آيات أنسى الوعاظ معناها (قل هو الله أحد)
العبادة هي التوحيد :
ولمّا كثر الجهل مع الجرأة والتصدر والتعالم وطلب الجاهل من الناس اتباعه؛ كان لا بد من البيان..
فقد كثر من ينتقد أهل الحق ويعترض مأخذ السلف ويعترض على المدارس العلمية التي تحمله، ويجمع بين عدم فهم آيات الله تعالى، وبين الاعتداء على الحق وأهله.
والكثير من الخطأ يأتي من عدم فهْم قاعدة عظيمة في التفسير وهي الفرق بين التفسير بالمطابقة والتفسير باللزوم؛ فلا بد من معرفة المعنى المطابق للآية وهو المعنى الذي أُنزلت فيه والمقصود منها أصالة، والمعنى اللازم لها، بحسب علم الناظر في كتاب الله تعالى.
وذلك أن العبادة في كتاب الله تعالى المقصود بها عند أمر الله تعالى الناس بها هي التوحيد، ليس الإمتثال فقط بل قبْل الإمتثال: الإفراد والإخلاص..
فلو امتثل العبد بعض أوامر الله؛ ولكنه يؤدي اليه والى غيره، لم يكن ما أداه لله تعالى مقبولا، بل كان حابطا، وفيهم نزل قوله تعالى {لا يقدرون مما كسبوا على شيء} {وقدمنا الى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا} )، وغيرها، وهي الأعمال التي قصدوا بها القربات لكنهم لما عملوها وهم مشركون لم تنفعهم.
ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما (كل عبادة في القرآن فهي توحيد). ومن هنا قال علماء نجد رحمهم الله وجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، أن العبادة مع الشرك كـ (لا عبادة)، فكأنها لم تقع، فمن عبد الله وهو مشرك فإنه لم يعبده.
والمسألة ليست خلافية أو اجتهادية بل هي محل إجماع وإن جهلته الخلوف المتأخرة.. فالله تعالى أنزل سورتي الإخلاص، سورة الصمد وسورة الكافرون، وبهما كان يقرأ رسول الله في ركعتي الفجر (سنته) وركعتي المغرب (سنته البعدية) وركعتي الطواف في حجر ابراهيم.
والمقصود بسورة الصمد إفراد الله تعالى في العلم والصفات والاعتقاد، والمقصود بسورة الكافرون إفراد الله تعالى بالتوجه والعبادة: {لا أعبد ما تعبدون} ثم نفي عنهم أنهم يعبدون الله {ولا أنتم عابدون ما أعبد} ، وكررهما للتوكيد القاطع، وهذه نقطة عظيمة المعنى وعظيمة أهمية التدبر وهي أن الله تعالى نفى عن الكافرين عبادتهم لله وهذا لأنهم زعموا أنهم يعبدون الله وانتسبوا الى ذلك، وذلك أن الله كان ضِمن معبوداتهم لكنهم رفضوا قصر العبادة عليه وحده ولهذا قالوا {أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لَشيء عُجاب} ..
وفصّل تعالى في شأنهم كثيرا في سورة الأنعام (وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا؛ فقالوا {هذا لله بزعمهم ـ وهذا لشركائنا} فهذا نص في أنهم جعلوا لله نصيبا من أداء العبادة، ولكن جعلوا لغيره تعالى نصيبا؛ فلم يجعلهم تعالى عابدين له؛ بل جعلهم مشركين كفارا.. ولهذا قال {بزعمهم} .
ولذا عندما يأمر تعالى الناس بعبادته فإنه يأمرهم بإفراده بها، وذلك بإفراده بالتوجه اليه بحقوقه الخالصة من التعظيم (النسك) والطاعة (قبول التشريع) والمحبة، ويعمها اسم العبادة.. ثم يأتي الامتثال والعمل بتنفيذ الأوامر لازما لهذا المعنى..
المخالفة في الأولى مخالفة للإخلاص فهو الشرك، والمخالفة في المعنى الثاني اللازم هو تقصير ومعصية.
المعنى الأول هو أصل الدين وأصل الإيمان والإسلام، والمعنى الثاني هو الإيمان الواجب المستلزم لمدح صاحبه ولو استوفاه كان من أصحاب الجنة بلا سابقة عذاب..
فمن نفى المعنى الأول وأثبت الثاني فهو الجهل بدين الله، أو اللؤم المقصود به نفي توحيد العبادة وفتح المجال لعبادة غيره تعالى، ولقبول الشرائع من غيره واستقرار العلمانية ورد أمر الله عليه وتبديل أحكامه سبحانه.. والله العاصم