أخفى الله عنا ليلة القدر في ليالي رمضان, لنقوم لياليه كلها
تحصيل ليلة القدر والحكمة من إخفائها
بداية :ينبغي أن نعلم أنه بناءً على كروية الأرض ودورتها حول الشمس، فإن المطالع تختلف على سطحها، وقد أشار الله - عز وجل - إلى هذه الحقيقة في كتابه،
فقال رب العالمين:
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ ﴾
[المعارج:40] .
ومقتضى ذلك: أن الليل عند قوم يكون نهارًا في الجهة المسامتة لأقدامهم، وربما يكون زمن الليل عند قوم بعضه نهارًا عند آخرين، وعلى هذا فإن الشهر يختلف دخولًا وخروجًا بالنسبة لسكان البسيطة وكذا لياليه وأيامه، فتكون وترًا عند قوم وشفعًا عند آخرين...
وهكذا، ويبقى السؤال يطرح نفسه: كيف تحصل ليلة القدر لجميع سكان الأرض مع اختلاف المطالع؟
والمسألة فيها قولان أو احتمالان كما ذكر ذلك الإمام الألوسي في (روح المعاني)
القول الأول أو الاحتمال الأول:
إن التخصيص بالليل جاء على الغالب رعاية لمكان المُتَنَزَّل عليه القرآن وهو النبي - صلى الله عليه وسلم - وغالب المؤمنين به، وبناء على ذلك يكون جميع سكان البسيطة في ليلة القدر تبعًا لوقت مكة والمدينة، وقد ثبت أن سائر الأقطار الإسلامية من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق تجتمع في جزء من الليل، وحيث يكون هذا الوقت نهارًا عند قوم فإن الله يعطي أحدهم لمن اجتهد منهم في ليلة ذلك اليوم، أو اجتهد فيه، ولعل في قول العلماء: إنه يسن الاجتهاد في يومها يكون رمزًا إلى هذا المعنى وهو حصول ثوابها لمَن كان وقتها عندهم نهارًا، ومما يقوي هذا الاحتمال قول أهل الفتوى: برجوع أهل العروض التي يطول فيها الزمن النهاري أو الليلي جدًا - كالبلاد القطبية أو القريبة منها - في تقدير أوقات صومهم وصلاتهم، إما إلى أعدل الزمن على خط طولهم، وإما إلى أوسط الزمن وهو زمان مكان التنزيل والوحي، وهو زمن أهل مكة جريًا على القاعدة التي تقول: إن خطاب الله وأحكامه تكون على الغالب"... والله أعلم.