إلهام الله للنحل
قال الله تعالى : ( وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) النحل/68 - 69 .
ووحي الله تعالى إلى النحل، معناه: أنه "يلهمهما" ما فيه مصحلتها، وما به قوام عيشها. فالمعنى : أن الله ألهم النحل أن تتخذ من الجبال بيوتًا ومن الشجر ، ومما يبنى من السقوف ، أو يبنيه أصحابها لها ، وألهمها الله تعالى أن تأكل من الثمرات ، وسهل لها الطرق والمسالك إلى ما فيه رزقها، ومصالح عيشها.
وهذا من نعمة الله ورحمته بالناس ، وإظهار لقدرته سبحانه على هداية المخلوقات ، فإنه سبحانه وبحمده ( أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) طه/50 .
قال ابن كثير : "المراد بالوحي هاهنا: الإلهام والهداية والإرشاد إلى النحل أن تتخذ من الجبال بيوتا تأوي إليها ، ومن الشجر ، ومما يعرشون .
ثم هي محكمة في غاية الإتقان في تسديسها ورصها ، بحيث لا يكون بينها خلل .
ثم أذن لها تعالى إذنا قدريا تسخيريا؛ أن تأكل من كل الثمرات ، وأن تسلك الطرق التي جعلها الله تعالى لها مذللة ، أي : سهلة عليها حيث شاءت ، في هذا الجو العظيم والبراري الشاسعة ، والأودية والجبال الشاهقة ، ثم تعود كل واحدة منها إلى موضعها وبيتها ، لا تحيد عنه يمنة ولا يسرة ، بل إلى بيتها ، وما لها فيه من فراخ وعسل ، فتبني الشمع من أجنحتها ، وتقيء العسل من فِيها ، وتبيض الفراخ من دبرها ، ثم تصبح إلى مراعيها "، انتهى من "تفسير ابن كثير" (4/ 582).