تركيب الحواس في الأحياء
ويبين لنا الدكتور يوسف أن " لمعظم الحيوانات أعضاء للحس كحاسة الإبصار والشم واللمس والسمع ، والتركيب الأساسي للعين يتشابه في جميع الثدييات وغيرها ، وهو تركيب مذهل وشديد التعقيد ، فللعين عدسة تستقبل الضوء ، وفتحة ينفذ الضوء من خلالها ؛ ليخترق العدسة ، وتلك الفتحة التي ينفذ منها الضوء في العين تتسع تلقائياً في الضوء الخافت ، وتضيق تلقائياً إذا كان الضوء شديداً ، والحكمة من ذلك واضحة ، ففي حالة الضوء الخافت تحتاج عملية الإبصار إلى كمية كبيرة من الضوء ، أمّا في حالة الضوء الشديد فتكفي كمية قليلة منه لكي تتضح الأشياء المرئية .
والعين ترى الأشياء في ضوء خافت ، ولم يتمكن عقل الإنسان من اختراع آلة تصوير يمكنها التقاط صور المرئيات في مثل هذا الضوء .
وكما أنّ النحل قادر على رؤية الأشعة فوق البنفسجية ، فإنّ البومة في إمكانها رؤية الأشعة تحت الحمراء التي لا نراها ، وهي أشعة حرارية ، ولذا فالبومة تستطيع أن تبصر الفأر في الظلام الدامس عن طريق الأشعة الحرارية تحت الحمراء التي تشع من جسده الدافئ .
وينفذ شعاع الضوء من العدسة ليقع على الشبكية عند قاع العين ، وتتكون الشبكية من تسع طبقات مختلفة ، ولا تزيد في مجموعها عن سمك ورقة رقيقة ، والطبقة التي في أقصي قاع العين تتكون من ملايين من الأعواد والمخروطات منتظمة في تناسب محكم يمكنها أن تميز الألوان . ويتولى العصب البصري نقل هذا الإحساس إلى مركز معين في المخ يترجم الإحساس إلى صورة مرئية تبصرها العين بوضوح .
وتلك التنظيمات العجيبة للعدسات والأعواد والمخروطات والأعصاب لا بدّ أن تكون قد حدثت في وقت واحد .. إذ إنه إذا لم توجد جميعها معاً في وقت واحد فإنّ الإبصار يصبح مستحيلاً ، فكيف استطاعت جميع هذه العوامل أن يُكمّل بعضها بعضاً في وقت واحد ؟
إنّ العلوم الرياضية تقول لنا : إن حدوث هذه الأشياء دفعة واحدة عن طريق المصادفة أمر مستحيل ، إن آلة التصوير التلفزيونية ما هي إلا محاكاة بدائية لعملية الإبصار التي تتم عن طريق العين ، بل كل ما ابتكره الذهن البشري من اختراعات ما هو سوى محاكاة بدائية لما هو موجود في الخلق ، وإذا كانت آلة التصوير البسيطة يلزمها فكر وعقل لابتكارها ، فهل من المعقول أن تكون العين في الإنسان وغيره من الحيوانات تكونت عن طريق المصادفة ؟
ومن العجيب أنّ كلّ من هو في حاجة إلى الإبصار من الحيوانات خلق الله له عيوناً يرى بها ، ولو أنّ تلك العيون قد تختلف في تركيبها عن عيوننا اختلافاً كبيراً ، ولكنّها توصل إلى الهدف نفسه وهو الإبصار ، فنجد في دودة الأرض مثلاً خلايا في جلدها ذات حساسية للنور والظلام ، وهذا هو كلّ ما تحتاج إليه مثل هذه الدودة التي تعيش في الأنفاق من الطين داخل التربة .
وللحشرات عيون تختلف في تركيبها عن عين الإنسان أو القرد أو البقرة أو السلحفاة أو السمكة ، ولكن على الرغم من هذا الاختلاف إلا أن الحشرات ترى بها الأشياء التي تنظر إليها ، واختلاف الوسائل مع تشابه الهدف لا يمكن أن يأتي عن طريق المصادفة ؛ بل يأتي نتيجة لتخطيط يقصد من ورائه الوصول إلى هدف معين .
ولقد منح الله كلّ كائن حيّ من الحواس والإدراك على قدر حاجته فالذبابة المنزلية مثلاً بحاجة إلى عين ترى بها الغذاء ، وتدرك أيّ حركة يقصد بها الاعتداء على حياتها ؛ ولذا فقد زودها الخالق كما هي الحال في معظم الحشرات بزوج من العيون المركبة ؛ إذ إنّ كلّ عين من هذه العيون مكونة من مئات الوحدات المتشابهة المتراصة بعضها بجوار بعض ، كلّ وحدة من هذه الوحدات المتشابهة المتراصة بعضها بجوار بعض ، كلّ وحدة من هذه الوحدات ترى نقطة من الشيء المرئي ، وتتجمع هذه النقط فترى الذبابة الشيء كاملاً ، كما زودها خالقها بنوع آخر إضافي من العيون نسميه العيون البسيطة ، إذ توجد ثلاثة من هذه العيون البسيطة عند قمة رأسها ، وظيفتها إدراك أيّة حركة ، وهذه العيون هي التي تجعل الإمساك بالذبابة يكاد يكون في حكم المستحيل " .