التحذير من الكبر
وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الكبر، كما في صحيح مسلم، لما قال: {لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، قالوا: يا رسول الله إن أحدنا يحب أن يكون ثوبه حسناً، ونعله حسناً، قال صلى الله عليه وسلم: إن الله جميلٌ يحب الجمال} أي: لا بأس أن يكون ثوبك حسناً ونعلك حسناً، وإذا قصدت إظهار نعمة الله عليك بهذا فهذا أمرٌ تؤجر عليه، وإذا كان لك فيه مقصد حسن فأنت تؤجر عليه، كما تؤجر على الزهد في هذا الأمر بمقصد حسن -أيضاً-. {إن الله جميلٌ يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس} بطر الحق، أي: جحده، وغمط الناس، أي: بخسهم حقوقهم، فيتجنب الإنسان الكبر، ويلجأ إلى التواضع، التواضع مع من فوقك، وأكبر منك في السن، أو في العلم، أو أقدم منك في الدعوة، وما أحوج الدعاة لهذا الأمر. أذكر قصة ذكرها الإمام الخطابي في كتاب العزلة يقول: كان هناك رجل في مرو معروفاً بالزهد والورع والدين، فقدم الإمام عبد الله بن المبارك، وزار هذا الرجل، وكان لا يعرف ابن المبارك -على رغم شهرة عبد الله بن المبارك -رحمه الله- وانتشار ذكره في الآفاق، فكأن هذا الرجل لم يأبه بـابن المبارك، وازوَرَّ عنه، ولم يلتفت إليه، ربما سلم عليه بطرف يده، وأعرض عنه، ولم يأبه به، فخرج من عنده عبد الله بن المبارك، فلما خرج، قالوا له: أتدري من هذا؟! قال: لا.
قالوا: هذا عبد الله بن المبارك، ففزع الرجل وقام مسرعاً، ولحق بـعبد الله بن المبارك وسلم عليه، واعتذر منه، وقال: انصحني.
فقال: نعم، إذا رأيت إنساناً، فظن أنه قد يكون خيراً منك.
وكأن عبد الله بن المبارك -رحمه الله- والله أعلم لمح في خلق هذا الرجل وفي نفسيته، وفي أسلوب استقباله نوعاً من الكبرياء، والاستعلاء على الناس، فنصحه بهذه النصيحة التي تناسب حاله. إذاًَ كم نجد من بعض الدعاة، والذين يتقفرون العلم، وخاصة من صغار الطلبة، من يسيئون الأدب مع أشياخهم، وعلمائهم، وكبار الدعاة؟! وهذا والله أمر يحز في النفس كثيراً -أيها الإخوة- فلا مانع أن تختلف مع عالم، أو مع داعية في رأي، أو قول، أو مسألة، أو اجتهاد، هذا أمر لا حرج فيه، لكن الحرج كل الحرج أن يكون هذا مدعاة إلى تحطيم قدره، والحط من مكانته، والإزراء عليه، وسوء الأدب معه، وكم من إنسان يخاطب جهابذة العلماء وكبارهم بأساليب لا تليق بصغار الطلبة.