من آثار التقوى
الخشية
أول هذه الآثار عندما عرفوا هذا السر -وهو خشية الله ومراقبة الله في كل حال- هو: استشعار عظم الذنب مهما كان صغيراً أو كبيراً. فمن كان مراقباً لله جل وعلا، ومن كان في قلبه خشية وخوف من الله؛ استشعر ذنبه أياً كان، سواء كان هذا الذنب صغيراً أو كبيراً! إذا وقع العبد الصالح المراقب لله جل وعلا في معصية، فما زالت هذه المعصية وما زال هذا الذنب يحرق قلبه. المهم: المبدأ، فصاحب المبدأ وصاحب الرسالة الذي يعيش لخدمة عقيدته ومبدئه ورسالته لاشك أنه متصف بهذه الصفة وهي استشعار الذنب، لا يهمه إن كان الذنب كبيراً أو صغيراً ما دام يعيش على مبدأ ( لا إله إلا الله )، فيحرص أن تكون حياته في رضا الله.
فهذا هو التوحيد وهذه حقيقته، فإن وقع في الذنب مرة أو مرتين استشعر هذا الخطأ، فأقلع واستغفر وندم وتاب. عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه -كما أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الدعوات باب التوبة- أنه قال: (إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه -انظر إلى استشعار الذنب عند المؤمن- وإن الكافر أو الفاجر ليرى ذنوبه كذباب مر على أنفه، فقال به هكذا فطار) كما قال راوي الحديث أبو شهاب. فهو لا يستشعر الذنب؛ لأنه لا يعرف عظمة من وقع في معصيته، ولو كان هذا القلب مراقباً لله؛ لأصبحت الدمعة سيالة على الخد، ولأصبح القلب رقيقا ليناً خائفاً خاشعاً لله جل وعلا. - خشية النبي صلى الله عليه وسلم: تعال واسمع لهذا المنهج الشرعي في حياة أولئك الأتقياء رحمهم الله تعالى، حيث كانت مراقبة الله معهم في كل لحظة، وفي كل أمر، سواء كان كبيراً أو صغيراً. ولنبدأ بحبيبنا وقدوتنا -بأبي هو وأمي- رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد ذكر لنا البخاري في صحيحه في كتاب اللقطة: باب إذا وجد تمرة ساقطة، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إني لأنقلب إلى أهلي فأجد التمرة ساقطة على فراشي فأرفعها لآكلها ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها). سبحان الله! (ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها). هكذا يكون الخوف من الله، القضية عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شبهة؛ فهذه التمرة ليس من المؤكد أنها من تمر الصدقة، فلربما كانت من تمر الصدقة، ولربما كانت من تمر بيته!! ثم يخرج لنا الإمام أحمد في مسنده من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تضور ذات ليلة -ومعنى تضور: أي: جزع وسهر صلى الله عليه وآله وسلم- فقيل له: ما الذي أسهرك يا رسول الله؟ -وتصور يا أخي الحبيب ما هو الشيء الذي أسهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وما هو هذا الأمر الذي أقضَّ مضجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طوال ليله- فقال صلى الله عليه وسلم: إني وجدت تمرة ساقطة فأكلتها، ثم ذكرت تمراً كان عندنا من تمر الصدقة، فما أدري أمن ذلك كانت التمرة أو من تمر أهلي؛ ذلك الذي أسهرني).
سبحان الله! تمرة تُسْهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنه أكلها وهي شبهة. ولكنه المبدأ الذي يعيش عليه صاحب العقيدة، الذي يعيش عليه صاحب: (لا إله إلا الله) رضا الله فوق كل شيء، وخوف ومراقبة الله سبحانه وتعالى. - خشية الصحابة رضوان الله عليهم: ثم -أيضاً- تعال وانظر إلى التربية لأولئك الأصحاب الذين ساروا على هذا المنهج النبوي العظيم، فيخرج لنا البخاري في صحيحه -أيضاً- في كتاب مناقب الأنصار: باب أيام الجاهلية، من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: [كان لـأبي بكر غلام يخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يوماً بشيء فأكل منه أبو بكر ، فقال له الغلام: أتدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ فقال الغلام: كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية، وما أُحسن الكهانة، إلا أني خدعته فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكلت منه -فماذا فعل أبو بكر الصديق ؟!- تقول عائشة : فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه]. لا إله إلا الله! القضية عند أبي بكر -أيضاً- شبهة، فهو أكل الطعام وهو لا يعلم مصدره، ثم إن الغلام تكهن لهذا الرجل في الجاهلية والإسلام يجبُّ ما قبله. وفي رواية: [أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه كان بحضرته بعض أصحابه فقالوا: يا أبا بكر ! ارحم نفسك! فقال: والله! ما أزال أخرج الطعام حتى لو ظننت أن روحي تخرج معه لفعلت]. الخشية والخوف من الله جل وعلا، فأين أولئك الذين يتعاملون بالربا، ويأكلون الحرام وهم يعلمون أنه حرام؟! أين هم من تلك المواقف؟! ولكنه السر العجيب، فخوف الله ومراقبة الله متى ما كانت في القلب نجا صاحبه.