مئة خُـلق في الطريق إلى الله _ الأصل الذي شرحه ابن القيم في المدارج 2
[26] باب الاستقامة
قال الله عز وجل فاستقيموا إليه قوله عز وجل إليه إشارة إلى عين التفريد والاستقامة روح تحيى بها الأحوال كما تربو للعامة عليها الأعمال وهي برزخ بين أوهاد التفرق وروابي الجمع وهي على ثلاث درجات الدرجة الأولى الاستقامة على الاجتهاد في الاقتصاد لا عاديا رسم العلم ولا متجوزا حد الإخلاص ولا مخالفا نهج السنة والدرجة الثانية استقامة الأحوال وهي شهود الحقيقة لا كسبا ورفض الدعوى لا علما والبقاء مع نور اليقظة لا تحفظا والدرجة الثانية الثالثة استقامة بترك رؤية الاستقامة وبالغيبة عن تطلب الاستقامة بشهود إقامة الحق وتقويمه عز اسمه
[27] باب التوكل
قال الله عز وجل وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين التوكل كله الأمر كله إلى مالكه والتعويل على وكالته وهو من أصعب منازل العامة عليهم وأوهى السبل عند الخاصة لأن الحق قد وكل الأمور كلها إلى نفسه وأيأس العالم من ملك شيء منها وهو على ثلاث درجات كلها تسير مسير العامة الدرجة الأولى التوكل مع الطلب ومعاطاة السبب على نية شغل النفس ونفع الخلق وترك الدعوى والدرجة الثانية التوكل مع إسقاط الطلب وغض العين عن السبب اجتهادا في تصحيح التوكل وقمع تشرف النفس وتفرغا إلى حفظ الواجبات والدرجة الثالثة التوكل مع معرفة التوكل النازعة إلى الخلاص من علة التوكل وهو أن يعلم أن ملكه الحق تعالى للأشياء ملكة عزة لا يشاركه فيها مشارك فيكل شركته إليه فإن من ضرورة العبودية أن يعلم العبد أن الحق هو مالك الأشياء وحده
[28] باب التفويض
قال الله عز وجل حاكيا عن مؤمن آل فرعون وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد التفويض ألطف إشارة وأوسع معنى من التوكل فإن التوكل بعد وقوع السبب والتفويض قبل وقوعه وبعده وهو عين الاستسلام والتوكل شعبة منه وهو على ثلاث درجات الدرجة الأولى أن تعلم أن العبد لا يملك قبل عمله استطاعة فلا يأمن من مكر ولا ييأس من معونة ولا يعول على نية والدرجة الثانية معاينة الاضطرار فلا ترى عملا منجيا ولا ذنبا مهلكا ولا سببا حاملا والدرجة الثالثة شهودك انفراد الحق بملك الحركة والسكون والقبض والبسط ومعرفته بتصريف التفرقة والجمع
[29] باب الثقة
قال الله عز وجل فإذا خفت عليه فألقيه في اليم الثقة سواد عين التوكل ونقطة دائرة التفويض وسويداء قلب التسليم وهي على ثلاث درجات الدرجة الأولى درجة الإياس وهو إياس العبد من مقاواة الأحكام ليقعد عن منازعة الأقسام وليتخلص من قحة الإقدام والدرجة الثانية درجة الأمن وهو أمن العبد من فوت المقدور وانتقاص المسطور فيظفر بروح الرضى وإلا فبغنى اليقين وإلا فبظلف الصبر والدرجة الثالثة معاينة أولية الحق ليتخلص من محن القصود وتكاليف الحمايات والتعريج على مدارج الوسائل
[30] باب التسليم
قال الله عز وجل فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما وفي التسليم والثقة والتفويض ما في التوكل من الاعتلال وهو من أعلى درجات سبيل العامة وهو على ثلاث درجات الدرجة الأولى تسليم ما يزاحم العقول مما يشق على الأوهام من الغيب والإذعان لما يغالب القياس من سير الدول والقسم والإجابة لما يفزع المريد من ركوب الأحوال والدرجة الثانية تسليم العلم إلى الحال والقصد إلى الكشف والرسم إلى الحقيقة والدرجة الثالثة تسليم ما دون الحق إلى الحق مع السلامة من رؤية التسليم بمعاينة تسليم الحق إياك إليه قسم الأخلاق وأما قسم الأخلاق فهو عشرة أبواب وهي الصبر والرضى والشكر والحياء والصدق والإيثار والخلق والتواضع والفتوة والانبساط
[31] باب الصبر
قال الله عز وجل واصبر وما صبرك إلا بالله الصبر حبس النفس على جزع كامن عن الشكوى وهو أيضا من أصعب المنازل على العامة وأوحشها في طريق المحبةوأنكرها في طريق التوحيد وهو على ثلاث درجات الدرجة الأولى الصبر عن المعصية بمطالعة الوعيد إبقاء على الإيمان وحذرا من الجزاء وأحسن منها الصبر عن المعصية حياء والدرجة الثانية الصبر على الطاعة بالمحافظة عليها دواما وبرعايتها إخلاصا وبتحسينها علما والدرجة الثالثة الصبر في البلاء بملاحظة حسن الجزاء وانتظار روح الفرج وتهوين البلية بعد أيادي المنن وتذكر سوالف النعم وفي هذه الدرجات الثلاث من الصبر نزلت اصبروا يعني في البلاء وصابروا يعني عن المعصية ورابطوا يعني على الطاعة وأضعف الصبر الصبر لله وهو صبر العامة وفوقه الصبر لله وهو صبر المريد وفوقهما الصبر على الله وهو صبر السالك
[32] باب الرضى
قال الله عز وجل إرجعي إلى ربك راضية مرضية لم يدع في هذه الآية للمتسخط إليه سبيلا وشرط للقاصد الدخول في الرضى والرضى اسم للوقوف الصادق حيث ما وقف العبد لا يلتمس متقدما ولا متأخرا ولا يستزيد مزيدا ولا يستبدل حالا وهو من أوائل مسالك أهل الخصوص وأشقها على العامة وهو على ثلاث درجات الدرجة الأولى رضى العامة وهو الرضى بالله ربا بسخط عبادة ما دونه وهذا قطب رحى الإسلام وهو يطهر من الشرك الأكبر وهو يصح بثلاث شرائط أن يكون الله عز وجل أحب الأشياء إلى العبد وأولى الأشياء بالتعظيم وأحق الأشياء بالطاعة والدرجة الثانية الرضى عن الله عز وجل وبهذا الرضى نطقت آيات التنزيل وهو الرضى عنه في كل ما قضى وهذا من أوائل مسالك أهل الخصوص ويصح بثلاث شرائط باستواء الحالات عند العبد وبسقوط الخصومة مع الخلق وبالخلاص من المسألة والإلحاح والدرجة الثالثة الرضى برضى الله فلا يرى العبد لنفسه سخطا ولا رضى فيبعثه على ترك التحكم وحسم الاختيار وإسقاط التمييز ولو أدخل النار
[33] باب الشكر
قال الله عز وجل وقليل من عبادي الشكور الشكر اسم لمعرفة النعمة لأنها السبيل إلى معرفة المنعم ولهذا المعنى سمي الله تعالى الإسلام والإيمان في القرآن شكرا وعاني الشكر ثلاثة أشياء معرفة النعمة ثم قبول النعمة ثم الثناء بها وهو أيضا من سبل العامة وهو على ثلاث درجات الدرجة الأولى الشكر في المحاب وهذا شكر شاركت المسلمين فيه اليهود والنصارى والمجوس ومن سعة بر البارئ أنه عده شكرا ووعد عليه الزيادة وأوجب له المثوبة والدرجة الثانية الشكر في المكاره وهذا ممن يستوى عنده الحالات إظهار الرضى وممن يميز بين الأحوال كظم الشكوى ورعاية الأدب وسلوك مسلك العلم وهذا الشاكر أول من يدعى إلى الجنة والدرجة الثالثة أن لا يشهد العبد إلا المنعم فإذا شهد المنعم عبودة استعظم منه النعمة وإذا شهده حبا استحلى منه الشدة وإذا شهده تفريدا لم يشهد منه شدة ولا نعمة
[34] باب الحياء
قال عز وجل ألم يعلم بأن الله يرى الحياء من أوائل مدارج أهل الخصوص يتولد من تعظيم منوط بود وهو على ثلاث درجات الدرجة الأولى حياء يتولد من علم العبد بنظر الحق إليه فيجذبه إلى تحمل المجاهدة ويحمله على استقباح الجناية ويسكته عن الشكوى والدرجة الثانية حياء يتولد من النظر في علم القرب فيدعوه إلى ركوب المحبة ويربطه بروح الأنس ويكره إليه ملابسة الخلق والدرجة الثالثة حياء يتولد من شهود الحضرة وهي التي تشوبها هيبة ولا تقاويها تفرقة ولا يوقف لها على غاية
[35] باب الصدق
قال الله عز وجل: فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم الصدق اسم لحقيقة الشيء بعينه حصولا ووجودا وهو على ثلاث درجات الدرجة الأولى صدق القصد وبه يصح الدخول في هذا الشأن ويتلافى به كل تفريط ويتدارك كل فائت ويعمر كل خراب وعلامة هذا الصادق أن لا يحتمل داعية تدعو إلى نقض عهد ولا يصبر على صحبة ضد ولا يقعد عن الجد بحال والدرجة الثانية أن لا يتمنى الحياة إلا للحق ولا يشهد من نفسه إلا أثر النقصان ولا يلتفت إلى ترفيه الرخص والدرجة الثالثة الصدق في معرفة الصدق فإن الصدق لا يستقيم في علم الخصوص إلا على حرف واحد وهو أن يتفق رضى الحق بعمل العبد أو حاله أو وقته وإتيان العبد وقصده فيكون العبد راضيا مرضيا فأعماله إذا مرضية وأحواله صادقة وقصوده مستقيمة وإن كان العبد كسي ثوبا معارا فأحسن أعماله ذنب وأصدق أحواله زور وأصفى قصوده قعود
[36] باب الإيثار
قال الله عز وجل ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة الإيثار تخصيص واختيار والأثرة تحسن طوعا وتصح كرها وهو على ثلاث درجات الدرجة الأولى أن تؤثر الخلق على نفسك فيما لا يحرم عليك دينا ولا يقطع عليك طريقا ولايفسد عليك وقتا ويستطاع هذا بثلاثة أشياء بتعظيم الحقوق ومقت الشح والرغبة في مكارم الأخلاق والدرجة الثانية إيثار رضى الله تعالى على رضى غيره وإن عظمت فيه المحن وثقلت به المؤن وضعفت عنه الطول والبدن ويستطاع هذا بثلاثة أشياء بطيب العود وحسن الإسلام وقوة الصبر والدرجة الثالثة إيثار إيثار الله تعالى فإن الخوض في الإيثار دعوى في الملك ثم ترك شهود رؤيتك إيثار الله ثم غيبتك عن الترك
[37] باب الخلق
قال الله عز وجل وإنك لعلى خلق عظيم الخلق ما يرجع إليه المتكلف من نعته واجتمعت كلمة الناطقين في هذا العلم أن التصوف هو الخلق وجماع الكلام فيه يدور على قطب واحد وهو بذل المعروف وكف الأذى وإنما يدرك إمكان ذلك قي ثلاثة أشياء في العلم والجود والصبر وهو على ثلاث درجات الدرجة الأولى أن تعرف مقام الخلق أنهم بأقدارهم مربوطون وفي طاقتهم محبوسون وعلى الحكم موقوفون فتستفيد بهذه المعرفة ثلاثة أشياء أمن الخلق منك حتى الكلب ومحبة الخلق إياك ونجاة الخلق بك والدرجة الثانية تحسين خلقك مع الحق وتحسينه منك أن تعلم أن كل ما يأتي منك يوجب عذرا وكل ما يأتي من الحق يوجب شكرا وأن لا ترى له من الوفاء بدا والدرجة الثالثة التخلق بتصفية الخلق ثم الصعود عن تفرق التخلق ثم التخلق بمجاوزة الأخلاق
[38] باب التواضع
قال الله عز وجل وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا التواضع أن يتضع العبد لصولة الحق وهو على ثلاث درجات الدرجة الأولى التواضع للدين وهو أن لا يعارض بمعقول منقولا ولا يتهم على الدين دليلا ولا يرى إلى الخلاف سبيلا ولا يصح ذلك له إلا بأن يعلم أن النجاة في البصيرة والاستقامة بعد الثقة وأن البينة وراء الحجة والدرجة الثانية أن ترضى بمن رضى الحق لنفسه عبدا من المسلمين أخا وأن لا ترد على عدوك حقا وتقبل من المعتذر معاذيره والدرجة الثالثة أن تتضع للحق فتنزل عن رأيك في الخدمة ورؤية حقك في الصحبة وعن رسمك في المشاهدة
[39] باب الفتوة
قال الله عز وجل إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى نكتة الفتوة أن لا تشهد لك فضلا ولا ترى لك حقا وهي على ثلاث درجات الدرجة الأولى ترك الخصومة والتغافل عن الزلة ونسيان الأذية والدرجة الثانية أن تقرب من يقصيك وتكرم من يؤذيك وتعتذر إلى من يجنى عليك سماحا لا كظما وبراحا لا مصابرة والدرجة الثالثة أن لا تتعلق في المسير بدليل ولا تشوب إجابتك بعوض ولا تقف في شهودك على رسم واعلم أن من أحوج عدوه إلى شفاعة ولم يخجل من المعذرة إليه لم يشم رائحة الفتوة ثم في علم الخصوص من طلب نور الحقيقة على قدم الاستدلال لم يحل له دعوى الفتوة أبدا
[40] باب الانبساط
قال الله عز وجل حاكيا عن كليمة عليه السلام أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء الانبساط إرسال السجية والتحاشي من وحشة الحشمة وهو السير مع الجبلة وهو على ثلاث درجات الدرجة الأولى الانبساط مع الخلق وهو أن لا تعتز لهم ضنا على نفسك أو شحا على حظك وتسترسل لهم في فضلك وتسعهم بخلقك وتدعهم يطؤونك والعلم قائم وشهودك المعنى دائم والدرجة الثانية الانبساط مع الحق وهو أن لا يجنبك خوف ولا يحجبك رجاء ولا يحول بينك وبينه آدم وحواء والدرجة الثالثة الانبساط في الانطواء عن الانبساط وهو رحب الهمة لانطواء انبساط العبد في بسط الحق جل جلالة قسم الأصول وأما قسم الأصول فهو عشرة أبواب وهي القصد والعزم والإرادة والأدب واليقين والأنس والذكر والفقر والغنى ومقام المراد
[41] باب القصد
قال الله عز وجل ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله القصد الإزماع على التجرد للطاعة وهو على ثلاث درجات الدرجة الأولى قصد يبعث على الارتياض ويخلص من التردد ويدعو إلى مجانبة الأغراض والدرجة الثانية قصد لا يلتقي سببا إلا قطعه ولا يدع حائلا إلا منعه ولا تحاملا إلا سهله والدرجة الثالثة قصد استسلام لتهذيب العلم وقصد إجابة لوطئ الحكم وقصد اقتحام في بحر الفناء
[42] باب العزم
قال الله عز وجل فإذا عزمت فتوكل على الله العزم تحقيق القصد طوعا أو كرها وهو على ثلاث درجات الدرجة الأولى إباء الحال على العلم بشيم برق الكشف واستدامة نور الأنس والإجابة لإماتة الهوى والدرجة الثانية الاستغراق في لوائح المشاهدة واستنارة ضياء الطريق واستجماع قوى الاستقامة والدرجة الثالثة معرفة علة العزم ثم العزم على التخلص من العزم ثم الخلاص من تكاليف ترك العزم فإن العزائم لم تورث أربابها ميراثا أكرم من وقوفهم على علل العزائم
[43] باب الإرادة
قال الله عز وجل قل كل يعمل على شاكلته الإرادة من قوانين هذا العلم وجوامع أبنيته وهي الإجابة لدواعي الحقيقة طوعا وهي على ثلاث درجات الدرجة الأولى ذهاب عن العادات بصحبة العلم وتعلق بأنفاس السالكين مع صدق القصد وخلع كل شاغل من الإخوان ومشتت من الأوطان والدرجة الثانية تقطع بصحبة الحال وترويح الأنس والسير بين القبض والبسط والدرجة الثالثة ذهول مع صحة الاستقامة وملازمة الرعاية على تهذيب الأدب
[44] باب الأدب
قال الله عز وجل والحافظون لحدود الله الأدب حفظ الحد بين الغلو والجفاء بمعرفة ضرر العدوان وهو على ثلاث درجات الدرجة الأولى منع الخوف أن يتعدى إلى الإياس وحبس الرجاء أن يخرج إلى الأمن وضبط السرور أن يضاهي الجرأة والدرجة الثانية الخروج من الخوف إلى ميدان القبض والصعود عن الرجاء إلى ميدان البسط والترقي عن السرور إلى ميدان المشاهدة والدرجة الثالثة معرفة الأدب ثم الغنى عن التأدب بتأديب الحق ثم الخلاص من شهود أعباء الأدب
[45] باب اليقين
قال الله عز وجل وفي الأرض آيات للموقنين اليقين مركب الآخذ في هذا الطريق وهو غاية درجات العامة وقيل أول خطوة الخاصة وهو على ثلاث درجات الدرجة الأولى علم اليقين وهو قبول ما ظهر من الحق وقبول ما غاب للحق والوقوف على ما قام بالحق والدرجة الثانية عين اليقين وهو الغنى بالاستدراك عن الاستدلال وعن الخبر بالعيان وخرق الشهود حجاب العلم والدرجة الثالثة حق اليقين وهو إسفار صبح الكشف ثم الخلاص من كلفة اليقين ثم الفناء في حق اليقين
[46] باب الأنس
قال الله عز وجل وإذا سألك عبادي عني فإني قريب الأنس عبارة عن روح القرب وهو على ثلاث درجات الدرجة الأولى الأنس بالشواهد وهو استحلاء الذكر والتغذي بالسماع والوقوف على الإشارات والدرجة الثانية الأنس بنور الكشف وهو أنس شاخص عن الأنس الأول تشوبه صولة الهيمان ويضربه موج الفناء وهذا الذي غلب قوما على عقولهم وسلب قوما طاقة الاصطبار وحل عنهم قيود العلم وفي هذا ورد الخبر بهذا الدعاء أسألك شوقا إلى لقائك من غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة والدرجة الثالثة أنس اضمحلال في شهود الحضرة لا يعبر عن عينه ولا يشار إلى حده ولا يوقف على كنهه
[47] باب الذكر
قال الله عز وجل واذكر ربك إذا نسيت يعني إذا نسيت غيره ونسيت نفسك في ذكرك ثم نسيت ذكرك في ذكرك ثم نسيت في ذكر الحق إياك كل ذكر والذكر هو التخلص من الغفلة والنسيان وهو على ثلاث درجات الدرجة الأولى الذكر الظاهر من ثناء أو دعاء أو رعاء والدرجة الثانية الذكر الخفي وهو الخلاص من الفتور والبقاء مع الشهود ولزوم المسامرة والدرجة الثالثة الذكر الحقيقي وهو شهود ذكر الحق إياك والتخلص من شهود ذكرك ومعرفة افتراء الذاكر في بقائه مع ذكره
[48] باب الفقر
قال الله عز وجل يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله الفقر اسم للبراءة من رؤية الملكة وهو على ثلاث درجات الدرجة الأولى فقر الزهاد وهو نفض اليدين من الدنيا ضبطا أو طلبا وإسكات اللسان عنها ذما أو مدحا والسلامة منها طلبا أو تركا وهذا هو الفقر الذي تكلموا في شرفه والدرجة الثانية الرجوع إلى السبق بمطالعة الفضل وهو يورث الخلاص من رؤية الأعمال ويقطع شهود الأحوال ويمحص من أدناس مطالعة المقامات والدرجة الثالثة صحة الاضطرار والوقوع في يد التقطع الوحداني والاحتباس في قيد التجريد وهذا فقر الصوفية
[49] باب الغنى
قال الله عز وجل ووجدك عائلا فأغنى الغنى اسم للملك التام وهو على ثلاث درجات الدرجة الأولى غنى القلب وهو سلامته من السبب ومسالمته الحكم وخلاصة من الخصومة والدرجة الثانية عنى النفس وهو استقامتها على المرغوب وسلامتها من المسخوط وبراءتها من المراياة والدرجة الثالثة الغنى بالحق وهو على ثلاث مراتب المرتبة الأولى شهود ذكره إياك والثانية دوام مطالعة أوليته والثالثة الفوز بوجوده