معنى كلمة التوحيد وتضمنها الكفر بما يعبد من دون الله
سئل العالم العلامة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن المعروف بأبي بطين رحمه الله عن معنى "لا إله إلا الله" وعمن قالها ولم يكفر بما يعبد من دون الله، وهل من قالها ودعا نبياً أو ولياً هل تنفعه، أو هو مباح الدم والمال ولو قالها؟.
أجاب رحمه الله تعالى وعفا عنه: معنى "لا إله إلا الله" عند جميع أهل اللغة وعلماء التفسير والفقهاء كلهم يفسرون الإله بالمعبود، والتأله بالتعبد.
وأما العبادة فعرفها بعضهم بأنها ما أمر به شرعاً، من غير اطراد عرفي ولا اقتضاء عقلي. والمأثور عن السلف تفسير العبادة بالطاعة، فيدخل في ذلك فعل المأمور من واجب ومندوب، وترك المنهي عنه من محرم ومكروه، فمن جعل نوعاً من أنواع العبادة لغير الله كالدعاء والسجود والذبح والنذر وغير ذلك فهو مشرك. و "لا إله إلا الله" متضمنة للكفر بما يعبد من دونه، لأن معنى لا إله إلا الله إثبات العبادة لله وحده والبراءة من كل معبود سواه وهذا معنى الكفر بما يعبد من دونه، لأن معنى الكفر بما يعبد من دونه البراءة منه واعتقاد بطلانه.
وهذا معنى الكفر بالطاغوت
في قول الله تعالى:
"فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى"
([1])
والطاغوت اسم لكل معبود سوى الله
كما في قوله:
"وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ"
([2])
وقول النبي في الحديث الصحيح
"من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله"
([3])
فقوله "وكفر بما يعبد من دون الله" فالظاهر أن هذا زيادة إيضاح، لأن لا إله إلا الله متضمنة الكفر بما يعبد من دون الله. ومن قال لا إله إلا الله ومع ذلك يفعل الشرك الأكبر كدعاء الموتى والغائبين وسؤالهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات والتقرب إليهم بالنذور والذبائح فهذا مشرك شاء أم أبى، والله لا يغفر أن يشرك به،
"إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ"
([4])
ومع هذا الفعل مشرك ومن فعله فهو كافر.
ولكن على ما قال الشيخ لا يقال فلان كافر حتى يبين له ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإن أصر بعد البيان حكم بكفره وحل دمه وماله،
وقال تعالى:
"وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ"
([5])
أي شرك
"وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ"
فإذا كان في بلد وثن يعبد من دون الله قوتلوا لأجل الوثن، أي لإزالته وهدمه وترك الشرك، حتى يكون الدين كله لله. والدعاء دين سماه الله ديناً
كما في قوله تعالى:
"فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ"
([6])
أي الدعاء،
وقال صلى الله عليه وسلم :
"بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له".
([7])
فمتى كان شيء من العبادة مصروفاً لغير الله فالسيف مسلول على ذلك، والله أعلم. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم([8]).
معنى كلمة التوحيد أيضاً
سأل بعض الإخوان الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين - رحمة الله تعالى علينا وعليه - عن معنى "لا إله إلا الله" وما تنفي وما تثبت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ما سألت عنه من معنى "لا إله إلا الله" وما تثبت وما تنفي فأول واجب على الإنسان معرفة معنى هذه الكلمة،
قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم :
"فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ"
([9])
وقال:
"وَلاَ يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ"
([10])
أي بلا إله إلا الله "وَهُمْ يَعْلَمُونَ" بقلوبهم ما شهدوا به بألسنتهم، فأفرض الفرائض معرفة معنى هذه الكلمة، ثم التلفظ بمقتضاها. فالإله هو المعبود والتأله التعبد [ومعنى لا إله إلا الله]([11]) لا معبود بحق إلا الله، نفت الإلاهية عمن سوى الله وأثبتتها لله تعالى وحده.
فإذا عرفت أن الإله هو المعبود، والإلاهية هي العبادة، والعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله تعالى ويرضاه من الأقوال والأفعال، فالإله هو المعبود المطاع، فمن جعل شيئاً من العبادة لغير الله فهو مشرك، وذلك كالسجود والدعاء والذبح والنذر، وكذلك التوكل والخوف والرجاء وغير ذلك من أنواع العبادة الظاهرة والباطنة، وإفراد الله سبحانه بالعبادة ونفيها عمن سواه هو حقيقة التوحيد، وهو معنى لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله بصدق ويقين أخرجت من قلبه كل ما سوى الله محبة وتعظيماً وإجلالاً ومهابة وخشية وتوكلاً، فلا يصير في قلبه محبة لما يكرهه الله ولا كراهة لما يحبه، وهذا حقيقة الإخلاص الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم : "من قال لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه دخل الجنة([12]) - أو - حرم الله عليه النار"([13]) قيل للحسن البصري: إن ناساً يقولون: من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، فقال: من قال لا إله إلا الله فأدى حقها إلخ،وغالب لا إله إلا الله إنما يقولها تقليداً، ولم يخالط الإيمان بشاشة قلبه، فلا يعرف الإخلاص فيها، ومن لا يعرف ذلك يخشى عليه أن يصرف عنها عند الموت، وغالب من يفتن في القبور أمثال هؤلاء كما في الحديث "سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته"([14]) نسأل الله أن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم(15).
المراجع
- ([1]) سورة البقرة من آية 256.
- سورة النحل من آية 36.
- رواه مسلم في صحيحه عن أبي مالك الأشجعي عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
- سورة المائدة آية 72.
- سورة الأنفال من آية 72.
- سورة العنكبوت آية 65.
- رواه أحمد في مسنده وأبو يعلى في مسنده والطبراني في الكبير كلهم عن ابن عمر وذكره البخاري تعليقاً في الصحيح في الجهاد.
- مجموعة التوحيد ص 396.
- سورة محمد من آية 19.
- سورة الزخرف آية 86.
- بياض بالأصل، وهو معلوم مما تكرر مراراً في المجموعة.
- رواه البزار عن أبي سعيد ورمز السيوطي لصحته.
- متفق عليه من حديث عتبان بن مالك.
- أشار إلى ما في حديث الصحيحين من أن المنافق والمرتاب إذ سئل في القبر: "ما علمك بهذا الرجل؟ يعني النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته".
- مجموعة التوحيد ص398.