من أدلة التوحيد
قال تعالى:
"إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ"
الأعراف 5 – 57
يقول الله تعالى مبيناً أنه الرب المعبود المالك المتصرف وحده لا شريك له
"إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ"
وما فيهما من العوالم وأصناف المخلوقات على عظمهما وسعتهما وإحكامهما وإتقانهما وبديع خلقهما
"فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ"
أولها يوم الأحد وآخرها يوم الجمعة فلما قضاهما وأودع فيهما ما أودع من خلقه وأمره
"اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ"
استقر وصعد وعلا وارتفع كما فسره بذلك أهل السنة كما يليق بجلاله وعظمته وسلطانه
"يُغْشِي اللَّيْلَ"
المظلم
"النَّهَارَ"
المضيء فيظلم ما على وجه الأرض ويسكن الآدميون وتأوي المخلوقات إلى مساكنها ويستريحون من التعب الذي حصل لهم في النهار
"يَطْلُبُهُ حَثِيثًا "
كلما جاء الليل ذهب النهار وكلما جاء النهار ذهب الليل وهكذا أبدا على الدوام حتى يطوى هذا العالم وينتقل العباد إلى الدار الآخرة
"وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ"
أي بتسخيره وتدبيره وما له من أوصاف الكمال، فخلقها وعظمها دال على كمال قدرته، وما فيها من الإحكام والانتظام والإتقان دال على كمال حكمته، وما فيها من المنافع والمصالح الضرورية وما دونها دال على سعة رحمته وعلمه وأنه الله الحق الذي لا تنبغي العبادة إلا له
"أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ"
أي له الخلق الذي صدرت عنه جميع المخلوقات علويها وسفليها أعيانها وأوصافها وأفعالها والأمر المتضمن للشرائع والنبوات فالخلق يتضمن أحكامه الكونية القدرية والأمر يتضمن أحكامه الدينية والشرعية، ثم أحكام الجزاء وذلك يكون في دار البقاء
"تَبَارَكَ اللهُ"
عظم وتعالى وكثر خيره وإحسانه فتبارك في نفسه لعظمة أوصافها وكمالها وبارك في غيره بإحلال الخير الجزيل والبر الكثير فكل بركة في الكون فمن آثار رحمته
"ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً"
أي اسألوه تعالى واعبدوه "تَضَرُّعًا" إلحاحاً في المسألة واستمراراً في العبادة وتذللاً واستكانة "وَخُفْيَةً" أي سراً لا جهراً وعلانية يخاف منه الرياء بل خفية وإخلاصاً لله
"إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ"
المتجاوزين للحد في الأمور ومن الاعتداء كون العبد يسأل الله مسائل لا تصلح له أو يتنطع في السؤال أو يبالغ في رفع صوته بالدعاء فكل هذا دخل في الاعتداء المنهي عنه
"وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ"
بعمل المعاصي
"بَعْدَ إِصْلاَحِهَا"
بالطاعات فإن المعاصي تفسد الأخلاق والأعمال والأرزاق وهي سبب زوال النعم
وحصول النقم وهلاك الأمم،
قال تعالى:
"ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ"
([1])
كما أن الطاعات تصلح بها الأخلاق والأعمال والأرزاق وأحوال الدنيا والآخرة
"وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا"
أي خوفاً من عقابه وطمعاً في ثوابه طمعاً في قبولها وخوفاً من ردها لا دعاء معجب بنفسه معظم لها أو دعاء من هو غافل لاه وساه وهذا من إحسان الدعاء
ولهذا قال:
"إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ"
في عبادة الله المحسنين إلى عباد الله فكلما كان العبد أكثر إحساناً كان أقرب إلى رحمة ربه وكان ربه قريباً منه برحمته.
ما يستفاد من هذه الآيات الكريمات:
1-انفراد الله تعالى بالربوبية والخلق والأمر واستحقاقه للعبادة دون سواه.
2-من أدلة ربوبية الله خلقه للسماوات والأرض وما فيهن وما بينهن وتسخيره الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم.
3-أن خلق السماوات والأرض وقع في ستة أيام أولها يوم الأحد وآخرها يوم الجمعة ليعلم عباده التريث وعدم العجلة في الأمور وإلا فهو قادر على خلقها بلحظة.
4-الإيمان باستواء الله على عرشه وعلوه على خلقه.
5-الحث على عبادة الله تعالى بإخلاص، ودعائه بعزم وحزم واجتهاد وذل وخفية ورغبة ورهبة خوفاً وطمعاً.
6-تحريم الاعتداء في الدعاء ووعيد المعتدين بأن اله لا يحبهم.
7-النهي عن الإفساد في الأرض بالمعاصي بعد إصلاح الله إياها بالطاعة.
8-أن المعاصي سبب لكل شر وهلاك وشقاء في الدنيا والآخرة.
9-أن طاعة الله سبب لكل خير وصلاح وسعادة.
10-الحث على الإحسان في عبادة الله بإخلاصها وتكميلها والإحسان إلى خلقه بالقول والفعل والعمل والمال والجاه.
11-إثبات صفة المحبة والرحمة لله سبحانه وتعالى.
المراجع
- سورة الروم آية 41.