إعجاز القرآن والسنة في علم الأجنة
أستاذ الفيرولوجيا بجامعة بنى سويف ، وعضو الهيئة العالمية للكتاب والسنة ، ورئيس اللجنة الطبية بالمركز الدولي للإعجاز العلمي للبحوث والتدريب
مقدمة:
يبين الله عز وجل أن الذرية مخلوقة من التراب قال تعالى في سورة الحج: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ...(5) ، كما كان الحال مع أبيها آدم عليه السلام وكيف لا ؟ وهى سلالة منه ، قال تعالى في سورة المؤمنون:
﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12﴾
سورة المؤمنون
، ومن العجب أن أول آيات نزلت على قلب الحبيب المصطفى ﷺ تدل على علم التشريح والأجنة
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)
سورة القلم
والسنة النبوية مستفيضة أيضا فى بيان خلق الجنين ، مما حار علماء الأجنة عند علمهم بهذه النصوص.
التوجيه العلمي:
خلق النطفة: يبين الله عز وجل أن خلق الذرية فى الأرحام يبدأ من النطفة "
مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19)
سورة عبس
والنطفة المقدرة أى المختارة تشمل نطفة الرجل (الحيوان المنوي) ، ونطفة المرأة (البويضة) ، والنطفة الأمشاج أى المختلطة بين كروموسومات الحيوان المنوى وكروموسومات البويضة قال تعالى:
(إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا(2)
سورة الإنسان
شكل(1) يبين نطفة الرجل (الحيوان المنوى) حول نطفة المرأة(البويضة) للتخصيب وتكوين النطفة الأمشاج
تتكون النطفة الأمشاج من اختلاط واندماج الأمشاج الذكرية مع الأمشاج الأنثوية والتى تحمل الجينات التى تعطى الصفات الوراثية. وتم اكتشاف 100000 جين منها يتحدد بها ملامح هذا الجنين. وهذه الأية فيها من رحمة الله ما يدخل السرور على الناس حيث بين سبحانه وتعالى أن الخلق من النطفة الأمشاج مما فتح المجال إلى تخليق الجنين سواء عن طريق الجماع أو الإخصاب خارج الرحم كما فى (طفل الأنابيب) أو الحقن المجهرى . وأشارت الآية إلى علم الوراثة من قوله عز وجل (فجعلناه سميعا بصيرا) . مما يشير إلى أن القرآن الكريم كتاب علم وهداية للناس أجمعين.
وجه الإعجاز: لوحظ فى هذه الآية أن النطفة مفردة والأمشاج جمع وهذا دليل على أن النطفة الأمشاج يحدث فيها اختلاط واندماج للأمشاج "الكروموسومات والجينات التى عليها" من نطفة الرجل ونطفة المرأة وهذ ما تعنيه كلمة مشيج "أي: خليط"
مرحلة التخليق (الأطوار) والنشأة الآخرة:
قال تعالى:
(ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ ..(14)
سورة المؤمنون
وقال تعالى: (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14) سورة نوح.
يمر خلق جنين الإنسان بثلاث مراحل أساسية ، الأولى بدايتها النطفة الأمشاج ونهايتها العلقة (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً) وتستمر حتى 21 يوما من التلقيح. والثانية هى مرحلة التخليق (فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا) وهى مرحلة الأطوار (من اليوم 22 إلى اليوم 42) ، وجاء ذكرها فى سورة نوح (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14) ، وأهم ما يميزها هو التخليق السريع للجنين لذلك استعمل حرف العطف (الفاء) الذى يفيد التعقيب للربط والانتقال بين أطوار هذه المرحلة، وفيها يتم تخليق كل أعضاء الجنين الداخلية. والثالثة مرحلة النشأة الآخرة يقول تعالى:
ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ(14)
سورة المؤمنون
. وفصلت عن مرحلة التخليق بحرف العطف (ثم) الذى يفيد الترتيب مع التراخى ، وتبدأ من الأسبوع الثامن حتى الولادة وفيها تنمو الأعضاء ويكتمل نموها . وكل مرحلة لها بداية ونهاية ، أما الطور فليس محدد البداية ولا النهاية لقلة الفارق الزمنى بين الأطوار مع التغير فى الشكل والصفة.
شكل (2) يبين أطوار خلق الجنين
وتشير الدراسات الحديثة أن مرحلة خلق أطوار الجنين تبدا من العلقة مرورا بالمضغة والعظام ، وتنتهى بكسوة العظام باللحم ، وأهم ما يميزها هو التكاثر السريع للخلايا ، ووصف الله عز وجل هذا الأطوار بالتخليق وهو وصف علمى دقيق معبراً عن طبيعة العمليات الداخلية والمظهر الخارجى للجنين حيث ينتقل من مظهر غير متميز إلى مظهر إنسانى متميز فى الأسبوع السابع نتيجة لإنتشار الهيكل العظمى ثم بناء العضلات. ونظراً لأن العمليات التخليقية للجنين تتم بسرعة كبيرة
وجه الإعجاز: تشير الآيات لمراحل محددة البداية والنهاية ، وأسماء معبرة عن الشكل وأهم التغيرات، وحروف عطف مناسبة للفوارق الزمنية في التحول بين المراحل (ثم) أو بين الأطوار (ف). ولم يظهر علم الأجنة فى الإنسان الا فى أواخر القرن العشرين ، واستعمل لفظ الخلق فى مرحلة الأطوار، وحرف العطف ( الفاء ) الذى يفيد الترتيب مع التعقيب للربط والانتقال بين أطوار هذه المرحلة كما فى سورة المؤمنون (فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا). وذكر هذه الأوصاف فى القرآن الكريم بمصطلحاتها العلمية لهى دلالات واضحة على صدق الرسالة وصدق الرسول ، وأن القرآن الكريم كتاب علم وهداية ، وهذا لا يكون إلا وحيا من العليم الخبير.
التصوير فى الأرحام:
هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأرحام كَيْفَ يَشَاءُ(6)
آل عمران
.
المعانى اللغوية والتفسير: قال الإمام الشوكانى أصل اشتقاق الصورة من صاره إلى كذا إذا أماله, فالصورة مائلة إلى شبه وهيئة. قال الإمام القرطبى: أخبر تعالى عن تصويره للبشر في أرحام الأمهات ؛ فالصورة مائلة إلى شَبَه وهيئة، وفي ضمنها الرد على نصارى نجران، وأن عيسى من المصَوَّرين لأنه مخلوق فى الرحم وأنه ليس بإله.
التوجيه العلمى: خلق الله آدم عليه السلام خلقا كاملا بصورته ، وخلق خلاياه تحمل 46 كروموسوما إلا الخلايا الجنسية التى تنتج المنويات فهى تحتوى على( 22 كروموسوم + كروموسوم يحدد جنس الجنين الذكر Y) ونسبتها 50% ، وخلايا أخرى تحتوى على (22 كروموسوم + الكروموسوم الذى يحدد نوع الجنين أنثى( X ونسبتها 50% . ولما خلق الله حواء من ضلع آدم انتقلت الصفات الوراثية من آدم إلى حواء على 22 زوج من الكروموسومات ، وانتقلت معها الخلايا الجنسية التى تعطى البويضات لتكوين الأنثى واصبحت نسبتها فى حواء 100% وهذه الخلايا الجنسية هى التى تعطى النطاف الأنثوية فيما بعد. وعندما تزوج آدم بحواء تكونت النطفة الأمشاج التى يتم منها التصوير ، وهى تحمل 46 كروموسوما (22 + (Y + (22 + X ) لتعطى ذكورا خلاياها تحتوى على (44 + (YX ، أو (22 + X ) + (22 + X ) لتعطى إناثا (44 + XX). بحيث تحمل الذكور (YX) والإناث (XX) وبهذا جعله الله منه الخلافة فى الأرض حيث أخذت صورة طبق الأصل منه لذريته. ولو مات آدم عليه السلام دون خلق حواء منه ودون أخذ صورة منه لانقطعت الخلافة من الأرض، ولكن الله أرادها بهذه الكيفية جيلا يخلف جيل ، ويدل على صحة هذا الفهم قول الله (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ۖ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۚ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ (9) سورة السجدة فكان آدم عليه السلام من الطين ، وجعل منه نسله فى ماء مهين وهو النطاف ، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة دليلا على التصوير من النطفة الأمشاج. والصورة لها لوازم للتصوبر وهى: مصور : قال تعالى عن نفسه أنه المصور ، وآلة تصوير: هو انزيم جعله الله فى الحمض النووى للذرية ويسمى بالبوليميراز ر.ن.ا وهو الذى يقوم بالتصوير لحامل الشفرة mRNA من الضفيرة الغير مشفرة ، والشئ المراد أخذ صورة له (الأصل) : هو آدم عليه السلام. ومادة يتم التصوير عليها (الفيلم): هو حامل الشفرة الوراثية (mRNA). وتكون الصورة للنسل طبق الأصل من صورة آدم عليه السلام للذكور ومن صورة حواء عليها السلام للإناث. وقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ(6) سورة آل عمران أى يصوركم من النطفة الأمشاج التى تجمعت من الذكر والأنثى.
وكان التصوير الجنينى الأول لأبناء آدم فى رحم حواء ، والتصوير الجنينى للذرية جيلا من بعد جيل فى أرحام الأمهات. وأن الجنين في الرحم هو صورة (تمثال) منفذة من الحمض النووي في النطفة الأمشاج والذى يحمل الشفرات الوراثية التى تعطى الصورة. وكروموسومات النطفة الأمشاج (23 زوج ) ، وكل زوج من الكروموسومات عبارة عن ضفيرتين من الحمض النووى تلتف إحداهما حول الأخرى بشكل حلزونى ، واحدة مشفرةstrand) coding) والثانية التى تلتف عليها هى الغير مشفرة (noncoding strand) . وعند التصوير من النطفة الأمشاج يكون من الضفيرة الغير مشفرة (non coding strand) لتطعى حامل شفرة طبق الأصل للضفيرة المشفرة strand) coding) وبهذا لا تندثر صفات الجنس البشرى مما يحافظ على الخلافة فى الأرض. والضفيرة الأولى هى الأصل ويرمز لها (5___3) والضفيرة الثانية عكسها ، ويرمز لها من (3___5) وإذا حدث خلل فى التصوير من الضفيرة الغير مشفرة فيكون نادرا وبنسبة 1 : 100 مليون فى نسخ الذرية مما يؤدى إلى طفرة بسيطة فى الذرية ، وهذه الطفرها حسبها العلماء أنها تحدث بمعدل مرة واحدة كل 50 ألف سنة هذا لو حدثت ولذلك جعل الله عز وجل بحكمته وعلمه التصوير من الضفيرة الثانية حتى لا يحدث أى خلل فى الأصل وجعل فى النواة التى بها الكروموسومات انزيمات تصحح أى خلل فى تكوين البروتينات التى تعطى الصفات الوراثية وهذه الإنزيمات تسمى انزيمات التصحيح (Proof reading Enzymes).
شكل (3) يبين كيفية التصوير فى الأرحام من حامل الشفرة mRNA الذى تكون باستخدام انزيم البولىميراز
ومن العجب العجاب فى مسألة التصوير هذه أن الجينات التى على الكروموسوم Y تنتقل كما هى بحيث يصبح الإبن شبها لأبيه وكذلك الحال بالنسبة للأنثى فتكون البنت شبية بإمها مع اختلافات بسيطة فيالها من عظمة فى الخلق والتصوير قال تعالى (هَٰذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ ۚ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (11) سورة لقمان.
أوجه الإعجاز العلمى:
لم يفطن علماء الأجنة أو البيولوجيا الجزيئية إلى هذه المعلومات الدقيقة عن الخلق والتصوير فى الأرحام إلا منذ 30 -50 سنة ، وقد بينها الله عز وجل بالتفصيل منذ 1445 عاما فى القرآن الكريم ، كما بينتها السنة النبوية كما فى قوله ﷺ:(إن النطفة إذا استقرت فى الرحم أحضرها الله كل نسب بينها وبين آدم() ، وفى الحديث قوله ﷺ (النَّاسُ بنو آدمَ ، وآدمُ خُلِق من ترابٍ(). وكلمة التصوير تدل على دقة اللفظ بإمالة الصورة إلى شكل وهيئة. ولا يتم التصوير من نطفة الذكر فقط ولا من نطفة الأنثى فقط ، وإنما من النطفة الأمشاج بعد تعلقها بجدار الرحم وتحولها إلى مضغة . واختتم الله عز وجل الآية بالمشيئة والكيفية التى لا تكون إلا له عز وجل . وأن التمايز والمفاصلة بين البشر تعتمد على الجينات التى على الحمض النووى وكل هذا بمشيئته ﴿ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(17) سورة المائدة. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
دكتور/ حنفي مدبولىي – أستاذ علم الفيروسات بجامعة بني سويف ، ورئيس اللجنة الطبية بالمركز الدولى للإعجاز العلمي للبحوث والتدريب والترجمة