابة تكون قَطوفًا فإن ضربتها أتعبتك، وإن تركتها لم تلحقك بأصحابك، والدار تكون ضيقة قليلة المرافق)).
فهذا الإمام البخاري رحمه الله جمع مائة ألف حديثٍ صحيح، وقد عاش خمسًا وستين سنةً فقط، وهذا سعد بن معاذ رضي الله عنه أسلم وعُمره ثلاثون، ومات وعمره ستٌّ وثلاثون، ولكن ((اهْتَزَّ العَرْشُ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ))
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خيركُم من طال عمره وحسن عمله)).
وهناك أوقات تكون فيها البركة؛ كما أخبر صلى الله عليه وسلم ودعا لها: ((اللهم بارك لأمتي في بكورها، فكان صخر الغامدي يبعث الغلمان بالتجارة في الصباح الباكر ويقول: أُريد أن تصيبني دعوة النبي صلى الله عليه وسلم))
والبركـة في الــرزق يفهمها بعض النـاس أنها الزيـادة والسعة في المال والربح والكسب فقط، وهذا فهم قاصر، فالعلم والأولاد وراحة البال والسكينة والطمأنينة ..........الخ، كل هذه أرزاق، ولا نشعر بها لأننا فقدنا البركة فيها.
فلنحرص على استجلاب البركات في أرزاقنا، ولنسع دوما إلى تجديد الطاقات الإيمانية في حياتنا.
كم مِنَ الناس مَن يسمع من المحاضرات ويتردد على مسامعه العلم والأحكام، لكن لا أثر له في حياته، مثل هذا يحتاج إلى طلب البركة في العلم الذي تعلمه حتى ينتفع به!
إذا بارك الله بالمال أصبح وفيرًا، وإذا بارك بالطعام أصبح هنيئًا.. إذا بارك الله في الشيء لم يفن، كثرة المال والولد من غير بركة قليل النفع ضئيل الفائدة..
إننا -ومع الأسف -نستطيع أن نقول وبكل ثقة أننا في زمان قلة فيه البركة، بل ومع البعض مُحقت البركة نهائيا، فلا بركة في المال، ولا بركة في الرزق، ولا بركة في الولد، ولا بركة في الزوجة، ولا بركة في الدار، ولا بركة في العمر، ولا بركة في الوقت وهكذا.
من الناس أيضا من يكون على النقيض من ذلك، فالبركة في كل شؤون حياتها، بركة في العمر وبركة في الوقت، وراحة البال، وزيادة في المال والعلم، تنام في رغد وخير وبر من الأولاد.
فإذا كان هذا حال الناس في هذه الأيام، فإنه من الواجب على المسلم ان يتعلم كيف يستجلب البركة ليعيش بها، فبما أننا فقدنا البركة من حياتنا فما السبيل لعودتها؟
ما هي سبل استجلاب البركة؟
إنه لسؤال مهم ويحتاج إلى فعل وأداء، لا لمجرد أقوال، وتأسف على الأحوال، فلكي تعود البركة لابد من: -
- تقوى الله سبحانه وتعالى: -إن البركة تستجلب بتقوى الله وطاعة الله والالتزام بالأوامر والنواهي ي
قول الله سبحانه وتعالى
﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ﴾
[الأعراف 96]
﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾
[المائدة66]
- فلننظر في أنفسنا وفي بيوتنا وفي مجتمعنا أين نحن من تقوى الله وطاعته، سنرى أن المعاصي منتشرة، والإيمان قد ضعف في نفوسنا، والتقوى قد غابت عن قلوبنا، حتى صرنا لا نرجو لله وقاراً، ونعصيه ليلاً ونهاراً، ونخالف أوامره سراً وجهاراً، أصبحنا لا نقيم لأوامر الدين ونواهيه وزناً، ولا نعطي العبادات اهتمامًاً وقدراً، بل ربما أصبح بعضنا لا يلقي للصلاة بالاً، فتجد أن صلاته وعبادته تكون في المرتبة الأخيرة من اهتماماته وتأتي في مؤخرة أولوياته فكيف نرجو البركة.
- العودة إلى القرآن والتمسك به قراءة وحفظا وعملا وعلما، فالبركة موجودة في كتاب الله فأين نحن من كتاب الله؟ وكم نقرأ كل يوم من القرآن الكريم؟ وما هو حزبنا ونصيبنا منه؟ فإنه كتاب مبارك وتلاوته تجلب الخير والبركة
يقول الله سبحانه وتعالى
﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾
[ص29]
ويقول جل شأنه
﴿وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾
[الأنبياء50]
﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾
[الأنعام155] ف
- 3- إذا أردنا البركة فلنجعل لنا من كتاب الله نصيباً وورداً نقرأه حتى ونحن في أشغالنا وأعمالنا ولنكثر من سماع القرآن وفتح قنواته في بيوتنا ومحلاتنا وجوالاتنا حتى يُبارك لنا.
- الدعاء بالبركة: فمما لا شك فيه أن الدعاءَ هو أقرب الأسباب لنيل ما عند المولى -عز وجل- من الخير، فمن دعا اللهَ -تعالى- بالبركة فاستجاب الله دعاءه، فإنه يحصِّل البركةَ من أخصر طُرقها؛ لذلك كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُعطيها من يحب؛ فعن أنس -رضي الله عنه -قال: مات ابن لأبي طلحة من أم سليم، فقالت لأهلها: لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه، قال: فجاء فقربت إليه عشاء فأكل وشرب، فقال: ثم تصنعت له أحسن ما كان تصنع قبل ذلك، فوقع بها، فلما رأت أنه قد شبع وأصاب منها، قالت: يا أبا طلحة أرأيت لو أن قوما أعاروا عاريتهم أهل بيت فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم؟ قال: لا، قالت: فاحتسب ابنك، قال: فغضب، وقال: تركتني حتى تلطخت ثم أخبرتني بابني، فانطلق حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ""بارك الله لكما في غابر ليلتكما قال فحملت....""
- 4- الحرص على الإنفاق من الحلال وترك المحرمات: -قال الله عن الربا ومَحْقِه للبركة:
﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾
[البقرة276]
- 5- الجود والكرم والتكافل
يقول الله -تعالى
﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾
[سبأ39]
ويقول تبارك وتعالى
﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾
[البقرة261]
- وختاما.... فالبركة نعمةٌ من نِعَم الوهاب، ونفحة من الواسع العليم، والكيِّس الفطِنُ هو الذي يلتمسها من المولى الكريم، ويدخل بالْتماسه على ربه من الأبواب التي رضِيها وشرَعها، والتي ذكرْنا بعضها كأسبابٍ لتحصيل البركة، وإن المسلم -وبخاصة في هذه الأزمان- لفي مسيس الحاجة إلى نيل البركات؛ ليصلَ إلى ما يريد من خيرَي الدنيا والآخرة من أقصر الطُّرق وأخصرِها.
- تطبيق منهج الله وسنة رسوله في الأمور اليومية التي نفعلها كعادة لا كعبادة، كالأكل والشرب، والدخول والخروج، والبيع والشراء ...الخ.
- فإذا أردنا أن تحل البركة في الطعام الذي نأكله فعلينا بالتزام السنة التي حثت على البركة وأشارت إلى مواطن نزولها، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْبَرَكَةُ تَنْزِلُ وَسَطَ الطَّعَامِ فَكُلُوا مِنْ حَافَتَيْهِ وَلَا تَأْكُلُوا مِنْ وَسَطِهِ.
- الاجتماع على الطعام وعدم الأكل منفردا سبب من أسباب البركة في الطعام، فعن وَحْشِيّ بْن حَرْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: "يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَأْكُلُ وَلَا نَشْبَعُ. قَالَ: فَلَعَلَّكُمْ تَفْتَرِقُونَ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَاجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ".
- الحرص على السحور للصائم: -فقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالسحور عند الصيام، فعن أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً".
- السلام على الأهل عند دخول البيت يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنس بن مالك - رضي الله عنه -"يا بني إذا دخلت على أهلك فسلم، يكون بركة عليك وعلى أهل بيتك"
- سلوك السبيل السويِّ في الكسْب والاسترباح وطلب الرزق الحلال، والتعفف عن الحرام وعن الشبهات:
- فإذا كان المسلم ينشُد البركة في رزقه، وفي صحته، وفي ولده، فعليه بتحري الحلال في التكسب، والترفُّع عن كل ما لا يحل له من المال والمتاع، وعليه بالصِّدق والأمانة والعفة والصيانة، وألا ينغمسَ في الربا أو الغش أو ما شابه ذلك من المحرمات التي فيها أكلٌ لأموال الناس بالباطل؛ فإنه إن سار على منهج الله، فإن البركةَ ستحُلُّ في كسبه ورزقه وحياته كلها.
- وهذه نماذج متفرقة من النصوص النبوية تقرر وتؤكد هذه الحقيقة:
عن حكيم بن حزام -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال
(البيِّعان بالخيار ما لم يتفرَّقا؛ فإن صدقا وبيَّنا، بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا، مُحقت بركةُ بيعهما)
[2]
- وعن ثوبان قال: "جاء حكيم بن حزام فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- فأعطاه، ثم سأله فأعطاه، ثم سأله فأعطاه، فقال: ((يا حكيمُ، إن هذا المالَ خضِرة حُلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس، بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفسٍ، لم يبارَكْ له فيه، كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خيرٌ من اليد السفلى))، قال حكيم: فقلت: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق، لا أرزأ أحدًا بعدك شيئًا حتى أفارقَ الدنيا؛ فكان أبو بكر -رضي الله عنه- يدعو حكيمًا إلى العطاء فيأبى أن يقبْلَه منه، ثم إن عمر -رضي الله عنه- دعاه ليعطيَه فأبى أن يقبل منه شيئًا، فقال: إني أشهدكم يا معشر المسلمين على حكيم، أني أعرِض عليه حقَّه من هذا الفيءِ فيأبى أن يأخذه، فلم يرزأْ حكيمٌ أحدًا من الناس بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى توفِّيَ"؛ رواه البخاري في الزكاة، باب: الاستعفاف عن المسألة، ورواه مسلم أيضًا.
- - 5- البر والصلة وحسن المعاملة مع الخَلْق:
عن أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال
((من أحب أن يُبسطَ له في رزقه، ويُنسأَ له في أَثَره فليصِلْ رحِمَه))
[3]
- والمقصود بقوله: "يُنسأ له في أثَره": أن تحصلَ له البركةُ في عمره، وأن يوفَّقَ للطاعات، ولِعمارة أوقاته بما ينفعه في الآخرة[4]
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت
"إن حُسْنَ الخُلق، وحسن الجوار، وصلة الرحم - تعمُر الدارَ، وتَزيد في الأعمار"
[5]
- - حسن تنظيم الوقت والمبادرة إلى اغتنامه:
- فالوقت هو رأس مال المسلم، ومسؤولياتُه في هذه الحياة تضيق بها الأوقات، وتفنى فيها الأعمار؛ لذلك كانت المبادرةُ إلى اغتنام الوقت وحُسن تنظيمه واجبًا من الواجبات الكبار؛ لأن واجباتِ المسلم لا تتمُّ إلا بهذا، وما لا يتم الواجبُ إلا به فهو واجب، وقد دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- لأمَّته بالبركة في بكورها؛ لأن البكور مبادرةٌ إلى اغتنام الوقت، وتبكيرٌ إلى حسن استغلاله وتنظيمه؛ فعن صخر بن وداعة الغامدي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اللهم باركْ لأمتي في بكورها))، وكان إذا بعث سَريةً أو جيشًا بعثهم في أول النهار، وكان صخرٌ رجلاً تاجرًا، وكان يبعث تجارتَه في أول النهار؛ فأثرى وكثُر ماله[6].
- -
وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كُلُوا جميعًا ولا تَفرَّقوا؛ فإن طعامَ الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الثلاثة والأربعة، كُلوا جميعًا ولا تفرقوا؛ فإن البركةَ في الجماعة))
[7]
- -
- وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((فاجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسمَ الله عليه، يُبارَكْ لكم فيه))[8].
- 8- الجهاد في سبيل الله:
- يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((الخيل معقودٌ في نواصيها الخيرُ إلى يوم القيامة: الأجر، والمغنم)).[9]
- -
- فالجهاد خيرٌ وبركة على هذه الأمَّة إلى يوم القيامة، فيه الأجر الكبير والثواب الجزيل، وفيه الرِّزق الواسع الشريف الذي هو أشرفُ الأرزاق، والذي هو رزق أشرفِ الخلق محمَّد -صلى الله عليه وسلم-: ((وجعل رزقي تحت ظلِّ رمحي))، وفيه -إلى جانب ذلك- قيامُ الدين، وتحقيقُ مصالح العباد في الدارين.
- -
فالتزامنا بسنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعدم الأكل من منتصف الطعام يجعل البركة تنزل في هذا الطعام.
وبالطبع إذا كان الطعام مباركاً فإن الطعام القليل يكفي الكثير من الأكلة، والطعام المبارك يفيد الأبدان ولا يمرضها.