أخلص طاعة الله بسريرة ناصحة يصدق الله فيها فعلك في العلانية
من تأمَّل سير السلف وجد اهتماماً بليغاً بعبادة القلب ، التي هي روح العبودية ولبّها ، بل هي الأصل وإنما أعمال الجوارح تبع ومكملة ومتممة لها ، فهذا الصحابي الجليل والإمام الجِهْبِذ ابن مسعود يقول:« من صلى صلاة عند الناس لا يصلي مثلها إذا خلا، فهي استهانة استهان بها ربه»، ثم تلا قوله-تعالى
{ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ القَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا .
ويقول وهب بن منبه : ( يا بُنيّ أخلص طاعة الله بسريرة ناصحة يصدق الله فيها فعلك في العلانية ، .. ولا تظنن أن العلانية هي أنجح من السَّريرة ، فإن مَثَلَ العلانية مع السَّريرة كمَثَلِ ورق الشجر مع عِرْقها : العلانية ورقها ، والسَّريرة عِرْقها . إن نُخِر العِرْق هلكت الشجرة كلها
فلا يزال ما ظهر من الشجرة في خير ما كان عِرْقها مستخفياً لا يُرى منه شيء . كذلك الدين لا يزال صالحاً ما كان له سريرة صالحة يصدق الله بها علانيته ، فإن العلانية تنفع مع السَّريرة الصالحة كما ينفع عِرْقَ الشجرة صلاحُ فرعها ، وإن كان حياتها من قبل عِرْقها فإن فرعها زينتها وجمالها ، وإن كانت السَّريرة هي ملاك الدين فإن العلانية معها تُزَيِّن الدين وتجمله إذا عملها مؤمن لا يريد بها إلا رضاء ربه عزَّ وجلَّ.
قول ابن رجب:(فأفضل الناس من سلكَ طريق النبي-صلى الله عليه وسلم- وخواصّ أصحابه في الاقتصاد في العبادة البدنية والاجتهاد في الأحوال القلبية فإن سفر الآخرة يقطع بسير القلوب لا بسير الأبدان .
قال محمد بن واسع : ( لقد أدركت رجالاً ، كان الرجل يكون رأسه مع رأس امرأته على وسادة واحدة ، قد بلَّ ما تحت خدّه من دموعه لا تشعر به امرأته.
وكان أيوب السختياني يقوم الليل كله ، ويخفي ذلك ، فإذا كان عند الصبح رفع صوته ، كأنه قام تلك الساعة
لعلَّ من أبرز ما يعين العبد على الوصول إلى مقصوده في هذا الجانب : مراقبة من لا تخفى عليه خافية والسِّر عنده علانية ، ومخافته - تعالى - والحياء منه ، والتعرف على جلاله وعظمته سبحانه ، وترك الاشتغال بما لا يعني من فضول الطعام والمنام والكلام والنظر والخلطة ونحوها ، والزهد في متع الدنيا وملذّاتها وإيثار الآخرة على الدنيا ، وخشية عدم قبول العمل ، والشعور الدائم بالتقصير والزّلل في القيام بحق الباري سبحانه ، والاهتمام بأعمال القلوب وعدم قصر العبد جهده على أعمال الجوارح ، وتذكّر الموت والبلى ، ومطالعة سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، والإكثار من القراءة في تراجم العلماء الربّانيين والعُبّاد الزاهدين ، ومحاسبة النفس ، وإدراك ثمار وفوائد قُرَب السِّر ، وتنمية الحياء من النفس وجعله في رتبة أعلى من رتبة الحياء من الخلق ، ومرافقة من تنفع مرافقته في الآخرة وتزيد صحبته المرء قرباً من الله - تعالى - ، وتخصيص أوقات للخلوة بالله والأنس به والعيش في كنفه من اعتكاف وقيام ليل وخلوات للتفكر في ملكوت الله سبحانه والذكر والدعاء والقراءة ونحو ذلك.
هيّا إخواني إلى بذل الوسع في إتيان قُرَب السِّر وتكميلها فإنها أقوات الروح ، وليكن لأحدنا حظ من عبادة لا يعلم بها أحد إلا البَرُّ الرحيم ، إذ السائر إليه سبحانه لا بد له(من أوقات ينفردبها بنفسه في دعائه وذكره وصلاته وتفكّره ومحاسبةنفسه وإصلاح قلبةوما يختص به من الأمورالتي لايشركه فيهاغيره
عبادات الخفاء من أعظم أسباب الثبات التي تحول بين المرء وحالات الضعف والانتكاس ، فالحذر الحذر من أن نتغافل عنها ، فإن ثمارها عظيمة ، والصوارف عنها كثيرة ، وعلينا من الله عين ناظرة ، والشاهد هو الحاكم ، والموفَّق من هداه الله - تعالى - وأعانه
لقد كانوا يعملون الطاعات سراً عالمين أن عبادة السر هي سر السبق و سر محبة الودود عز و جل. و لسان حالهم يقول:(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وُدًا)
قال ابن القيم -رحمه الله-: أجمع العارفون أن ذنوب الخلوات هى أصل الإنتكاسات وأن طاعة السر هى أصل الثبات.
إن العبادة في السِّرّ والطّاعة في الخفاء عبادة، مَن اعتادها طهر قلبه وهذب نفسه وعوّدها الإخلاص، وهي أن تعبُد الله عزّ وجلّ حيث لا يعرفك أحد ولا يعلم بك أحد غير الله سبحانه وتعالى، ونبيُّنا الكريم، صلّى الله عليه وسلّم، ينصحنا: ''مَن استطاع منكم أن يكون له خبء مِن عَمَل صالح، فليفعل''.
الخبيئة من العمل الصّالح هو العمل الصّالح المُخْتَبِئ، يعني المختفي. روي عن سيّدنا الزبير بن العوام، رضي الله عنه، قوله: ''اجعلوا لكم خبيئة من العمل الصّالح كما أنّ لكم خبيئة من العمل السَّيِّء''.
وسيّدنا الزبير، رضي الله عنه، يُنَبِّهنا إلى أمر غفل عنه الكثير من النّاس، وهو المعادلة بين الأفعال رجاء المغفرة، فلكلّ إنسان عمل سيِّء يفعله في السِّرّ، فأولى له أن يكون له عمل صالح يفعله في السِّرّ أيضاً لعلّه أن يغفر له الآخر.
وأعمال السِّرّ لا يثبت عليها إلاّ الصّادقون العارفون بالله تعالى، فهي زينة الخَلَوَات بين العبد وبين ربِّه، وليعلَم كلّ إنسان أنّ الشّيطان لا يرضى ولا يقرّ إذا رأى مِن العبد عَمَل سرّ أبداً، وإنّه لَن يتركه حتّى يجعله في العلانية، ذلك لأنّ أعمال السِّرّ هي أشدّ الأعمال على الشّيطان، وأبعد الأعمال عن مخالطة الرِّيَاء والعُجْبِ والشُّهْرَة. وإذا انتشرت أعمال السِّرّ بين المسلمين، ظَهَرت البركة وعَمّ الخير بينهم.
قال سفيان بن عيينة: قال أبو حازم: ''اكْتُم حسناتك أشَدَّ ممّا تكتُم سيِّئاتك''. وقال أيوب السختياني: ''لأن يَسْتُرَ الرجل الزُّهْد خيرٌ له مِن أن يُظْهِرَه''. وعن محمد بن زياد قال: ''رأيتُ أبَا أُمَامَةَ أَتَى على رجلٍ في المسجد وهو ساجد يبكي في سجوده، ويدعو ربَّه، فقال له أبو أمامة: أنتَ أنتَ لَوْ كان هذا في بيتك''.
وقال الحارث المحاسبي رحمه الله: الصّادِق هو الّذي لا يُبالي لو خَرَج كلّ قدر له في قلوب الخلق من أجل صلاح قلبه، ولا يُحبّ اطلاع النّاس على مثاقيل الذر من حسن عمله. وقال بشر بن الحارث: لا يجد حلاوة الآخرة رجل يُحبّ أن يعرفه النّاس.
عبادة السر أقرب الى الاخلاص و أبعد عن الرياء و المباهاة و أكسر لحظ النفس من الشهرة و العجب .
و لهذا جاء فى بعض الاثار :
عن حذيفة ابن قتادة :
ان أطعت الله فى السر أصلح قلبك ‘شئت أم أبيت
عليكم بعبادة السر فإنك تقي بها النفس من نوازع الشهوات ..
وكلما طيَّب العبد خلوته بينه وبين الله ،
طيَّب الله خلوته في القبر .
ابن تيمية:لابدَّ للعبدِ من عزلةٍ لعبادتِه وذكرِه وتلاوتِه، ومحاسبتِه لنفسِه، ودعائِه واستغفارِه، وبُعدِه عن الشرِّ، ونحوِ ذلك
عمر رضي الله عنه عندما
رأى أناس يطئطئون الأعناق يتظاهرون بالخشوع قال انما الخشوع في القلب ليس الخشوع
بالتظاهر امام الناس ان ترفع الصوت بالبكاء أو تطأطئ الرقبه او تفعل هذه الافعال.
من العوامل المُعِينَة على الخبيئة الصّالحة
1- تواضع والشعور بالتقصير، 2- الانشغال بإصلاح النفس وعيوبها وضدها الكبر والعجب، 3- الولع بنقد الآخرين
لا يكون الإخلاص في الصوم والصلاة والصدقة بل في سائر أعمالهم