هل للكون إله خالق؟!
هل للكون إله خالق؟!
نبذة عن منكري وجود الإله الخالق..
لقد كان الناس في القرون الماضية يعتقدون بوجود الإله الخالق، وظل الأمر كذلك حتى القرن الثامن عشر الميلادي تقريبًا، حيث صدر أول كتاب يصرح بالإلحاد وإنكار الألوهية في أوروبا عام 1770م.
ونقول: إن مثل هؤلاء الذين ينكرون وجود الله سبحانه وتعالى قد استهوتهم أنفسهم، وساروا تبعًا لأهوائهم وشهواتهم.
فلقد رأوا من عظيم آيات الله جل وعلا في الآفاق، وفي أنفسهم من إحكام ودقة في الخلق ما يشهد بوجوده، وأنه هو الخالق الحكيم، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ [فصلت: 53].
ولكنهم آثروا الإنكار والجحود، مع يقينهم بوجود هذا الخالق العظيم، كما في قوله تعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ [النمل: 14].
فكان ذلك الجحود والإنكار جَرَّاء كبرهم واستعلائهم، وسيطرة أهوائهم وشهواتهم على عقولهم وأفعالهم، فهم يعلمون تمامًا أنهم إذا ما آمنوا بهذا الإله الخالق العظيم، فلا يسعهم إلا الخضوع لسلطانه ونفوذه، والاتباع لأنبيائه ورسله، وأن لا تحاكم إلا إليه سبحانه وتعالى، وفقًا لما أنزل في كتبه السماوية على أنبيائه ورسله، وأن يسود شرعه سبحانه وتعالى...
ولِمَ لا؟! وهو الإله الخالق، الذي له كل شيء، وإليه يرجع كل شـيء، فالله سبحانه وتعالى له الأمر كله، وإليه يُرجع الأمر كله، فله جل وعلا أن يأمر بما شاء، وأن ينهى عما شاء، فهل لعبد مملوك إلا الطاعة لسيده مهما بلغ وعظم أمره أو نهيه؟!
فالعبد ليس له من الأمر شيء، فهو مملوك لسيده، حيث يأمره سيده بما شاء، وينهاه عما شاء، كيفما شـاء، ووقت ما يريد، وذلك مثـال ما في الواقـع، ولكن الله سبحانه وتعالى له المثل الأعلى، فليس كمثله شيء، فمن رحمة الله سبحانه وتعالى ومَنِّه وفَضله، أنه جل وعلا له يأمر ولم يُكلِّف عباده بما لا تطيقه النفس البشرية السوية، وإن كان جل وعلا لم أن يأمر وأن يُكلِّف بما شاء، وأن ينهى عما شاء، فالله عز وجل لا يُسـأل عن ما يفعل، ولكنه سبحانه وتعالى هو الذي سوف يسـأل عبـاده ويحاسبهم في يوم تُبعث فيه الخلائق للفصـل والقضـاء، مصـداقًا لقوله تعالى: ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء: 23].
ومن رحمة الله سبحانه وتعالى وعظيم فضله أنه جل وعلا خلق الجنة بما فيها من نعيم دائم مُقيم، وأعدها لعباده المؤمنين الصالحين الذين أطاعوه في حياتهم الدنيا وامتثلوا لأوامره، مجتنبين نواهيه، حيث خضعت قلوبهم وعقولهم وجوارحهم لله سبحانه وتعالى، ولنفوذه وسلطانه عليهم.
ومن رحمة الله سبحانه وتعالى: أنه تبارك وتعالى كتب على نفسه الرحمة، وأن رحمته سبقت غضبه جل شأنه، فله سبحانه وتعالى أن يغفر لمن يشاء وأن يرحم من يشاء من عباده، فضلًا ومِنَّة مِنه تبارك وتعالى على عباده، وهو سبحانه وتعالى أعلم بمن يستحق هذه المغفرة والرحمة من عباده، وهم عباده المؤمنون.
ومن عدل الله جل وعلا: أن خلق النار بما فيها من عذاب أليم مهين، دائم مقيم لمن كفر به، وأنكر آياته وجحد وجوده.
وأيضًا فقد خلق الله تعالى النار بما فيها من عذاب أليم لمن خالف أوامره وانتهك حدوده ونواهيه عن علم وقصد.
فهؤلاء الملحدون المنكرون لوجود الله عز وجل قد آثروا دنياهم الفانية على آخرتهم الباقية، واهمين أنفسهم، مُتعَلِّلين بما لا تقبله الفطرة السليمة السوية من استدلالات وهمية تخمينية، ليس لها قيمة أو وزن، وما هي إلا ظنون وأكاذيب لا يُعتدُّ بها.
فمثل هؤلاء المتفلسفون –أهل المنطق- المنكرين لوجود الإله الخالق لا يبحثون عن الحقيقة، بل عن وسائل التأثير الخطابي، ولم يستطيعوا أن يُجمعوا للبرهان على دعواهم الباطلة شروطه، واستعجلوا بالجحود والكفر تبعًا لأهوائهم وشهواتهم ومصالحهم الدنيوية.
فلم يستطع البرهان الفلسفي أن يصل بالإنسان لليقين عند تطبيقه في الإلهيات، حيث إنه -البرهان الفلسفي- عبارة عن مجموعة من الأوهام والتخمينات والأكاذيب التي لا يُعتدُّ بها، ولعل من أبرز ما يوضح ذلك عيانًا:
1- هو ما يسببه المنطق من التفرق والاختلاف والتنابذ بين أهله، والمشتغلين به.
2- أننا نجد أن الأطباء والحسَّاب والكُتَّاب وغيرهم يُحقِّقون ما يُحققون من علومهم وصناعاتهم دون اللجوء إلى مثل تلك الفلسفة وذلك المنطق.
3- أننا نجد أن مثل تلك الفلسفة كانت سببًا في تخلف أهلها والمشتغلين بها عن ركب المدنية والتقدم العلمي والحضاري.
فالملحدون والمنكرون لوجود الله عز وجل يعتمدون في دعواهم الباطلة على مثل تلك الفلسفيات التي لا صلة لها بالواقع، حيث يبحثون في عالم لا وجود له في الخارج، وإنما وجوده في الذهن فقط، فقد سَلَّموا بمقدمات عقلية ظنوها صحيحة، وهي فاسدة، ونذكر تشبيهًا بسيطًا يوضح مدى اختلاف المقاييس:
إننا إذا ما نظرنا إلى حائط به عيب ما، وقال أحد الناظرين بعقله: إن العيب لا يقع على الشيء المصنوع، وإنما يقع على الصانع، ولم يأخذ في حسباته العوامل الأخرى غير المرئية، والتي قد تكون سببًا في مثل ذلك العيب، بعيدًا عن الصانع، كالرطوبة، وغير ذلك، فهل يمكن أن نقول مثل ذلك القول في:
إنسانٍ ليس صاحب وجه جميل، خلقه الله تعالى على هذه الصورة لحكمة يعلمها، كأن نقول مثلا: إن العيب لا يقع على المخلوق، وإنما يقع على الخالق؟!
بالطبع: لا، حاشا وكلا.
إن مثل هؤلاء الملحدين والمنكرين لوجود الإله الخالق قد استخدموا طريقة الفلسفة والمنطق في الاستدلال على دعواهم، بما فيها من الغموض والألغاز مع بطلانها، حيث لا يتفهمها إلا طائفة خاصة من الناس.
في حين أننا نجد أن القرآن الكريم يعتمد في الاستدلال على وجود الإله بما فُطِرت عليه النفس البشرية من الإيمان بما تشاهده وتحسّ به دون عمل فكري مُعقد ينافي القصد من هداية الناس وبيان الحق لهم.
ونجد أيضًا أن القرآن الكريم قد استخدم في الاستدلال على وجود الإله الخالق البراهين والحجج التي لا يمتري فيها عاقل، وليست فيها أي من قيود الإشكال، ودون أن يخلَّ بصدق كل ما اشتملت عليه من مقدمات ونتائج في أحكام العقل.