ما يضاد التوحيد وينافيه
ما يضاد التوحيد وينافيه
الذي ينافي التوحيد ويضاده الشرك ، يقال : شركته في الأمر إذا صرت له شريكاً ، ومنه قوله تعالى : ( وأشركه في أمري ) [ طه : 32 ] أي اجعله شريكي فيه .
( الشرك الأصغر ) وإن كان لا يُخْرِجُ من الملة فإن صاحبه على خطر عظيم ، ينقص من أجره شيء كثير ، وقد يحبط منه العمل ، ففي الصحيحين عن أبي موسى – رضي الله عنه – قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : الرجل يقاتل للمغنم ، والرجل يقاتل للذكر ، والرجل يقاتل ليرى مكانه ، فمن في سبيل الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ) . (2)وفي صحيح مسلم فيما يرويه الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه : ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، مَنْ عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ) . (3)
الشرك نوعان : وفي مصطلح الشريعة الإسلامية الشرك نوعان :
الأول : الشرك الأكبر :
والمشرك شركاً أكبر هو الذي يجعل مع الله رباً آخر كشرك النصارى الذي جعلوه ثالث ثلاثة ، وشرك المجوس القائلين بإسناد حوادث الخير إلى النور ، وحوادث الشر إلى الظلمة ، وكشرك الصابئة الذين ينسبون إلى الكواكب العلوية تدبير أمر العالم ، ومثل هؤلاء كثير من عُبّاد القبور الذين يزعمون بأن أرواح الأولياء تتصرف بعد الموت ، فيقضون الحاجات ،ويفرّجون الكربات ، وينصرون من دعاهم ، ويحفظون من التجأ إليهم ، ولاذ بحماهم . ومن الشرك الأكبر أن يجعل مع الله إلهاً آخر : ملكاً ، أو رسولاً ، أو ولياً ، أو شمساً ، أو قمراً ، أو حجراً ، أو بشراً ، يُعبد كما يُعبد الله ، وذلك بدعائه والاستعانة به ، والذبح له والنذر له ، وغير ذلك من أنواع العبادة .
لا تشترط مساواة الشريك لله حتى يصبح شركاً :
ولا يشترط أن يساوي المشرك في شركه مع الله غيره من كل وجه ، بل يسمى مشركاً في الشرع بإثباته شريكاً لله ، ولو جعله دونه في القدرة والعلم مثلاً .فأما حكايته تعالى عن المشركين قولهم : ( تالله إن كُنَّا لفي ضلالٍ مُّبينٍ – إذ نسويكُم برب العالمين ) [ الشعراء : 97-98 ] ، فهي التسوية في المحبة والخوف والرجاء والطاعة والانقياد ، لا في القدرة على الخلق والإيجاد ، لأنهم كانوا يقولون بوحدانيته في الخلق والإيجاد .
خطورة هذا الشرك :
الشرك الأكبر في غاية الخطورة فهو يحبط العمل ، قال تعالى : ( ولو أشركوا لحبط عنهم مَّا كانوا يعملون ) [ الأنعام : 88 ] .وقال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم : ( ولقد أُوحِيَ إليك وإلى الَّذين من قبلك لئِن أشركت ليحبطنَّ عملك ولتكوننَّ من الخاسرين ) [ الزمر : 65 ] .وصاحبه خالد مخلّد في نار جهنم لا يغفر الله له ، ولا يدخله الجنّة : ( إنَّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) [ النساء : 48 ] ، ( لقد كفر الَّذين قالوا إنَّ الله هو المسيحُ ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربَّكم إنَّه من يشرك بالله فقد حرَّم الله عليه الجنَّة ومأواه النَّارُ وما للظَّالمين من أنصارٍ ) [ المائدة : 72 ] .
أعظم جريمة وأفظع ظلم :
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أكبر عند الله ؟ قال : ( أن تدعو لله نداً وهو خلقك ) متفق عليه (1) ، وقال تعالى : ( إنَّ الشرك لظلم عظيمٌ ) [لقمان : 13] ، وقال : ( ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً ) [ النساء : 48 ] .
النوع الثاني : الشرك الأصغر :
والشرك الأصغر كيسير الرياء ، والتصنع للمخلوق ، وعدم الإخلاص لله تعالى في العبادة ، بل يعمل لحظ نفسه تارة ، ولطلب الدنيا تارة ، ولطلب المنزلة والجاه تارة ، فلله من عمله نصيب ، ولغيره منه نصيب ، ويتبع هذا النوع الشرك بالله في الألفاظ كالحلف بغير الله ، وقول : ما شاء الله وشئت ،وما لي إلا الله وأنت .
وقد يكون شركاً أكبر بحسب قائله ومقصده .
وهذا النوع من الشرك :
وفي المسند أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر ) قالوا : يا رسول الله وما الشرك الأصغر ؟ قال : ( الرياء ) . وزاد البيهقي في شعب الإيمان : ( يقول الله لهم يوم يجازي العباد بأعمالهم : اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا ، فانظروا هل تجدون عندهم جزاءً وخيراً ) . (4)
وفي النهي عن هذا الشرك نزل قوله تعالى : ( فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً ) [ الكهف : 110 ] .
--------------------------------
(1) مشكاة المصابيح : 1/21 ، ورقمه : 49 .
(2) رواه البخاري : 6/28 . ورقمه : 281 . ورواه مسلم : 3/1512 . ورقمه : 1904 .
(3) رواه مسلم . انظر جامع الأصول : 4/545 . ورقمه : 2651 .
(4) مشكاة المصابيح : 2/687 ، ورقمه : 5334 .