القياده


فريق عمل الموقع

الإنسان في حياته إما قائد يقود، أو مقود لقائد يقوده، فالقيادة عامل مهم في حياة الناس، والقيادة: هي ذلك السلوك الذي يقوم به شاغل مركز الخليفة في أثناء تفاعله مع غيره من أفراد الجماعة، فهي عملية سلوكية، وهي تفاعل اجتماعي فيه نشاط مُوجه ومُؤثر، علاوة على كونه مركزًا وقوة.

وهي أمر يؤخذ بالاكتساب، ويتم صناعته في نفوس الناس ليكونوا مؤهلين، لذا فإن الإسلام اهتم بصناعة ذلك الخلق العظيم في نفوس أبنائه، وذكر لنا في القرآن نماذج من قادة عظام قادوا أمما أمثالنا، ومروا بهم من ادنى الدركات، وارتقوا بهم في أرقى الدرجات، فمثلا أشار القرآن إلى قصة ذي القرنين الذي آتاه الله صفتي القيادة والقوة،قال تعالى:


{إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا}

[الكهف:84]

وهذا موسى عليه السلام، تولاه الله – سبحانه وتعالى – بالتربية والرعاية مُنذ أن كان طفلًا صغيرًا حتى صار نبيًّا وقائدًا لأمة كاملة بالمؤهلات والقدرات الفكرية والعقلية التي توفرت لديه، والصفات التي تحلّى بها مثل: الرأي السديد، والعقل المتزن، والفصاحة وقوة البيان، وصفة الفِطنة والذكاء، والتبليغ، والقدرة العالية على التأثير في الآخرين.
كما رأينا صناعة القائد عمليًّا في القرن الأول من تاريخ الدولة الإسلامية، الذي حَفَلَ بقادة عِظام أحاطوا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ثمّ الذين جاؤوا بعدهم.وعن عبد الله بن عمر – رضي الله تعالى عنهما – أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:


((لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمّروا أحدهم)).

والقرآنُ الكريم هو الموجه الأولَ لتكوين قائد ناجح، فهو الذي اهّل أعظم قائد في الدنيا، فعلّمه كيف تكون القُدوة في القيادة وفن التعامل، وكان بحق أعظم قائد،واستحق بجدارة قول الله عنه:


﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾

[الأحزاب: 21].

وغيره من الأنبياء كذلك، كانوا اعظم قادة على الإطلاق، ذكرهم لنا القرآن لنتعلم من قيادتهم، ونتأسى بحكمة قيادتهم.
ومن هؤلاء الأنبياء سيدنا يوسف عليه السلام: 
فقصة سيدنا يوسف – عليه السلام -تعتبر نموذجا واقعيا، فالقيادة في قصة يوسف – عليه السلام نمط من أنماط اختيار القيادات في المواقف والوظائف التي تتعلق بإدارة شئون البلاد في المجالات الاقتصادية والمالية والموازنات العامة والتجارة والتموين وغيرها من الفروع ذات الصلة بأحوال ومعايش الناس. والقيادة عموماً هي طريقة للتأثير، موجهة مباشرة إلى تغيير وتشكيل سلوك الآخرين. فكان هذا النموذج القيادي لإخراج البلاد من أزمة اقتصادية طاحنة متوقعة أو شبه مؤكدة.

أولاً: مقومات الاختيار تتناسب مع هذا الموقف

إن مهمة إدارة شئون البلاد الاقتصادية تحتاج إلى قائد يتوافر فيه أمران بصورة رئيسية هما: الأمانة الشديدة، والعلم الراسخ بطبيعة المهمة.يقول الله تبارك وتعالى على لسان يوسف -عليه السلام:


” قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ”

(يوسف: 55).

وقد طلب يوسف عليه السلام هذا الطلب لأنه يعلم كيفية الخروج من الأزمة، وبعد أن صرح له الملكوقال له:


“إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ ”

(يوسف: 54).

ويتضح من ذلك أن أولويات الاختيار تركز على الأمانة والعلم، ولم يتقدم في هذا الموقف عنصر القوة؛ مثل قصص أخرى في القرآن الكريم (موسى وطالوت وعفريت سليمان..) رغم أن يوسف كان يمتلك هذه الصفة وهي القوة، ولكنه لم يقدمها للظرف الطارئ وللمهمة التي سيضطلع بها،ودليل ذلك قوله تعالى:


”وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ ۖ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنْ هَٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ” 

(يوسف: 31).

يقول ابن كثير في تفسيره لهذه الآية لأنهن لم يرين بشر شبيهاً له عليه السلام فقد أعطي شطر الحسن كما ورد في الحديث الصحيح.  ويتضح من ذلك أن الأمانة والعلم قُدما على القوة، وأن العلم لابد أن يقترن بالأمانة، لأن العلم بدون أمانة قد يكون نقمة.

ثانياً: الدلائل العملية على توافر تلك المقومات في يوسف عليه السلام

لابد من توافر دلائل على الأمانة والحفظ والعلم. من هذه الدلائل؛ أن امرأة العزيز راودته فأبى:

“وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ”

(يوسف: 23).

وفضل السجن على فعل الفاحشة:

“قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ”

(يوسف: 34).

وقد برأته النسوة بعد ذلك:

“قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ ۚ”

(يوسف: 51).

وهذه دلائل عملية على أمانة يوسف – عليه السلام.

أما الدلائل العملية على العلم،قال الله تعالى على لسان يوسف – عليه السلام:


“قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُون، َثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ، ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ”

(يوسف: 47-49).

وهي خطة اقتصادية واضحة وموجزة تضمنت عناصر التخطيط.

وفي نفس الوقت كان الملك ذا فراسة واهتمام بأمر رعيته، فولاه بعد أن تم إزالة الشبهة (إن وجدت) في حق المرشح.يقول الله تبارك وتعالى:


“وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ “

(النور: 4 – 5).

ورفض يوسف عليه السلام طلب الذهاب إلى الملك إلا بعد تبرئة ساحته بصورة واضحة.قال الله تعالى:


“وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ۚ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ”

(يوسف: 50 – 51).

مقالات مرتبطة بـ القياده

معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day