عالم الجن
خلق الله عوالم كثيرة، فهو سبحانه رب العالمين، ومن خلق الله الكثيرين مسؤولون مكلفون، وهما عالم الجن وعالم البشر، وهما عالمان مختلفان، فعالم الإنس بالنسبة للجن مرئي مشاهد، وعالم الجن بالنسبة للإنس غيبي غير مرئي.
الجِنُّ: ضد الإنس، والواحد جِنِّيٌّ، سميت بذلك لأنها تتوارى عن الأنظار ولا تُرى.
ووجود الجن ثابت في القرآن والسنة، إذ هو معلوم من الدين بالضرورة، ومنكره كافر كفرا صريحا، فهو وجود تواترت به أخبار الأنبياء تواترا معلوما بالاضطرار، ومعلوم بالاضطرار أنهم أحياء عقلاء فاعلون بالإرادة، بل مأمورون منهيون".
والأدلة على وجود الجن من القرآن كثيرة منها، ولا أدلَّ على ذلك من أن الله سمى سورة كاملة باسمهم "الجن " وقص فيها من أخبارهم وأقوالهم الشيء الكثير، وأما أحاديث السنة الدالة على وجودهم فأكثر من أن تحصر.
خلق الله الجن قبل أن يخلق الإنس، والدليل على ذلك
قوله تعالى:
{وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه}
[الكهف:50]
فذكر أن إبليس من الجن، وأن خلقهم كان سابقا لخلق آدم عليه السلام،
وقال تعالى:
{ ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون والجان خلقناه من قبل من نار السموم }
[الحجر:26-27].
أما مادة خلقهم فهي النار، بدليل
قوله تعالى:
{ والجان خلقناه من قبل من نار السموم }
[الحجر:27]
وسميت نار السموم: لأنها تنفذ في مسام البدن لشدة حرها،
وقال تعالى:
{وخلق الجان من مارج من نار}
[الرحمن:15]
، والمارج أخص من مطلق النار لأنه اللهب الذي لا دخان فيه .
وفي صحيح مسلم عن عائشة - رضي الله عنها- أن - رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال:
( خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم ).
ولا يخفى أن خلق الجان من نار لا يلزم منه أن أشكالهم وهيئاتهم كالنار، فالبشر خلقوا من تراب وليسوا كذلك، ولكن يؤخذ منه أن في الجن صفات من صفات النار كالخفة واللطافة، مثلما للبشر من صفات التراب كالثقل والكثافة.
وجنس الجن كجنس الإنس فيهم الذكور والإناث،
قال تعالى:
{ وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً }
[الجن: 6].
ولهم بالبشر علاقات، وهي علاقات كأي علاقة قد يشوبها بعض المفاسد، وقد ينالها بعض المصالح: -
فرسلنا رسل لهم فإن الجن لم يكن منهم نبي من أنبياء الله ولا رسول من رسله، وإنما كان منهم المنذَرون،
قال الله تعالى:
{ وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ}
[الأحقاف29]
فشاء الله سبحانه وتعالى أن يخص بالنبوة والرسالة بني آدم ويجعلها في الرجال منهم خاصة، ويجعل من الجن نذراً،
قال الله تعالى:
{يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء}
[البقرة:105].
ويجب التحصن منهم بالذكر والدعاء لإمكانية رؤيتهم لنا في كل الأوضاع: -
فقد يطّلع الجن على عورات بني آدم:
فعن علي بن أبي طالب أن رسول الله قال:
(ستر ما بين أعين الجن وعورات أمتي إذا دخل أحدكم الخلاء أن يقول بسم الله).
وفي الصحيحين من حديث أنس كان رسول الله عليه السلام إذا دخل الخلاء قال:
( اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث )
قال المناوي في الفيض: " قال الحكيم : وإنما يمتنع المؤمن من هذا العدو بإسبال هذا الستر، فينبغي عدم الغفلة عنه؛ فإن للجن اختلاطا بالآدميين،.. فإذا أحبَّ الآدميُّ أن يطرد الجن عن مشاركته، فليقل: بسم الله، فإن اسم الله طابع على جميع ما رُزق ابنُ آدم، فلا يستطيع الجن فك الطابع ".