ألا تخـــــــاف الله؟!!
لقد وصف الله عزَّ وجلَّ العذاب في كتابه؛ لكي يتحقق الخوف في نفوس العبـــاد ..
فقال تعالى {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} [الزمر: 16]
ولازال يُرسِل بالآيــــات الكونية من زلازل وأعاصير وحوادث وموت فجأة؛ حتى نرتدع وننزجر .. قال تعالى {..وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59]
كيف لا نخـــــاف الله عزَّ وجلَّ وقد حذرنا من نفسه؟!
يقول الله عزَّ وجلَّ {..وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [آل عمران: 28] .. فلو عرفت مدى إنتقام الله عزَّ وجلَّ، لما سوَّلت نفسك لك بالوقوع في المعصية، ولِما ترددت في طريقك إلى ربِّك، ولكنت أتعظت بالنصائح والمواعظ، ولِما عُدت لعاداتك ومألوفاتك..
فنحن بحاجة لأن نُشرِّب قلوبنـــا معاني الخوف من الله سبحانه وتعالى ..
باستشعار الأمور التاليــــة:
أولاً: الخوف من عقوبة ذنوبك ومعاصيك ..
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم“لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة، ما طمع بجنته أحد. ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة، ما قنط من جنته أحد” [متفق عليه]
وقال ابن المبارك “من أعظم المصائب للرجل أن يعلم من نفسه تقصيرًا، ثم لا يبالي، ولا يحزن عليه “ [شعب الإيمان (2:271)] .. وعن ابن مسعود قال “إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه”[صحيح البخاري (6308)]
وعن ابن عباس أنه قال كلمات ينبغي علينا جميعًا أن نحفرها في قلوبنا، قال “يا صاحب الذنب لا تأمن سوء عاقبته، ولما يتبع الذنب أعظم من الذنب إذا عملته، وقلة حيائك ممن على اليمين وعلى الشمال وأنت على الذنب أعظم من الذنب، وضحكك وأنت لا تدري ما الله صانع بك أعظم من الذنب، وفرحك بالذنب إذا ظفرت به أعظم من الذنب، وحزنك على الذنب إذا فاتك أعظم من الذنب، وخوفك من الريح إذا حركت ستر بابك وأنت على الذنب ولا يضطرب فؤادك من نظر الله إليك أعظم من الذنب” [الجواب الكافي (2:57)] ..
نسأل الله العفو والعافية ..
عن سهل بن سعد رضي الله عنه: أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال “إياكم ومحقرات الذنوب، فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود حتى جملوا ما أنضجوا به خبزهم، وإن محقرات الذنوب متى يأخذ بها صاحبها تهلكه”[رواه أحمد وصححه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (2471)]
فإيــــــــاك ومُحقرات الذنـــــوب ..
ثانيًا: الخوف من مكر الله .. فإن كنت تقع في الذنوب، ومع ذلك مازال الله عزَّ وجلَّ يبعث إليك بنِعَمَهُ .. وقد قال تعالى {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 99] ..
فاحذر أن يكون ذلك استدراجًا يوقعك في سوء الخـــــاتمة ..
مالك لا تخـــــاف والقبر منزلك؟!!
عن محمد بن مالك عن البراء قال: كنا مع رسول الله صلي الله عليه وسلم في جنازة، فجلس على شفير القبر فبكى حتى بل الثرى، ثم قال
“يا إخواني، لمثل هذا فأعدوا” [رواه ابن ماجه وحسنه الألباني]
وعن عبد الله بن المديني قال : كان لنا صديق فقال: خرجت إلى ضيعتي فأدركتني صلاة المغرب فأتيت إلى جنب مقبرة فصليت المغرب قريبا منها، فبينما أنا جالس إذ سمعت من جانب القبور أنينًا، فدنوت إلى القبر الذي سمعت منه الأنين وهو يقول : آآآآآآآه قد كنت أصوم، قد كنت أصلي .. فأصابني قشعريرة، فدعوت من حضرني فسمع مثل ما سمعت ومضيت إلى ضيعتي، ورجعت يعني في اليوم الثاني، وصليت في موضعي الأول وصبرت حتى غابت الشمس وصليت المغرب ثم استمعت إلى ذلك القبر فإذا هو يئن ويقول:آآآآآآه قد كنت أصلي، قد كنت أصوم، فرجعت إلى منزلي ومرضت بالحمى شهرين.
ويقول ابن حجر الهيثمي: قد وقع لي نظير ذلك، وذلك أني كنت وأنا صغير أتعاهد قبر والدي رحمه الله للقراءة عليه فخرجت يومًا بعد صلاة الصبح بغلس في رمضان، بل أظن أن ذلك كان في العشر الأخير بل في ليلة القدر، فلما جلست على قبره وقرأت شيئًا من القرآن ولم يكن بالمقبرة أحد غيري، فإذا أنا أسمع التأوه العظيم والأنين الفظيع بآآآآآآآه آآآآآآآآآه آآآآآآآآآه … وهكذا بصوت أزعجني من قبر مبني بالنورة والجص له بياض عظيم، فقطعت القراءة واستمعت فسمعت صوت ذلك العذاب من داخله وذلك الرجل المعذب يتأوه تأوهًا عظيمًا بحيث يقلق سماعه القلب ويفزعه فاستمعت إليه زمنًا، فلما وقع الإسفار خفي حسه عني، فمر بي إنسان فقلت: قبر من هذا؟، قال: هذا قبر فلان لرجل أدركته وأنا صغير، وكان على غاية من ملازمة المسجد والصلوات في أوقاتها والصمت عن الكلام .
وهذا كله شاهدته وعرفته منه فكبر عليَّ الأمر جدًا لما أعلمه من أحوال الخير التي كان ذلك الرجل متلبسا بها في الظاهر، فسألت واستقصيت الذين يطلعون على حقيقة أحواله فأخبروني أنه كان يأكل الربا، فإنه كان تاجرًا ثم كبر وبقي معه شيء من الحطام، فلم ترض نفسه الظالمة الخبيثة أن يأكل من جنبه حتى يأتيه الموت بل سوَّل له الشيطان محبة المعاملة بالربا حتى لا ينقص ماله ..
فأوقعه في ذلك العذاب الأليم حتى في رمضان .. حتى في ليلة القدر!
[الزواجر عن اقتراف الكبائر (1:31,32)]
نعوذ بالله من عذاب القبر الناشئ عن غضب الله ومعصيته،،
ثالثًا: الخوف من عذاب النـــــار ..
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم “ما رأيت مثل النار، نام هاربها ولا مثل الجنة نام طالبها” [رواه الترمذي وحسنه الألباني] .. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال لجبريل “ما لي لا أرى ميكائيل ضاحكا قط؟”، قال: ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار. [رواه أحمد وقال الألباني: حسن لغيره، صحيح الترغيب والترهيب (3664)]
عن أبي مهدي قال: ما كان سفيان الثوري ينام إلا أول الليل، ثم ينتفض فزعًا مرعوبا ينادي:
النار النار، شغلني ذكر النار عن النوم والشهوات ..
ثم يتوضأ ويقول على أثر وضوئه:
اللهم إنك عالم بحاجتي غير مُعلَّم وما أطلب إلا فكـــاك رقبتي من النـــار.
[التخويف من النار (1:44)] ..
فعليك أن تتعلم هذا الدعـــاء، وتُكثر من الدعاء به ..
أتعلم من هم أشد الناس عذابًا في النار؟
إنهم المتكبرون ..
يقول النبي صلي الله عليه وسلم “يُحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يغشاهم الذل من كل مكان، فيساقون إلى سجن في جهنم يسمى بولس تعلوهم نار الأنيار يسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال” [رواه الترمذي وحسنه الألباني].
والكبر لا يقتصر على التعالي على الناس فقط، فقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم “الكبر بطر الحق وغمط الناس” [صحيح مسلم] .. فإنه يشمل أيضًا التكبر على الحق وعدم قبوله .. كمن يُدمن أي نوع من المعاصي ثمَّ يعرف بحرمانيته، ويظل يكابر ويصر على هذه المعصية.
ألا تخـــــاف أن يكون المصير غمسة في النـــــار؟!
نسأل الله أن يعتِق رقـــابــنا من النار،،
فاحرص على تلك الأعمال التي تُدخل الخوف والإيمان في قلبك:
1) عَدِد جميع معاصيــــك .. فاجعل لك دفترًا خاصًا بتسجيل ذنوبك .. وكلما وقعت في ذنب، اكتبه فيه وتُب منه في الحال .. واعلم أن الذنوب لا تقتصر على الذنوب الظاهرة فقط، كإطلاق البصر والغيبة والنميمة وغيرها .. بل عليك أن تكتب أيضًا الآفات القلبية، كالكبر والعُجب والحسد فإنها من المُهلكـــات ..
وهكذا كتابتك لذنوبك، ستجعلك تُجدد التوبة من ذنوب لم تكن تلتفت لها من قبل ..
ولا تنظر إلى صِغَر الذنب، ولكن انظر إلى عِظَم من عصيت،،
2) احذر من ذنوب الخلوات .. وابتعد عن كل الأسبــــاب التي تجعلك تقع في تلك الذنوب، وغيِّر البيئة الفاسدة التي تدفعك لذلك ..
فضع خط أحمر بينك وبين ذنوب الخلوات،،
3) الإكثــــار من زيـــــــارة القبــــور .. قال رسول الله صلي الله عليه وسلم “كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها؛ فإنها ترق القلب وتدمع العين وتذكر الآخرة ..” [رواه الحاكم وصححه الألباني، صحيح الجامع (4584)] .. فعليك أن تحرص على زيارة القبور واستشعر أنه سيكون مسكنك عما قريب ..
اللهم اجعل قبورنا روضة من رياض الجنة، ولا تجعلها حفرة من حفر النار،،
4) سماع مواعظ القرآن .. فعليك أن تتأمل وتتدبر الآيـــات التي تبعث الخوف من الله عزَّ وجلَّ في النفوس ..
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم “من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأي عين فليقرأ: {إذا الشمس كورت} و{إذا السماء انفطرت} و{إذا السماء انشقت}” [رواه الترمذي وصححه الألباني]
ويقول ابن الجوزي “والله لو أن مؤمنًا عاقلاً قرأ سورة الحديد وآخر سورة الحشر وآية الكرسي وسورة الإخلاص بتفكير وتدبر، لتصدع من خشية الله قلبه وتحير في عظمة الله لبه”
[التذكرة في الوعظ (1:73)].
5) إدمان النظر إلى السمـــاء .. فإن الإكثــــار من التأمل في خلق الله سبحانه وتعالى، يبعث الرقة في القلب ويورث التعظيم والإجلال والمحبة والشوق لله سبحــــانه وتعالى.
6) مطالعة سيرة النبي صلي الله عليه وسلم وأحوال الصحابة والصالحين مع الخوف ..
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قرأ رسول الله صلي الله عليه وسلم {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ ..} [الإنسان: 1] حتى ختمها، ثم قال “إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون، أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع قدم إلا ملك واضع جبهته ساجدًا لله، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا وما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله”، قال أبو ذر: “والله لوددت أني شجرة تعضد”.
[رواه الترمذي وحسنه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (3380)]
وعن القاسم قال: كنت إذا غدوت أبدأ ببيت عائشة أسلم عليها. فغدوت يوماً فإذا هي قائمة تسبح وتقرأ: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور: 27] وتدعو وتبكي وترددها. فقمت حتى مللت القيام فذهبت إلى السوق لحاجتي، ثم رجعت فإذا هي قائمة كما هي، تصلي وتبكي.
[صفة الصفوة (1:319)]
وكان في وجه عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطان أسودان من البكاء، وكان يسمع الآية من القرآن فيغشى عليه، فُيحمل صريعًا إلى منزله، فيعاد أيامًا ليس به مرض إلا الخوف .. عن عبد الله بن عامر قال: رأيت عمر بن الخطاب أخذ تبنة من الأرض، فقال: “ليتني كنت هذه النبتة، ليتني لم أخلق، ليت أمي لم تلدني، ليتني لم أكن شيئًا، ليتني كنت نسيًا منسيًا” [صفة الصفوة (1:107)]
7) كثرة الدعــــــــــــاء ..
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قلما كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه: ” اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ..”
[حسنه الألباني، الكلم الطيب (226)]
فاللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك،
ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ،،
طرق تحقيق الخوف
من الله تعالى في النفوس