المعرفة الحقيقية بالله جل وعلا
قالوا رحمهم الله تعالى: من كان بالله أعرف، كان لله أخوف. ولا يمكن أن تخاف من رجل من الرجال إلا إذا عرفت جبروته وهيمنته؛ فهنا تخافه، ولله المثل الأعلى، فإذا أردت أن تخاف الله، وأن تخشى الله، وأن تزرع في قلبك خشية لله، فاملأ قلبك بعظمة الله ومعرفة الله معرفة حقيقية، وهذا هو التوحيد..
هذا هو توحيد الله جل وعلا.
فاعرف الله من خلال أسمائه وصفاته، كم نحفظ توحيد الأسماء والصفات؟! قرأناه وحفظناه في صفوف الابتدائي، ولكن مع الأسف نقرأه على أنه نصوص، أما تطبيقاً عملياً في حياتنا فأين مَن فكّر في تطبيقه؟ بل أين ذلك المدرس الذي قرّبه لتلاميذه من خلال تعريف أولئك التلاميذ بعظمة الله من خلال أسمائه وصفاته؟! وهذا هو التعبد الحقيقي بأسماء الله وصفاته. أليس من أسماء الله عز وجل الرقيب والعليم والحفيظ والسميع والبصير؟! فمن عقل هذه الأسماء وتعبد الله بمقتضاها حصلتْ له المراقبة. فالمراقبة -كما ذكر أهل العلم- هي: ثمرة علمك بأن الله سبحانه وتعالى رقيب عليك..
ناظر إليك..
سامع لقولك..
مطّلع على عملك كل وقت، وفي كل لحظة، ونفس، وطرفة عين.
هذه هي المراقبة.
ولذلك أقول: حقِّق معرفة الله معرفة حقيقية في نفسك، واسمع لـابن القيم رحمه الله تعالى عندما يذكر في كتابه طريق الهجرتين وباب السعادتين، في صفحة (79) عند كلامه عن أثر أن الله بصير، فيقول: وكذلك إذا شهد معنى اسمه البصير جلّ جلاله الذي يرى دبيب النملة السوداء، على الصخرة الصماء، في حندس الظلماء، ويرى تفاصيل الذرة الصغيرة ومخها وعروقها ولحمها وحركتها، ويرى مَدَّ البعوضة جناحَها في ظلمة الليل، وأعطى هذا المشهد حقه من العبودية، بحرس حركاتها، وسكناتها، وتيقن أنه بمرأى منه سبحانه، ومشاهدةٍ لا يغيب عنه منها شيء..
إلى آخر كلامه الجميل رحمه الله تعالى. هكذا يتصور العبد رقابة الله عندما يتعبد الله حقيقة بمعرفة توحيد الأسماء والصفات، ولذلك يقول جل وعلا: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر:67] عندما تمر علينا هذه الآية أو غيرها من الآيات التي تبيّن عظمة الله، فإن صاحب القلب الرقيق، وصاحب القلب الخاشع لله الخائف من الله، ليرق، وإنه لتدمع العين عندما يسمع هذه الآيات. لماذا؟! لأنه يعرف عظمة الله، ويعرف من هو الله وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الزمر:67].