عالم الجن والعلاقة بهم
عالم الجن وعالم البشر عالمان مختلفان، فعالم الإنس بالنسبة للجن مرئي مشاهد، وعالم الجن بالنسبة للإنس غيبي غير مرئي.
ولو تأملنا العلاقة التي تربط العالَمين منذ القدم لوجدناها هي هي لم تتغير،
قال تعالى:
{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا }
.(الجن:6)
الجِنُّ: ضد الإنس، والواحد جِنِّيٌّ، سميت بذلك لأنها تتوارى عن الأنظار ولا تُرى.
لم يخالف أحد من طوائف المسلمين في وجود الجن، ولا في أن الله أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم إليهم.. وهذا لأن وجود الجن تواترت به أخبار الأنبياء تواترا معلوما بالاضطرار، ومعلوم بالاضطرار أنهم أحياء عقلاء فاعلون بالإرادة، بل مأمورون منهيون " .
والأدلة على وجود الجن من القرآن كثيرة منها، ولا أدلَّ على ذلك من أن الله سمى سورة كاملة باسمهم "الجن " وقص فيها من أخبارهم وأقوالهم الشيء الكثير، وأما أحاديث السنة الدالة على وجودهم فأكثر من أن تحصر.
خلق الله الجن قبل أن يخلق الإنس، والدليل على ذلك
قوله تعالى:
{ وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه }
(الكهف:50)
فذكر أن إبليس من الجن، وأن خلقهم كان سابقا لخلق آدم عليه السلام،
وقال تعالى:
{ ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون والجان خلقناه من قبل من نار السموم }
(الحجر:26-27).
أما مادة خلقهم فهي النار، بدليل
قوله تعالى:
{ والجان خلقناه من قبل من نار السموم }
(الحجر:27)
وسميت نار السموم: لأنها تنفذ في مسام البدن لشدة حرها،
وقال تعالى:
{وخلق الجان من مارج من نار}
(الرحمن:15)
والمارج أخص من مطلق النار لأنه اللهب الذي لا دخان فيه .
وفي صحيح مسلم عن عائشة - رضي الله عنها- أن - رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال:
( خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم ).
ولا يخفى أن خلق الجان من نار لا يلزم منه أن أشكالهم وهيئاتهم كالنار، فالبشر خلقوا من تراب وليسوا كذلك، ولكن يؤخذ منه أن في الجن صفات من صفات النار كالخفة واللطافة، مثلما للبشر من صفات التراب كالثقل والكثافة.
وجنس الجن كجنس الإنس فيهم الذكور والإناث،
قال تعالى:
{ وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً }
(الجن: 6) .
وفي حديث زيد بن أرقم أن رسول الله - صلى الله علية وسلم - قال:
( إن هذه الحشوش محتضرة، فإذا أتى أحدكم الخلاءَ فليقل: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث )
والخُبُث – بضم الخاء والباء -: ذكور الجن، والخبائث: إناثهم.
فهناك علاقة بين الإنس والجن، حتى وإن لم يكن هناك علاقة، فهو خلق غيبي من خلق الله، وانكارهم كفر، فلابد من التعرف عليهم، عن لم يكن لمجرد الخلق، فلتعلم شيء معلوم من الدين بالضرورة.
أما علاقتنا بهم فهي كأي علاقة، قد يشوبها بعض المفاسد، وقد ينالها بعض المصالح ونذكر نماذج لعدم الإطالة: -
أولاً: الأخوة بين الجن والإنس: -
فإن المسلم الجني الصادق في إيمانه أخ للمؤمن الإنسي، وقد أثبت النبي صلى الله عليه وسلم الأخوة بين المؤمنين من الإنس والجن،
كما في الحديث:
(لا تستنجوا بالروث، ولا بالعظام؛ فإنه زاد إخوانكم من الجن)
الرسل لنا ولهم:
فالجن لهم طعام، فحين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الزاد،
قال لهم صلى الله عليه وسلم:
لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما، وكل بعرة علف لدوابكم )
رواه مسلم .
ولا يخفى أن ذكر هذين الصنفين من الطعام لا يدل على أن الجن عامة مقتصرون عليهما، فربما كان ذلك من أهم طعامهم، أو أنه مختص ببعضهم على حسب أصنافهم وأماكن إقامتهم .
وتحول العظم إلى أوفر ما يكون لحما، وكذلك الروث إلى علف للدواب، مختص بالمؤمنين فحسب. أما الكفّار من الجن فليس لهم ذلك، بل هم يستحلون كل طعام لم يذكر اسم الله عليه، كما
في الحديث:
( إن الشيطان يستحل الطعام الذي لم يذكر اسم الله عليه).
ومما يمنع الشياطين من تناول طعام الأنس ذكر اسم الله عليه،
فعن جابر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلي الله علية وسلم - يقول:
( إذا دخل الرجل بيته فذكر الله تعالى عند دخوله وعند طعامه، قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله تعالى عند دخوله، قال الشيطان: أدركتم المبيت. وإذا لم يذكر الله تعالى عند طعامه، قال: أدركتم المبيت والعشاء)
فإن الجن لم يكن منهم نبي من أنبياء الله ولا رسول من رسله، وإنما كان منهم المنذرون،
قال الله تعالى:
(وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ)
[الأحقاف29]
فشاء الله سبحانه وتعالى أن يخص بالنبوة والرسالة بني آدم ويجعلها في الرجال منهم خاصة، ويجعل من الجن نذراً،
قال الله تعالى:
{يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء}
.[البقرة:105]
عبادة الإنس للجن:
وهذه أسوأ أنواع العلاقة بين الطرفين وهي علاقة العبودية والتسخير،
قال تعالى:
{وجعلوا لله شركاء الجن}
[الأنعام:100]
قال القرطبي في تفسير الآية: "هذا ذكر نوع آخر من جهالاتهم، أي فيهم من اعتقد لله شركاء من الجن .. والآية نزلت في مشركي العرب . ومعنى إشراكهم بالجن أنهم أطاعوهم كطاعة الله عز وجل " أهـ
أهمية التحصن منهم بالذكر والدعاء لإمكانية رؤيتهم لنا في كل الأوضاع: -
فقد يطّلع الجن على عورات بني آدم:
فعن علي بن أبي طالب أن رسول الله قال:
(ستر ما بين أعين الجن وعورات أمتي إذا دخل أحدكم الخلاء أن يقول بسم الله).
وفي الصحيحين من حديث أنس كان رسول الله عليه السلام إذا دخل الخلاء قال:
( اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث )
قال المناوي في الفيض: " قال الحكيم : وإنما يمتنع المؤمن من هذا العدو بإسبال هذا الستر، فينبغي عدم الغفلة عنه؛ فإن للجن اختلاطا بالآدميين،.. فإذا أحبَّ الآدميُّ أن يطرد الجن عن مشاركته، فليقل: بسم الله، فإن اسم الله طابع على جميع ما رُزق ابنُ آدم، فلا يستطيع الجن فك الطابع ".