توحيد الألوهية يسمى بعدة أسماء منها
توحيد الألوهية يسمى بعدة أسماء منها:
1_توحيد الألوهية _ كما مر _ وسمي بذلك باعتبار إضافته إلى الله، أو باعتبار الموحَّد، ولأنه مبني على إخلاص التأله، وهو أشد المحبة لله وحده، وذلك يستلزم إخلاص العبادة.
2_ توحيد العبادة؛ باعتبار إضافته إلى الموحِّد وهو العبد، ولتضمنه إخلاص العبادة لله وحده.
3_ توحيد الإرادة؛ لتضمنه الإخلاص، وتوحيد الإرادة والمراد، فهو مبني على إرادة وجه الله بالأعمال.
4_ توحيد القصد؛ لأنه مبنيٌّ على إخلاص القصد المستلزم لإخلاص العبادة لله وحده.
5_التوحيد الطلبي؛ لتضمنه الطلب، والدعاء من العبد لله.
6_ التوحيد الفعلي؛ لتضمنه أفعالَ القلوب والجوارح.
7_ توحيد العمل؛ لأنه مبني على إخلاص العمل لله وحده.
توحيد الألوهية أهم أنواع التوحيد، فمن أجل تحقيقه أرسلت الرسل وأنزلت الكتب، وسلت سيوف الجهاد، وفرق بين المؤمنين والكافرين.
يقول الشيخ حافظ الحكمي عن أهميته في منظومته:
وهو الذي به الإله أرْسلا
رسْلَه يدعون إليه أولا
وأنزل الكتابَ والتبيانا
من أجله وفرَّق الفرقانا
وكلف الله الرسولَ المجتبى
قتالَ من عنه تولى وأبى
حتى يكونَ الدينُ خالصاً له
سرَّاً وجهراً دقَّه وجلَّه
وهكذا أمته قد كلفوا
بذا وفي نص الكتاب وصفوا([1])
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية مبيناً أهمية توحيد العبادة: وذلك أن العبادة لله هي الغاية المحبوبة له، والمرضية له، التي خلق الخلق لها _ كما قال الله _ تعالى _:[وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ](الذاريات: 56).
وبها أرسل جميع الرسل كما قال نوح لقومه:[اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ](الأعراف: 59).
إلى أن قال : وبذلك وصف ملائكته وأنبياءه فقال _تعالى_:[وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ (20)] (الأنبياء).
وذم المستكبرين عنها بقوله:[وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ] (غافر: 60).
ونعت صفوة خلقه بالعبودية له فقال _ تعالى _:[عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً] (الإنسان:6)، وقال:[وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً](الفرقان: 63) ([2]).
وقال في موطن آخر: واعلم أن فقر العبد إلى الله أن يعبد الله لا يشرك به شيئاً ليس له نظير فيقاس عليه، لكن يشبه من بعض الوجوه حاجة الجسد إلى الطعام والشراب، وبينهما فروق كثيرة.
فإن حقيقةَ العبدِ قلبُه وروحُه، وهي لا صلاح لها إلا بإلهها الله الذي لا إله إلا هو، فلا تطمئن بالدنيا إلا بذكره، وهي كادحة إليه كدحاً فملاقيته، ولابد لها من لقائه.
ولا صلاح لها إلا بلقائه، ولو حصل للعبد لذاتٌ أو سرورٌ بغير الله فلا يدوم ذلك، بل ينتقل من نوع إلى نوع، ومن شخص إلى شخص، ويتنعم بهذا في وقت وفي بعض الأحوال، وتارة أخرى يكون ذلك الذي يتنعم به والتذ _ غير منعمٍ ولا ملتذٍ له، بل قد يؤذيه اتصالُه به، ووجوده عنده، ويضره ذلك.
وأما إلهه فلابد له منه في كل حال، وكل وقت، وأينما كان فهو معه، ولهذا قال إمامنا إبراهيم الخليل ":[لا أُحِبُّ الآفِلِينَ](الأنعام: 76).
وكان أعظم آية في القرآن الكريم:[اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ](البقرة: 255) ([3]).
وقال : فليس في الكائنات ما يسكن العبد إليه، ويطمئن به، ويتنعم بالتوجه إليه إلا الله _ سبحانه _.
ومن عبد غير الله وإن أحبه، وحصل به مودة في الحياة الدنيا، ونوع من اللذة _ فهو مفسدة لصاحبه أعظم من مفسدة التذاذ آكل الطعام المسموم ([4]).
وقال : واعلم أن كل من أحب شيئاً لغير الله فلا بد أن يضره محبوبه، ويكون ذلك سبباً لعذابه ([5]).
وقال: فمن أحب شيئاً لغير الله فالضرر حاصل له إن وجد أو فقد، فإن فقد عُذِّب بالفراق وتألم، وإن وجد فإنه يحصل له من الألم أكثرُ مما يحصل له من اللذة، وهذا أمر معلوم بالاعتبار بالاستقراء.
وكل من أحب شيئاً دون الله لغير الله فإن مضرته أكثرُ من نفعه؛ فصارت المخلوقات وبالاً عليه، إلا ما كان لله وفي الله؛ فإنه كمال وجمال للعبد.
وهذا معنى ما يروى عن النبي "أنه قال: الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه ([6])([7]).
وقال الشيخ ابن سعدي مبيناً أهمية هذا النوع: وهذا الأصل أعظم الأصول على الإطلاق، وأكملها، وأفضلها، وأوجبها، وألزمها لصلاح الإنسانية، وهو الذي خلق الله الجنَّ والإنسَ لأجله، وخلق المخلوقات، وشرع الشرائعَ لقيامه.
وبوجوده يكون الصلاح، وبفقده يكون الشر والفساد، وجميع الآيات القرآنية إما أمر بحق من حقوقه، أو نهي عن ضده، أو إقامة حجة عليه، أو بيان جزاء أهله في الدنيا والآخرة، أو بيان الفَرْق بينهم وبين المشركين ([8]).
ومما يدل على أهميته أن قبول الأعمال متوقف عليه، وأنه يتضمن جميع أنواع التوحيد فكلها تدخل فيه؛ فمن اعتقده فهو معتقد لغيره من الربوبية والأسماء والصفات، ومن اكتفى بغيره دونه لم يدخل في دين الإسلام.
------------------------------------
([1]) سلم الوصول ص29_30.
([2]) العبودية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص39_40.
([3]) مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 1/24_25.
([4]) مجموع الفتاوى 1/24.
([5]) مجموع الفتاوى 1/28.
([6]) مجموع الفتاوى 1/29.
([7]) أخرجه الترمذي (2322)، وابن ماجه (4112)، و قال الترمذي: حسن غريب ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3414).
([8]) انظرالقواعد الحسان لتفسير القرآن لابن سعدي، ص192.