قلوب خاشعة
قلوب خاشعة
ندائي إليك يا من حافظ على الصلاة وجماعتها وركوعها وسجودها وسائر حركاتها فعلت ذلك بجوارحك وبدنك فهل خشع فيها قلبك . - انتبه أخي فإن الله لا يقبل من صلاة المرء إلا ما عقل منها ، ألا تحب أن تكون من المؤمنين المفلحين اسمع إلى ربك وهو يقول : " قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون " وقال تعالى : " وأقم الصلاة لذكري " فكيف يغفل المسلم في صلاته ثم يدعى أنه لله ذاكراً ؟ وأي سؤال في قوله تعالي : " إهدنا الصراط المستقيم " إذا كان القلب غافلاً ؟!
- وفي الحديث الذي أخرجه أحمد والنسائي وغيرهم قال صلى الله عليه وسلم : { كم من قائم حظه من صلاته التعب والنصب } فالله تعالى لا يقبل العبادة من قلبٍ لاهٍ ساهٍ غافلٍ .
- فاجتهد أخي لئن تخشع في صلاتك وعالج الأسباب الظاهرة والباطنة التي تعينُك على خشوعك في الصلاة وأنت تقف بين يدي مولاك . " وأقم الصلاة لذكري " .
- يقول بكر بن عبد الله المزني : { من مثلُك يا ابن آدم ، خُلِّى بينك وبين المحراب ، تدخل منه إذا شئت على ربك تعالى ، ليس بينك وبينه حاجب ولا ترجمان ، إنما طبيب المؤمنين هذا الماء المالح – يعني الدموع - } . ( أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء ).
- وروى أن الحسن – رحمه الله – نظر إلى رجل يعبث بالحصى – في الصلاة – ويقول : اللهم زوجني الحور العين . فقال : { بئس الخاطب أنت ، تخطب الحور العين وأنت تعبث بالحصى } .
- وروى أن مسلم بن يسار كان يُصلى يوماً في جامع البصرة فسقطت ناحيةٌ من المسجد أو شب حريق في مؤخرته فهرب الناس وهو لا يتحرك حتى أتم صلاته فلما قيل له في ذلك قال : { والله ما شعرت }.
- ولما سُئل حاتم الأصم عن صلاته قال : { إذا جاءت الصلاة أسبغت الوضوء وأتيت موضع صلاتي فأقعد حني تجتمع جوارحي ، ثم أقوم إلى صلاتي وأجعل الكعبة بين حاجبي ، والصراطَ تحت قدميَّ ، والجنة عن يميني ، والنار عن يساري ، وملك الموت وراء ظهري ، وأظنُها آخر صلاتي ثم لا أدري أقبلت مني أم ردت علي } .
- وكان علىٌ رضي الله عنه إذا حضرت الصلاة يتزلزل ويتلون وجهه فقيل له : ممَّ ذلك يا أمير المؤمنين ؟ قال : { جاء وقت أمانة عرضها الله علي السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملتها } .
- وروى عن على بن الحسين : أنه كان إذا توضأ اصفر لونه فيقول له أهله : ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء ؟ فيقول : { أتدرون بين يدي مَنْ أريد أن أقوم } .
- وأخيراً يحكي جعفر بن زيد رحمه الله موقفاً عجيباً لصلة بن أشيم رحمه الله تعالي يقول : { كنا في معسكرٍ فكان يقوم الليل متخفياً فراقبته في ليلة لأري أين يذهب ، فإذا به يتوسط الغابة ويبدأ في الصلاة بعيداً عن الناس ، فرأيت أسداً كبيراً يقترب منه ويزأر زئيراً يزلزل الجبال.فصعدت علي شجرة خوفاً منه وصلةُ مكانه يُصلى ولم يتحرك حتى صلاته ثم التفت إلى الأسد قائلاً : ( يا أبا الحارث - يُكنيه - التمس رزقك في مكان آخر ) يقول : فانصرف الأسد من حيث أتي .
- ولا غرابة أحبتي في ذلك.فمن كان قلبه مع الله كان الله معه فأي شيء وجد من فقد الله ، وأي شيء فقد من وجد الله . من وجد الله وجد كل شيء ومن فقد الله فقد كل شيء .
- فاتقوا الله عباد الله واخشعوا في صلاتكم واقطعوا العلائق والعوائق التي تحجز قلوبكم عن مناجاة ربكم ، فإن مثل الشهوة القوية المرهفة كمثل رجل تحت شجرة أراد أن يصفو له فِكره ، وكانت أصوات العصافير تشوش عليه ، فلم يزل يطيرها بخشبة في يده ، ويعود إلى صفاء فِكره فتعود العصافير مرة أخري فيعود إلى تنفيرها بالخشبة ، فقيل له : إن أردت الخلاص فاقطع الشجرة . وكذلك شجرة الشهوة والهوى إذا تشعبت وارتفعت وتفرعت أغصانها انجذبت الأفكار إليها انجذاب العصافير إلى الأشجار ، وانجذاب الذباب إلى الأقذار ، والشغل يطول في دفعها ، فإن الذباب كلما ذبَّ آب – أي كلما طُرد رجع – ولأجله سُمى ذباباً ، فكذا الخواطر . - ولله در ثابت البناني – رحمه الله – إذ يقول : { تعذبت بالصلاة عشرين سنة ثم تنعمت بها عشرين سنة أخرى ، فو الله إني لأدخل في صلاتي فأحمل همَّ خروجي منها } .
- وسفيان الثوري إذ قال : { من لم يخشع قلبه في صلاته فسدت صلاته } . - وأضرب لكم مثلاً – ولله المثل الأعلى - : { لو حلف إنسان وقال : لأشكرن فلاناً ولأثنين عليه ولأسألنه حاجة ، ثم تكلم بهذه الألفاظ وهو نائم ، فهل يكون باراً في يمينه ؟! كذلك لو دخل الإنسان في الصلاة ليشكر الله ويُثني عليه ويسأله حاجة وجرت كلمات الحمد والشكر والثناء والطلب والدعاء على لسانه وقلبه غافل مستغرق الهم ، يفكر في الدنيا وما فيها لم يكن أبداً باراً في يمينه .
- فعن عمار بن ياسر – رضي الله عنهما – قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { إن العبد ليصلى الصلاة لا يُكتب له منها سدسها ولا عُشرها وإنما يكتب للعبد من صلاته ما عقل منها} . ( رواه أحمد وغيره بإسناد حسن )
- إذن – لا بد أولاً من قطع الأسباب الظاهرة التى تحول بين القلب وبين خشوعه في الصلاة.
- لذا ، كان ابن عمر – رضي الله عنهما – لا يدع في موضع صلاته مصحفاً ولا سيفاً إلا نزعه ، ولا كتاباً إلا محاه .
- وعن عائشة رضي الله عنها : { أن النبي صلى الله عليه وسلم لما لبس الخميصة التي أتي بها أبو جهم – رضي الله عنه – وعليها علمٌ وصلى بها نزعها بعد صلاته وقال : اذهبوا بها إلى أبي جهم فإنها ألهتني آنفاً عن صلاتي وائتوني بأنبجانية أبي جهم – كساء غليظ لا علم له - } – رواه البخاري ومسلم - .
- وروى أن أبا طلحة الأنصاري – رضي الله عنه - : { صلى في حائط له فيه شجر فأعجبه دُبسي – طائر صغير أدكن يقرقر قيل : هو ذكر اليمام – طار في الشجر يلتمس مخرجاً فأتبعه بصره ساعة ثم لم يذكر كم صلّى ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما أصابه من الفتنة ثم قال : يا رسول الله هو صدقة فضعه حيث شئت } – رواه مالك في الموطأ - .
- وكذلك فإن البعد عن أكل الحرام وعن الثرثرة وكثرة الكلام والغيبة والنميمة والكذب والبهتان لمن أعظم أسباب خشوع القلب في الصلاة .
- فالقلب في الصلاة ومناجاة الله ، مثل السيارة إذا وضع الإنسان في محركها زيتاً ووقوداً نظيفاً نقياً فإنها تمشى بسهولة ، وإذا وضع فيها ماءً أو بولاً تسير السيارة وهكذا القلب إذا أكل صاحبه حراماً أو نظر إلى حرام أو أطلق لسانه بالحرام أو سعى بنفسه للحرام .