أنواع التائبين
يجب أن نكون جميعاً تائبين من جميع الذنوب والمعاصي، وهي: أن التائبين على أنواع؛ فليسوا كلهم يجب أن يصنفوا في جدول أو قائمة واحدة. النوع الأول: تائب قابل للتوبة فمن التائبين من لم يوفق في أول عمره بالتوجيه السليم والتربية الصحيحة، مع أنه يملك الاستعداد أصلاً لذلك، وعنده القابلية له، فإذا وفق هذا الإنسان لموجه أو لكلمة طيبة أو لموقف اهتدى واستنار قلبه بنور الإيمان، وأشرقت نفسه به، وعظم شأن الدين عنده، فجدد لنا بذلك أخبار السابقين، كـخالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل وغيرهم من السابقين التائبين، رضي الله عنهم أجمعين. بل جدد لنا أخبار الصحابة كلهم فما منهم إلا وقد قارف عملاً من أعمال الجاهلية، فله بذلك أسوة وقدوة، وهم خير أسوة وقدوة، فهذا صنف من التائبين وهم كثير.
بل إنني أقول: إنهم أكثر التائبين، ولذلك فليفرح التائبون وليقروا عيناً بأن الله عز وجل أوصل قلوبهم إلى مكانها الصحيح، وليحمدوا الله ويشكروه على هذه النعمة، وشكر النعمة نفسه نعمة تستحق أن يشكر الله عليها، وكما قيل: إذا كان شكري نعمة الله نعمة عليَّ له في مثلها يجب الشكر فلست أقوم الدهر في بعض حقه وإن طالت الأيام واتصل العمر النوع الثاني: تائب متذبذب. ويجب أن ننتبه للصنف الثاني ممن يسميهم الناس بالتائبين، وهم فئة قليلة من الناس يكون شأنهم تذبذب الشخصية واضطرابها، فلا يستقر واحدهم على حال، فأنت تجده اليوم طيباً متحمساً حماساً زائداً، ثم تجده غداً وقد ضعف وتغير حاله، ثم تجده بعد غد وقد اختلف عما كان، وقد تقابله بعد شهر فتجده قد عاد لحاله الأولى، سواء في مظهره أو في مخبره، ومع الأسف أن أخبار هذه الطائفة تشيع في المجتمع، أكثر مما تشيع أخبار الطوائف الأولى. ويتداول الناس أنباء تحولاتهم، خاصة إن كانوا على علاقة بأمر يعرفه الناس، فقد يكون الواحد منهم على علاقة بالفن أو الصحافة أو الرياضة أو التمثيل، ويعرفه الناس قبل ذلك، فيتسامعون بأنه اهتدى وصلح وأصبح متحمساً للخير، ثم يفاجئون بعد حين أنه قد ضعف وابتعد واختلف عما كان يعهده الناس، فيشعر كثير منهم أن صلاح هؤلاء القوم كسب عظيم للإسلام، ويتعلقون بهم ويتابعون تحركاتهم، بل لا أبالغ إذا قلت: إن بعض الناس يمنحونهم الولاء، ويعتبرونهم قادة على مستوى معين من الوعي والإخلاص يجب أن يسير الناس خلفهم، ونحن يجب أن لا نسير وراء الطفرات والتأثرات، فهذه الطفرات لا تأتي بخير، ويعجبني أن أتمثل بقول الشاعر: يا عجباً من سيرك المدلل تمشي رويداً وتجي في الأول فنحن نريد أناساً من هذا النوع، يمشي رويداً ويجيء أولاً، وكلكم شاهدتم السباقات -مثلاً- سباق الأقدام، فتجد المتسابقين حين يبدءون في السباق يبرز منهم عدد ثلاثة أو أربعة أو أكثر، حتى يخيل للمشاهدين أن هؤلاء هم الفائزون، وتجد الفائزين الحقيقيين في مؤخرة الركب، وما يزال المتسابقون يسقطون واحداً بعد الآخر، أو يضعفون ويهدأ سيرهم، والمؤخرون يتقدمون حتى تأتي النتائج في الغالب مخالفة لتوقعات المشاهدين، ويكون هذا الإنسان الذي يمشي مشياً هادئاً رزيناً متزناً هو السابق، وهكذا نريد في شأن السير إلى الله عز وجل. هذه أهم الملاحظات والأفكار التي قلت إنني أريد أن أتحدث فيها، ونيتي ليس أن أتحدث وتسمعوا، ولكن أن أسمع منكم أو من بعضكم ما قد يكون من اعتراضات أو مناقشات أو إضافات ليكون الحديث أكبر فائدة من هذا وأكثر متعة وأبعد عن الضجر، ولكن ضيق الوقت يحول دون ذلك. وأسأل الله أن يرزقني وإياكم التوبة النصوح، ويثبتنا على الإسلام، ويهدينا صراطه المستقيم، ويقبلنا في عباده الصالحين.