الحي القيوم غير
أسماء الله تعالى كلها حسنى، وصفاته كلها كذلك، والمتأمل فيها يجد أن في أسماء الله سبحانه الكمل الدال على ألوهيته وأحقيته بالربوبية والعبادة والطاعة.
وهناك إسمان لم يذكرا إلا مع بعضهما، وهما "الحي القيوم".
وتلك أول مزية لهما دون غيرهما من الأسماء، انهما لا يذكران إلا مع بعضهما، ولم يردا في القرآن مقترنين إلا مع بعضهما "الحي القيوم".
فما أعجبهما من اسمين، وما أبدعهما من وصفين، إنهما اسمان يحتويان على جميع صفات الكمال.
فـ "الحي" هو كامل الحياة، يتضمن جميع الصفات الذاتية لله كالعلم والعزة والقدرة والإرادة والعظمة والكبرياء وغيرها من صفات الذات المقدسة.
"القيوم" هو كامل القيومية، الذي قام بنفسه، وعظمت صفاته واستغنى عن جميع مخلوقاته، وقامت به الأرض والسماوات وما فيهما من المخلوقات.
واقتران "الحي بالقيوم" يستلزمان سائر صفات الكمال، ويدل على بقائها ودوامها، وانتفاء النقص والعدم، ولهذا كان قول العلماء والمفسرين بأن آية الكرسي هي أعظم آية في القرآن، كما ثبت ذلك في الصحيح
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأل أبي بن كعب قائلا:
((يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟)) قلت: الله ورسوله أعلم، قال: ((يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟)) قال: قلت: الله لا إله إلا هو الحي القيوم، قال: فضرب في صدري، وقال: ((والله ليهنك العلم أبا المنذر))
، فكلها في تعظيم الله وتوحيده، وما له من حق على العباد، ومعرفة عظمته، فعلى هذين الاسمين مدار الأسماء الحسنى كلها، وإليهما ترجع معانيها.
ولم يقترن الحي إلا باسمه القيوم، وأن هذين الاسمين، مذكوران في القرآن معا في ثلاث سور، وهما من أعظم أسماء الله الحسنى، حتى قيل، إنهما الاسم الأعظم،
عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((اسْمُ اللَّهِ الأَعظَمُ فِي سُوَرٍ مِنَ القُرآنِ ثَلَاثٍ: فِي " البَقَرَةِ " وَ " آلِ عِمرَانَ " وَ " طَهَ ")).
وعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا وَرَجُلٌ يُصَلِّي ثُمَّ دَعَا اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ،
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى)).
والقيوم هو القائم بنفسه مطلقاً لا بغيره، الباقي أزلاً وأبداً، القائم بتدبير أمور الخلق وتدبير العالم بجميع أحواله وبأمر خلقه في إنشائهم وتولي أرزاقهم وتحديد آجالهم وأَعمالهم وهو العليم بمستقرهم ومستودعهم، وهو الذي يقوم به كل موجود حتى لا يتصور وجود شيء ولا دوام وجوده إلا بقيوميته وإقامته له.
فالقيوم الذي بلغ مطلق الكمال في وصفه، والباقي بكماله على الدوام دون تغيير أو تأثير.
فإذا كان هذين الاسمين يشتملان على ما ذكرناه الآن، وغيره كثير مما لم نذكره لعدم الإطالة، أفلا يستحق العبادة وحده دون أحد سواه؟ أبعد هذا الكمال وذاك الجلال تسمح لنفسك ان تعبد أحدا غيره أو تحب أحدا سواه؟
إنك إذا تأملت ووقفت مع نفسك وقفة صدق لابد وان تخضع ليوميته، وتقر بأحديته، وتتعبده بحياته الأبدية السرمدية سبحانه وتعالى.