إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً
الشيخ / فريد الأنصاري
إنه القرآن! سر الكون ومعجزة القضاء والقدر!
(وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ!)
هذا الرب العظيم – لو أنت تعرفه – إنه يتكلم الآن! ويقول لك أنت، نعم أنت بالذات؛ لو أنت تستقبل خطابه:
(إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً!)
فَافْتَحْ صناديق الذخيرة الربانية بفتح قلبك للبلاغ القرآني وكن منهم:
(الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ! وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا!)
إذن تتحول أنت بنفسك إلى خَلْقٍ آخر تماماً! وتكون من (أهل القرآن) أوَ تدري من هم؟ إنهم (أهلُ الوَعْدِ)! وما أدراك ما (أهلُ الوَعْد)؟ إنهم بَارِقَةٌ قَدَرِيَّةٌ من:
(بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولاً!)
.. أولئك (أهل الله وخاصته!)(1) وأولئك أصحاب ولايته العظمى، الذين ترجم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله فيما يرويه عن الله ذي العظمة والجلال: (مَنْ عَادَى لي وَلِيّاً فَقدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْب!)(2) ذلك؛ وكفى!
وليس من مصدر لهم إلا كلمات الله! هي المعمل، وهي الزاد، وهي قوت الحياة! وهي المنهاج، وهي البرنامج، وهي الخطة، وهي الاستراتيجيا! وما نستهلك دونها من الكلام إلا (زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا..!)(الأنعام: 112) وليس عبثا أن العرب لما سمعتها تُتْلَى فزعت! فصاحت: (وَقَالَ الَّذينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ!)(فصلت:25). إنه المنهج نفسه الذي يتعامل به العدو اليوم مع القرآن! وهو الأسلوب المخادع عينه الذي تستعمله كل وسائله الإعلامية، بما فيها تلك الأشد فتكا وضَراوةً: الفضائيات المباشرة الكبرى! وإنه لخطأ كبير ذلك الذي يمارسه بعض المخلصين للإسلام، من بعض دعاته؛ عندما يفتون بتحريم صحون الاستقبال الفضائي، أو بطرد جهاز التلفزيون من البيت أو تكسيره! وما كانت محاربة الوسائل حلا ناجعا لدفع البلايا قط في التاريخ! وإنما كان أولى بأولئك أن يدعوا إلى إدخال القرآن إلى البيت! وأن يجاهدوا لجعل تلك الصناديق مجالس قرآنية مفتوحة في كل بيت! إن البيت الذي يسكنه القرآن لا يدخله الشيطان أبداً!
وكأنما يبدو – عندما أقرأ لبعضهم أو أستمع له، وهو يحرم جهاز التلفزيون، أو يحظر وسائل التلقي الأخرى من الفضائيات إلى الأنترنيت - أننا في حاجة إلى تجديد الثقة بالله أولا! عجبا! ومتى كان شيء أمضى من حد القرآن؟ نعم! فيا من تلعن الظلام في الظلام! إنما كان يكفيك أن تشعل زر النور فقط! أشعله من حرارة قلبك ووجدانك، ومن تباريح إيمانك! أدْخِلِ القرآنَ إلى البيت بقوة تَرَ بنفسك غطرسة الإعلام – هذا الغول الذي أفزع العالم وثبط عزائمه - تتحطم بين يديك، كما تحطمت من قَبْلُ أوهام سحرة فرعون تحت عصا موسى! وتَرَ كيف أن نور القرآن يبتلع حبالهم وعصيهم! وتَرَ بعينك أنهم: (إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى!)(طه:69) أدْخِلِ القرآنَ نصّاً يُتْلَى، وآياتٍ تُتَدَارَسُ، وحركةً حيةً تملأ كيان الأسرة كلها، وتعمر وجدانَها، رجالا ونساءً وأطفالا! اِصْنَعْ ذلك تَرَ عَجَباً!.. تَرَ كيف أن الأطفال الصغار - من أسرة القرآن - يتولون هم أنفسهم السخرية من فضائيات الطاغوت الإعلامي، ويركلون خبره وصورته! ليرفعوا راَيَةَ القرآن عاليةً، عاليةً في السماء!
وإن ذلك لعمري هو عين التحدي الذي جاء به هذا القرآن، لمن كان يؤمن حقا بالقرآن! وما يزال اليقين الذي يعرض به القرآن خطابه الغلاب يرفع التحدي منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم، بل إلى يوم القيامة! إنه يقول لك: أعطني - فقط - فرصة لأخاطب الناس! أو بالأحرى: أعط الشعوب فرصة للاستماع لهذا القرآن! قال جل وعلا: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ)(التوبة:6). نعم، (ليسمع) فقط! ألا إن هذا لهو عين التحدي! ذلك أن كلماته كفيلة بإخراج الحياة متدفقة بقوة من ظلمات الموات! ذلك أنه أقوى حقيقة راسخة في هذا الكون كله! ذلك أنه القرآن كلام الله رب العالمين! وتلك حقيقة لها قصة أخرى!
فلا غَلَبَةَ إذن لمن واجهه القرآنُ المبين، لا غلبةَ له البتة! وإنما هو من المهزومين بكلمة الحق القاضية عليه بالخسران إلى يوم القيامة! (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ!)(آل عمران:12). وقُلْ لِفَتَى الإيمان حَامِلِ رايةِ القرآن: (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ. مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ!)(آل عمران: 196-197). فكل أساطيل الظلمة، وما يمارسونه من غطرسة وتقلب في البلاد من أرض إلى أرض تشريدا وتقتيلا.. كله، كله يرتد مذموما مخذولا؛ لو – ويا حسرةً على "لو" هذه! - لو يرفع المسلمون راية القرآن! فيكون مصير النفقات والإعدادات الاقتصادية الضخمة التي يحشدونها؛ لإبادة الشعوب المسلمة المستضعفة، والتي تعد بملايين المليارات؛ إلى خسار محتوم! واقرأ هذه الآية الصريحة القاطعة: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ!)(الأنفال:36).
المراجع
- قال صلى الله عليه وسلم: (أهل القرآن هم أهل الله، وخاصته). رواه أحمد والنسائي وابن ماجه والحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير:2165.
- رواه البخاري.