النداء السادس و العشرون : وجوبُ الإيمان بالله ورسوله
النداء السادس و العشرون : وجوبُ الإيمان بالله ورسوله
قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا} (136) سورة النساء
يَأْْمُرُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ بِالإِيمَانِ بِاللهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَبِرَسُولِهِ الكَرِيمِ مُحَمَّدً صَلَواتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيهِ ، وَبِالكِتَابِ الذِي نَزَلَ عَلَيهِ ( وَهُوَ القُرْآنُ ) ، وَبِالكُتُبِ التِي نَزَّلَها اللهُ مِنْ قَبْلُ ، عَلَى رُسُلِهِ وَأَنْبِيَائِهِ الكِرَامِ ، وَيُحَذِّرُهُمْ مِنْ عَوَاقِبِ الكُفْرِ ، وَيَقُولُ لَهُمْ : مَنْ يَكُفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ ، يَكُنْ قَدْ خَرَجَ عَنْ طَرِيقِ الهُدَى ، وَبَعُدَ عَنِ القَصْدِ كُلَّ البُعْدِ .
فهو إيمان بالله ورسوله . يصل قلوب المؤمنين بربهم الذي خلقهم ، وأرسل إليهم من يهديهم إليه ، وهو الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإيمان برسالة الرسول وتصديقه في كل ما ينقله لهم عن ربهم الذي أرسله .
وهو إيمان بالكتاب الذي نزل على رسوله . يربطهم بالمنهج الذي اختاره الله لحياتهم وبينه لهم في هذا الكتاب؛ والأخذ بكل ما فيه ، بما أن مصدره واحد ، وطريقه واحد؛ وليس بعضه بأحق من بعضه بالتلقي والقبول والطاعة والتنفيذ .
وهو إيمان بالكتاب الذي أنزل من قبل . بما أن مصدر الكتب كلها واحد هو الله؛ وأساسها كذلك واحد هو إسلام الوجه لله؛ وإفراد الله سبحانه بالألوهية - بكل خصائصها - والإقرار بأن منهج الله وحده هو الذي تجب طاعته وتنفيذه في الحياة . . وهذه الوحدة هي المقتضى الطبيعي البديهي لكون هذه الكتب - قبل تحريفها - صادرة كلها عن الله . ومنهج الله واحد ، وإرادته بالبشر واحدة ، وسبيله واحد ، تتفرق السبل من حولها وهي مستقيمة إليه واصلة .
والإيمان بالكتاب كله - بوصف أن الكتب كلها كتاب واحد في الحقيقة - هو السمة التي تنفرد بها هذه الأمة المسلمة . لأن تصورها لربها الواحد ، ومنهجه الواحد ، وطريقه الواحد ، هو التصور الذي يستقيم مع حقيقة الألوهية . ويستقيم مع وحدة البشرية . ويستقيم مع وحدة الحق الذي لا يتعدد . . والذي ليس وراءه إلاَّ الضلال { فماذا بعد الحق إلا الضلال؟ } وبعد الأمر بالإيمان ، يجيء التهديد على الكفر بعناصر الإيمان ، مع التفصيل فيها في موضع البيان قبل العقاب : { ومن يكفر بالله ، وملائكته وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، فقد ضل ضلالاً بعيداً } . .
وقد ذكر في الأمر الأول الإيمان بالله وكتبه ورسله . ولم يذكر الملائكة . وكتب الله تتضمن ذكر الملائكة وذكر اليوم الآخر ، ومن مقتضى الإيمان بهذه الكتب الإيمان بالملائكة وباليوم الآخر . ولكنه يبرزها هنا ، لأنه موطن الوعيد والتهديد ، الذي يبين فيه كل عنصر على التحديد .
والتعبير بالضلال البعيد غالباً يحمل معنى الإبعاد في الضلال ، الذي لا يرجى معه هدى؛ ولا يرتقب بعده مآب!
والذي يكفر بالله الذي تؤمن به الفطرة في أعماقها كحركة ذاتية منها واتجاه طبيعي فيها ، ويكفر بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، استمداداً من كفره بالحقيقة الأولى . . الذي يكفر هذا الكفر تكون فطرته قد بلغت من الفساد والتعطل والخراب ، الحد الذي لا يرجى معه هدى؛ ولا يرتقب بعده مآب!