الميادين التي تتطلب الإحسان بمعناه العام
أما الميادين التي تتطلب الإحسان بمعناه العام ، فقد فصله القرآن الكريم تفصيلاً ، وفصَّلتهُ السنة المطهرة أيضاً ؛ ففي ميادين الصبر على المصائب ، قال تعالى : " وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ " [ هود : 115].
و في ميدان أداء الحق لأهله ، قال الله تعالى : " فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ۗ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ " [ البقرة : 178].
و قال الله تعالى في أداء الحق للمرأة المطلقة : " الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ " [ البقرة : 229]
و في ميدان الحروب و الجهاد في مجالات النفس ، ومجالات المعارك ، قال تعالى :" وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ " [ العنكبوت : 69]
و في ميدان مجاهدة النفس لكظم الغيظ ، قال تعالى :" الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ "
[ آل عمران : 134]
و في ميدان التحاور مع أهل الكتاب ، قال تعالى :" وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ " [ العنكبوت : 46]
و في ميدان الخلافات و الخصومات ، قال الله تعالى : " وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ " [ فصلت : 34]
و في ميدان معاملة الفقراء و اليتامى ، قال تعالى : " وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ "
[ الإسراء : 34]
و في ميدان العلاقات الاجتماعية بين الناس ، قال تعالى : " وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا "
[ النساء : 86]
و في مجال العلاقات الاقتصادية ، قال الله تعالى : " وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ "
[ البقرة : 195]
و قد تمَّ الربط في هذه الآية بين الإنفاق و المظهر الاقتصادي للإحسان ، و بين التهلكة و خراب المجتمع ، و سبب ذلك ؛ كما يقول بعض أهل العلم : إن المجتمعات التي تقوم على الاستغلال و الاحتكار تفرزُ الطبقية ، و تبذر بذور الصراع الاجتماعي في الداخل ، و تؤدي إلى الصراعات العالمية في الخارج ، وينتج عن ذلك شقاء الفريقين جميعاً : المستَغِلُّون و المستغَلُّون ! فالطبقة الأولى : تقع فريسة للغربة و العزلة من ناحية ، و فقدان المحبة و شيوع النفاق من ناحية أخرى ؛ كما أنه يتولد لديها شعور بالخوف ، و عدمِ الأمانة من ناحية ثالثة .
أما طبقة المستغَلِّين و المستضعفين ؛ فهي تقع فريسة للأخطار : أهمها كُره الطبقات العليا المحتكرة ، و الحقد عليها من ناحية ، ثم الإحساس بالغبن و الإحباط من ناحية ثانية ، و أخيراً : فإنها تميل إلى الجريمة ، و إلى الاستعداد للعنف من ناحية ثالثة .
و هكذا – ايها الأحبة – نرى الإحسان يشمل الفرد ، و يشمل المجتمع ، و يشمل الدولة ؛ بل و يشمل الحياة بأسرها ؛ فلن تقوم للأمة قائمة ، و لن تقوم للأبناء قائمة على تربية راشدة ، إلا بالإحسان في كل شئ ؛ فنربي أنفسنا و أولادنا على الإحسان مع - الله تعالى - ابتداءً ثم مع النفس ، و مع المسلمين ، و غير المسلمين – مع هذه الضوابط ؛ بل و على الإحسان مع الحيوانات و الطيور! كيف تُربِّي ولدك على الإحسان لعصفور يمسكه ؟ أو هرة يلعب بها و يمسكها ؟