الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
ومن مقتضيات التوحيد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمعروف الأكبر هو التوحيد واتباع السنة، والمنكر الأكبر هو الشرك واتباع البدعة والأهواء، ولكن بعض الناس يظن أن هذه مهمة الهيئة، وهذا خطأ، لأننا لو فرضنا أن في كل شارع مركز للهيئة متكامل يراقب أربعاً وعشرين ساعة، باتصالات، وبرقابة متطورة، وبعناية واهتمام وهذا غير موجود مع الأسف، لأن المدينة الكبيرة فيها مركز واحداً! عليه أعباء هائلة لا يستطيع أن يتحملها إلا إدارات وليس مركزاً واحدا- لكن لو فرض أننا في الحالة الأولى، لما جاز لنا أن نقول: إن الهيئة هي المسئولة عن كل ذلك، لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: { من رأى منكم منكراً فليغيره بيده } قال: من رأى منكم، أي أيها المسلمون جميعاً، {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه}. فالواجب يقع علينا جميعاً، لأن الهيئة جهة تنفيذية وعقابية تنذر بالعقاب، أما أنا فأستطيع أن أغير بيدي في بيتي، أو في حدود ولايتي، أو في مدرستي، أو في الحي الذي لي فيه قيمة كأن أكون عمدة -مثلاً- أُغير بيدي، بقدر الولاية، والهيئة أحيل إليها من لا أستطيع معاقبته، لتعاقبه أو إلى المحكمة ليعاقب بما يقتضيه الشرع، كما قال تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]. فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحفظ الله تعالى به أمن البلاد، ويحفظ به كلاً منا في أهله ونفسه وماله، فالناظر للأمن في بلادنا -يوم أن كان للهيئة الدور الكافي- كان أكثر من الآن، لكنه تدهور في كثير من المدن، والأحياء بدرجة فضيعة، لمَّا ألقي الحبل على الغارب، وقلصت صلاحيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وترك الناس ذلك الأمر العظيم، فوجدت مصانع للخمور، وليست قواريراً، بل مصانع تصنع فيها بالبراميل! وتباع بيوت وأوكار للدعارة والعياذ بالله. وبيوت، واجتماعات، ولقاءات للفساد العقدي، وهو أخطر من الفساد الخلقي، يجتمع فيها المنصرون، والروافض، والصوفية والطرق البدعية، يجتمعون ولا تجد مَن ينكر. وإدخال سيل جارف من الكتب والأفلام والمجلات والمطبوعات والنشرات، تتعجب عندما تراها، ولا تكاد تصدق أن هذه تقرأ وينظر فيها في بلد الإسلام والتوحيد، ومع ذلك كله تتدفق بما فيها من كفر واستهزاء بالله، وسخرية برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستهزاء بالدين وبالحجاب وبتحريم الربا وبالجهاد وبكل ما نؤمن به ونعظمه ونعتقده من شعائر الله، فيها كل ما يحارب ذلك جميعاً، ومع ذلك لا نتفطن إلى هذا. وإنما ديدننا دائماً: نحن بخير والحمد لله، ونحن أحسن من غيرنا، لا شك أننا بخير في جوانب كثيرة، وأننا أحسن من غيرنا، لكن إذا أردنا أن ننظر إلى أمر الآخرة فلننظر دائماً إلى من هو أعلى منا، وإذا أردنا أن ننظر إلى الدنيا، فلننظر إلى من هو دوننا هكذا علمنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أما أن نعكس الأمر، فتجد الواحد منا إذا كان راتبه كذا ألف لا يقول: الحمد لله أنا بخير، وكثير من الفقراء أو من هم أقل مني في الوظيفة لا يجدون ما أجد، بل يقول: إنَّ هناك كثيراً أفضل وأعلى مني لا بد أن آخذ أكثر! وإذا أتينا إلى أمر الدين قال: نحن بخير، والحمد لله طيبين ولا يوجد شيء! عكسنا الآية وقلبنا الأمر، لا، بل يجب أن ننظر بعين صادقة. فما نراه الآن في عيوننا أدق من الشعر كان في أعين أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الكبائر ومن العظائم، وهم المعيار، والمقياس الذي يجب أن نجعله أمامنا، فلا نستهين بمعصية وإن صغرت، لأنه كثرت علينا الصغائر حتى جاءت الكبائر، وحتى أصبحنا في طوفان -والعياذ بالله- يكاد أن يجرفنا عن ديننا وإيماننا، فلنراجع أنفسنا في هذا الأصل العظيم من أصول الإسلام ومن حقوق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
وأوجز ما تقدم فأقول: إن الواجب علينا -جميعاً- أن نحمد الله على هذا الدين والتوحيد، وأن نوالي المؤمنين، ونعادي الكافرين، وأن تكون سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه في القيام بحقوق لا إله إلا الله، ومقتضياتها أمام أعيننا دائماً، نتأسى بها، ونتمثلها قولاً وعملاً، هذا وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.