أهمية تدبر القرآن الكريم
أيها الإخوة: لقد أحسنت الأمة إذ حفظت قرآنها حروفاً ومخارجَ، ومدداً وغنناً، وأداءً وتغنياً، ولكن يجب أن ينضم إلى حسن التلاوة وإجادة القرآن وظيفة التدبر: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29] لقد وصف الله عز شأنه أمماً سابقةً بأنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني، إنهم أميون أمية عقل وفهم، وأمية تدبر وعمل، يرددون كتابهم تلاوةً من غير فقه ولا عمل، وأمية العقل والفكر؛ عنوان حالات الضعف والتبعية، ولقد أوضح ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين حدث أصحابه يوماً، فذكر لهم أشياء قال فيها: {وذاك عند ذهاب العلم، فقام زياد بن لبيد الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه، فقال: يا رسول الله! كيف يذهب العلم، ونحن قرأنا القرآن، ونقرئه أبناءنا، وأبناؤنا يقرئونه أبناءهم؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ثكلتك أمك يا زياد ، إن كنت لأراك من أفقه رجل في المدينة ، أو ليس هذه اليهود والنصارى بأيديهم التوراة والإنجيل، ولا ينتفعون مما فيهما بشيء } أخرجه الإمام أحمد في مسنده و الترمذي في سننه ، وقال: حديث حسن غريب.
ومصداق ذلك في كتاب الله: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ [الحديد:16].يقول ابن كثير رحمه الله: هؤلاء أهل الكتاب أقبلوا على الآراء المختلفة، والأقوال المؤتفكة، وقلدوا الرجال في دين الله، فعند ذلك قست قلوبهم، لا يقبلون موعظة، ولا يخشون وعيداً، ولا يرجون لله وقاراً.ألا فاتقوا الله رحمكم الله، واعلموا أن ميدان القرآن معهد ومسجد، وبيت ومدرسة، وسوق ومعركة، وروح وعقل، يتلى من المصاحف والصدور، في المساجد والمنازل، في الصلوات والخلوات على ألسنة المتعبدين والمتعلمين، تلهج به الجيوش في زحفها، وتقطع به الجنوب المتجافية ليلها في محاربها، جعلته دستورها كما جعلته ذكرها.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى [طه:123] * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124] * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً [طه: 125] * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى [طه:123-126].
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وبسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.