إن حمده تعالى شامل لكل ما يحدثه
إن حمده تعالى شامل لكل ما يحدثه
والمقصود بيان شمول حمده تعالى وحكمته لكل ما يحدثه من إحسان ونعمة وامتحان وبلية، وما يقضيه من طاعة ومعصية، أنه سبحانه محمود على ذلك مشكور حمد المدح وحمد الشكر، أَما حمد المدح فإنه محمود على كل ما خلق إِذ هو رب العالمين والحمد لله رب العالمين وأَما حمد الشكر فلأن ذلك كله نعمة فى حق المؤمن إِذا اقترن بواجبه من الإحسان، والنعمة إِذا [اقترنت بالشكر صارت] نعمة والامتحان والبلية إذا اقترنا بالصبر كانا نعمه، والطاعة من أَجلّ نعمه، وأَما المعصية فإِذا اقترنت بواجبها من التوبة والاستغفار والإِنابة والذل والخضوع فقد ترتب عليها من الآثار المحمودة والغايات المطلوبة ما هو نعمة أيضاً وإِن كان سببها مسخوطاً مبغوضاً للرب تعالى، ولكنه يحب ما يترتب عليها من التوبة والاستغفار، وهو سبحانه أَفرح بتوبة عبده من الرجل إِذا أضل راحلته بأَرض دوِّية مهلكة عليها طعامه وشرابه فأَيس منها ومن الحياة فنام ثم استيقظ فإِذا بها قد تعلق خطامها فى أَصل شجرة فجاءَ حتى أخذها، فالله أَفرح بتوبة العبد حين يتوب إِليه من هذا براحلته، فهذا الفرح العظيم الذى لا يشبهه شيء أَحب إِليه سبحانه من عدمه، وله أَسباب ولوازم لابد منها، وما يحصل بتقدير عدمه من الطاعات وإِن كان محبوباً له فهذا الفرح أَحب إليه بكثير ووجوده بدون لازمه ممتنع، فله من الحكمة فى تقدير أَسبابه وموجباته حكمة بالغة ونعمة سابغة.
هذا بالإضافة إلى الرب جل جلاله، وأَما بالإِضافة إلى العبد فإِنه قد يكون كمال عبوديته وخضوعه موقوفاً على أَسباب لا تحصل بدونها، فتقدير الذنب عليه إِذا اتصل به التوبة والإنابة والخضوع والذل والانكسار ودوام الافتقار كان من النعم باعتبار غايته وما يعقبه وإِن كان من الابتلاء والامتحان باعتبار صورته ونفسه والرب تعالى محمود على الأَمرين، فإِن اتصل بالذنب الآثار المحبوبة للرب سبحانه من والتوبة والذل والإِنابة والانكسار فهو عين مصلحة العبد، والاعتبار بكمال النهاية لا بنقص البداية، وإِن لم يتصل به ذلك، فهذا لا يكون إِلا من خبث نفسه وشره وعدم استعداده لمجاورة ربه بين الأرواح الذكية الطاهرة فى الملأ الأعلى ومعلوم وأن هذه النفس فيها من الشر والخبث ما فيها، فلا بد من خروج ذلك منها من القوة إلى الفعل ليترتب على ذلك الآثار المناسبة لها ومساكنة من تليق مساكنته ومجاورة الأَرواح الخبيثة فى المحل الأَسفل، فإن هذه النفوس إِذا كانت مهيأَة لذلك فمن الحكمة أَن تستخرج منها الأسباب التى توصلها إلى ما هى مهيأَة له ولا يليق به سواه والرب تعالى محمود على إنعامه وإحسانه على أهل الإحسان والأنعام القابلين له فما كل أحد قابلاً لنعمته تعالى فحمده وحكمته تقتضى أن لا يودع وإِحسانه وكنوزه فى محل غير قابل لها.
ولا يبقى إِلا أَن يقال: فما الحكمة فى خلق هذه الأرواح التى هى غير قابلة لنعمته؟ فقد تقدم من الجواب عن ذلك ما فيه كفاية. وأَن خلق الأضداد والمقابلات وترتيب آثارها عليها موجب ربوبيته وحكمته وعلمه وعزته، وأَن تقدير عدم ذلك هضم من جانب الربوبية. وأَيضاً فإن هذه الحوادث نعمة فى حق المؤمن، فإِنها إِذا وقعت فهو مأمور أن نكرها بقلبه ويده ولسانه فقط أَو بقلبه فقط، ومأمور أَن يجاهد أَربابها بحسب الإِمكان، فيترتب له على الإنكار والجهاد من مصالح قلبه ونفسه وبدنه ومصالح دنياه، وآخرته ما لم يكن ينال بدون ذلك، والمقصود بالقصد الأول إِتمام نعمته تعالى على أَوليائه ورسله وخاصته فاستعمال أعدائه فيما تكمل به النعمة على أُوليائه غاية الحكمة، وكان فى تمكين أَهل الكفر والفسق والعصيان من ذلك إِيصال إِلى الكمال الذى يحصل لهم بمعاداة هؤلاء وجهادهم والإِنكار عليهم والموالاة فيه والمعاداة فيه وبذل نفوسهم وأَموالهم وقواهم له، فإِن تمام العبودية لا يحصل إِلا بالمحبة الصادقة، وإِنما تكون المحبة صادقة إِذا بذل فيها المحب ما يملكه من مال ورياسة وقوة فى مرضاة محبوبة والتقرب إِليه، فإِن بذل له روحه كان هذا أعلى درجات المحبة، ومن المعلوم أَن من لوازم ذلك التى لا يحصل إِلا بها أَو يخلق ذواتاً وأَسباباً وأَعمالاً وأَخلاقاً وطبائع تقتضى [معاداة من يحبه ويؤثر مرضاته لها وعند ذلك تتحق] المحبة الصادقة من غيرها فكل أَحد يحب الإِحسان والراحة والدعة واللذة، ويجب من يوصل إِليه ذلك ويحصله له، ولكن الشأْن فى أَمر وراءَ هذا وهو محبته سبحانه ومحبة ما يحبه مما هو أَكره شيء إِلى النفوس وأَشق شيء عليها مما لا يلائمها، فعند حصول أَسباب ذلك يتبين من يحب الله لذاته ويحب ما يجب ممن يحبه لأَجل مخلوقاته فقط من المأْكل والمشرب والمنكح والرياسة، فإِن أُعطى منها رضى وإِن منعها سخط وعتب على ربه وربما شكاه وربما ترك عبادته،
فلولا خلق الأضداد وتسليط أَعدائه وامتحان أَوليائه بهم لم يستخرج خالص العبودية من عبيده الذين هم عبيده، ولم يحصل لهم عبودية الموالاة فيه والمعاداة [فيه والحب فيه والبغض فيه والعطاء له والمنع له، ولا عبودية بذل الأرواح] فى جهاد أَعدائه ونصرته وعبودية مفارقة الأمر عنده أحوج ما يكون إليهم عبده فى مرضاته ما يتحسر إليهم وهو الذى عاب نفسه وملاذ بها بأيديهم قد جنى بمفارقتهم ومشايعتهم وأما من موالاة الحق عليهم، فلولا الأَضداد والأَسباب التى توجب ذلك لم تحصل هذه الآثار.
وأَيضاً فلولا تسليط الشهوة والغضب ودواعيهما على العبد لم تحصل له فضيلة الصبر وجهاد النفس ومنعها من حظوظها وشهواتها محبة لله وإِيثاراً لمرضاته وطلباً للزلفى لديه والقرب منه. وأَيضاً فلولا ذلك لم تكن هذه النشأَة الإِنسانية إِنسانية، بل كانت ملكية، فإِن آلله سبحانه خلق خلقه أَطواراً: فخلق الملائكة عقولاً لا شهوات لها ولا طبيعة تتقاضى منها خلاف ما يراد من مادة نورية لا تقتضى شيئاً من الآثار والطبائع المذمومة، وخلق الحيوانات ذوات شهوات لا عقول لها، وخلق الثقلين- الجن والإنس وركب فيهم العقول والشهوات والطبائع المختلفة لآثار مختلفة بحسب موادها وصورها وتركيبها. وهؤلاءِ هم أَهل الامتحان والابتلاءِ، وهم المعرضون للثواب والعقاب ولو شاءَ سبحانه لجعل خلقه على طبيعة واحدة وخلق واحد ولم يفاوت بينهم، لكن ما فعله سبحانه هو محض الحكمة وموجب الربوبية ومقتضى الإلهية، ولو كان الخلق كله طبيعة واحدة ونمطاً واحداً لوجد الملحد مقالاً وقال: هذا مقتضى الطبيعة، ولو كان فاعلاً بالاختيار لتنوعت أَفعاله ومفعولاته ولفعل الشيء وضده والشيء وخلافه.
وكذلك لولا شهود هذه الحوادث المشهودة لوجد الملحد أَيضاً مقالاً وقال: لو كان لهذا العالم خالقاً مختاراً لوجدت فيه الحوادث على حسب إرادته واختياره، كما روى الحسن أَو غيره قال: كان أَصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقولون: جلَّ ربنا القديم، لم يتغير هذا الخلق لقال الشاك فى الله إنه لو كان لهذا العالم خالق لحادثه بينا هو ليل إِذ جاءَ نهار وبينا هو نهار إِذ جاءَ ليل، بينا هو صحو إِذ جاءَ غيم وبينا هو غيم إِذ جاءَ صحو، ونحو هذا من الكلام، ولهذا يستدل سبحانه فى كتابه بالحوادث تارة وباختلافها تارة، إِذ هذا وهذا يستلزم ربوبيته وقدرته واختياره ووقوع الكائنات على وفق مشيئته، فتنوع أَفعاله ومفعولاته من أَعظم الأَدلة على ربوبيته وحكمته وعلمه. ولهذا سبحانه خلق النوع الإِنسانى
أَربعة أَقسام: أَحدها لا من ذكر ولا أُنثى وهو خلق أَبيهم وأَصلهم آدم،
الثانى خلقه من ذكر بلا أُنثى كخلق أَمهم حواءَ من ضلع من أَضلاع آدم من غير أَن تحمل بها أُنثى أَو يشتمل عليها بطن،
الثالث خلقه من أُنثى بلا ذكر كخلق المسيح عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم الرابع خلق سائر النوع الإِنسانى من ذكر وأُنثى، وكل هذا ليدل عباده على كمال قدرته ونفوذ مشيئته وكمال حكمته، وأَن الأَمر ليس كما يظنه أَعداؤه الجاحدون له الكافرون به من أَن ذلك أَمر طبيعى لم يزل هكذا ولا يزال، وأَنه ليس للنوع أَب ولا أم وأَنه ليس إِلا أَرحام تدفع وأَرض تبلغ وطبيعة تفعل ما يرى ويشاهد، ولم يعلم هؤلاءِ الجهال الضلال أَن الطبيعة قوة وصفة فقيرة إلى محلها محتاجة إِلى حامل لها، وأَنها من أَدل الدلائل على وجود أَمره فى طبعها وخلقها، وأَودعها الأجسام وجعل فيها هذه الأَسرار العجيبة، فالطبيعة مخلوق من مخلوقاته ومملوك من مماليكه وعبيدة مسخرة لأَمره تعالى منقادة لمشيئته، ودلائل الصنعة وإِمارات الخلق والحدوث وشواهد الفقر والحاجة شاهدة عليها بأَنها مخلوقة مصنوعة، لا تخلق ولا تفعل ولا تتصرف فى ذاتها ونفسها، فضلاً عن إِسناد الكائنات إِليها.
والمقصود أن تنويع المخلوقات واختلافها من لوازم الحكمة والربوبية والملك، وهو أيضاً من موجبات الحمد فله الحمد على ذلك كله أَكمل حمد وأَتمه أَيضاً، فإِن مخلوقاته هى موجبَات أَسمائه وصفاته، فلكل اسم وصفة أَثر لا بد من ظهوره فيه واقتضائه له، فيمتنع تعطيل آثار أَسمائه وصفاته كما يمتنع تعطيل ذاته عنها، وهذه الآثار لها متعلقات ولوازم يمتنع أَن لا توجد كما تقدم التنبيه عليه. وأَيضاً فإِن تنويع أَسباب الحمد أَمر مطلوب للرب تعالى محبوب له، فكما تنوعت أَسباب الحمد تنوَّع الحمد بتنوُّعها وكثر بكثرتها ومعلوم أَنه سبحانه محمود على انتقامه من أَهل الإِجرام والإِساءة، كما هو محمود على إِكرامه لأَهل العدل والإِحسان، فهو محمول على هذا وعلى هذا، مع ما يتبع ذلك من حمده على حلمه وعفوه ومغفرته وترك حقوقه ومسامحة خلقه بها والعفو عن كثير من جنايات العبيد فنبههم باليسير من عقابه وانتقامه على الكثير الذى عفا عنه، وأَنه لو عاجلهم بعقوبته وأَخذهم بحقه لقضى إِليهم أَجلهم ولما ترك على ظهرها من دابة، ولكنه سبقت رحمته غضبه وعفوه انتقامه ومغفرته عقابه، فله الحمد على عفوه وانتقامه، وعلى عدله وإِحسانه، ولا سبيل إِلى تعطيل أَسباب حمده ولا بعضها. فليتدبر اللبيب هذا الموضع حق التدبر، وليعطه حقه يطلعه على أَبواب عظيمة من أَسرار القدر، ويهبط به على رياض منه معشبة وحدائق مونقة. والله الموفق الهادى للصواب.
وأَيضاً فإِن الله سبحانه نوَّع الأَدلة الدالة عليه والتى تعرّف عباده به غاية التنوع، وصرّف الآيات وضرب الأَمثال، ليقيم عليهم حجته البالغة ويتم عليهم بذلك نعمته السابغة، ولا يكون لأحد بعد ذلك حجة عليهم سبحانه، بل الحجة كلها له والنعم كلها له والقدرة كلها له فأَقام عليهم حجته، ولو شاءَ لسوَّى بينهم فى الهداية كما قال تعالى: {فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام: 149]: فأَخبر أَن له الحجة البالغة، وهى التى بلغت إِلى صميم القلب وخالطت العقل واتحدت به فلا يمكن العقل دفعها ولا جحدها، ثم أَخبر أَنه سبحانه قادر على هداية خلقه كلهم، ولو شاءَ ذلك لفعله لكمال قدرته ونفوذ مشيئته، ولكن حكمته تأْبى ذلك وعدله يأْبى تعذيب أَحد وأَخذه بلا حجة، فأَقام الحجة وصرّفَ الآيات وضرب الأمثال وَنوَّع الأدلة، ولو كان الخلق كلهم على طريقة واحدة من الهداية لما حصلت هذه الأُمور ولا تنوعت هذه الأَدلة والأَمثال، ولا ظهرت عزته سبحانه فى انتقامه من أَعدائه ونصر أَوليائه عليهم، ولا حججه التى أَقامها على صدق أَنبيائه ورسله ولا كان للناس آية فى فئتين التقتا فئة تقاتل فى سبيل الله، وأُخرى كافرة يرونهم مثليهم رأْى العين، ولا كان للخلق آية باقية ما بقيت الدنيا فى شأْن موسى وقومه وفرعون وقومه وفلق البحر لهم ودخولهم جميعاً فيه ثم إِنجاءَ موسى وقومه ولم يغرق أَحد منهم وأَغرق فرعون وقومه لم ينج منهم أَحد، فهذا التعرف إِلى عباده وهذه الآيات وهذه العزة والحكمة لا سبيل إِلى تعطيلها البتة ولا توجد بدون لوازمها.
وأَيضاً فإِن حقيقة الملك إِنما تتم بالعطاءِ والمنع والإِكرام والإِهانة والإِثابة والعقوبة والغضب والرضا والتولية والعزل وإِعزاز من يليق به العز وإِذلال من يليق به الذل، قال تعالى: {قُلِ اللّهُمّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمّنْ تَشَآءُ وَتُعِزّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنّكَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ تُولِجُ اللّيْلَ فِي الْنّهَارِ وَتُولِجُ النّهَارَ فِي الْلّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيّ مِنَ الْمَيّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيّتَ مِنَ الْحَيّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران: 26- 27]، وقال تعالى: {يَسْأَلُهُ مَن فِى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ} [الرحمن: 29]، يغفر ذنباً ويفرّج كَرْباً ويكشف غماً وينصر مظلوماً ويأْخذ ظالماً ويفك عانياً ويغنى فقيراً ويجبر كسيراً ويشفى مريضاً ويقبل عثرة ويستر عورة ويعز ذليلاً ويذل عزيزاً ويعطى سائلاً ويذهب بدولة ويأْتى بأُخرى ويداول الأَيام بين الناس ويرفع أَقواماً ويضع آخرين يسوق المقادير التى قدرها قبل خلق السموات والأَرض بخمسين أَلف عام إلى مواقيتها فلا يتقدم شيء منها عن وقته ولا يتأَخر، بل كل منها قد أَحصاه كما أَحصاه كتابه وجرى به قلمه ونفذ فيه حكمه وسبق به علمه،
فهو المتصرف فى الممالك كلها وحده تصرف ملك قادر قاهر عادل رحيم تام الملك لا ينازعه فى ملكه منازع ولا يعارضه فيه معارض، فتصرفه فى المملكة دائر بين العدل والإِحسان والحكمة والمصلحة والرحمة فلا يخرج تصرفه عن ذلك. وفى تفسير الحافظ أَبى بكر أَحمد بن موسى بن مردويه من حديث الحمانى: حدثنا إِسحق بن سليمان عن معاوية بن يحيى عن يونس ابن ميسرة عن أَبى إدريس عن أَبى الدرداء أَنه سئل عن قوله تعالى: {كُلَّ يَوْمِ هُوَ فِى شَأْن} [الرحمن: 29]، فقال: سئل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَغْفِرَ ذَنْباً وَيُفَرِّجَ كَرْباً وَيَرْفَعَ قَوْماً وَيَضَعَ آخَرِينَ، وفيه أيضاً من حديث حماد بن سلمة حدثنا الزبير أَبو عبد السلام عن أَيوب بن عبد الله بن مكرز عن أَبيه قال: قال عبد الله بن مسعود: إن ربكم عز وجل ليس عنده ليل ولا نهار، نور السموات والأرض من نور وجهه. أَيامكم عنده ثنتا عشرة ساعة: تعرض عليه أَعمالكم بالأَمس ثلاث ساعات من أَول النهار، فيطلع منها على ما يكره فيغضب فيكون أَول من يعلم بغضبه حملة العرش، فتسبح حملة العرش وسراداقات العرش والملائكة المقربون وسائر الملائكة، وينفخ جبريل فى القرن فلا يبقى خلق لله فى السموات ولا فى الأرض إلا سمعه إلا الثقلين، ويسبحون [ثلاث ساعات] حتى يمتليء الرحمن رحمة، فتلك ست ساعات ثم يدعو بالأَرحام فينظر فيها ثلاث ساعات: {يُصَوّرُكُمْ فِي الأرْحَامِ كَيْفَ يَشَآءُ لاَ إِلَهَ إِلاّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 6]، {يَهَبُ لِمَنْ يشَاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} [الشورى: 49]، فتلك تسع ساعات. ثم يدعو بالأرزاق فينظر فيها ثلاث ساعات: {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الإسراء: 30] [الروم: 37] [سبأ: 36] [الزمر: 52] [الشورى: 12] فتلك اثنتا عشرة ساعة. ثم قرأَ عبد الله: {كُلَّ يومٍ هُوَ فِى شَأْن} [الرحمن: 29] ثم قال: هذا شأْنكم وشأْن ربكم عز وجل. وذكره الطبرانى فى المعجم الكبير من وجه آخر. وهذا من تمام تصرفه فى ملكه سبحانه، فلو قصر تصرفه على وجه واحد ونمط واحد لم يكن تصرفاً تاماً.
والمقصود أَن الملك والحمد فى حقه متلازمان، فكل ما شمله ملكه وقدرته شمل حمده، فهو محمود فى ملكه وله الملك والقدرة مع حمده، فكما يستحيل خروج شيء من الموجودات عن ملكه وقدرته يستحيل خروجها عن حمده وحكمته، ولهذا يحمد سبحانه نفسه عند خلقه وأَمره، لينبه عباده على أَن مصدر خلقه وأَمره عن حمده، فهو محمود على كل ما خلقة وأَمر به حمد شكر وعبودية، وحمد ثناءٍ ومدح، ويجمعهما التبارك، فتبارك الله يشمل ذلك كله، ولهذا ذكر هذه الكلمة عقيب قوله: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ، تَبَاركَ اللهُ رَبُّ العالَمِينَ} [الأعراف: 54] فالحمد أَوسع الصفات وأَعم المدائح والطرق إِلى العلم به فى غاية الكثرة، والسبيل إِلى اعتباره فى ذرّات العالم وجزئياته وتفاصيل الأَمر والنهى واسعة جداً، لأَن جميع أَسمائه تبارك وتعالى حمد، وصفاته حمد وأَفعاله حمد، وأَحكامه حمد، وعدله حمد، وانتقامه من أَعدائه حمد، وفضله فى إحسانه إلى أَوليائه حمد والخلق والأَمر إِنما قام بحمده ووجد بحمده وظهر بحمده وكان الغاية هى حمده فحمده سبب ذلك وغايته ومظهره وحامله فحمده روح كل شيء، وقيام كل شيء بحمده، وسريان حمده فى الموجودات وظهور آثاره فيه أَمر مشهود بالأَبصار والبصائر: فمن الطرق الدالة على شمول معنى الْحمد وانبساطه على جميع المعلومات معرفة أَسمائه وصفاته، وإقرار العبد بأَن للعالم إِلهاً حياً جامعاً لكل صفة كمال واسم حسن وثناءٍ جميل وفعل كريم وأَنه سبحانه له القدرة التامة والمشيئة النافذة والعلم المحيط والسمع الذى وسع الأَصوات والبصر الذى أَحاط بجميع المبصرات والرحمة التى وسعت جميع المخلوقات والملك الأَعلى الذى لا يخرج عنه ذرة من الذرات والغنى التام المطلق من جميع الجهات والحكمة البالغة المشهود آثارها فى الكائنات والعزة الغالبة بجميع الوجوه والاعتبارات والكلمات التامات النافذات التى لا يجاوزهن بر ولا فاجر من جميع البريات، واحد لا شريك له فى ربوبيته ولا فى إلهيته، ولا شبيه له فى ذاته ولا فى صفاته ولا فى أَفعاله، وليس له من يشركه فى ذرة من ذرات ملكه، أَو يخلفه فى تدبير خلقه، أَو يحجبه عن داعيه أَو مؤمليه أو سائليه، أَو يتوسط بينهم وبينه بتلبيس أَو فرية أَو كذب كما يكون بين الرعايا وبين الملوك، ولو كان كذلك لفسد نظام الوجود وفسد العالم بأَسره: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا الله لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22]
فلو كان معه آلهة أُخرى كما يقول أَعداؤه المبطلون لوقع من النقص فى التدبير وفساد الأَمر كله ما لا يثبت معه حالٍ، ولا يصلح عليه وجود. ومن أَعظم نعمه علينا وما استوجب حمد عباده له أَن يجعلنا عبيداً له خاصة ولم يجعلنا ربنا منقسمين بين شركاءَ متشاكسين، ولم يجعلنا عبيداً لإِله نحتته الأَفكار، لا يسمع أَصواتنا ولا يبصر أَفعالنا ولا يعلم أَحوالنا ولا يملك لعابديه ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، ولا تكلم قط ولا يتكلم ولا يأْمر ولا ينهى، ولا ترفع إِليه الأَيدى ولا تعرج الملائكة والروح إِليه، ولا يصعد إِليه الكلم الطيب، ولا يرفع إِليه العمل الصالح، وأَنه ليس داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا عن يمينه ولا عن يساره ولا خلفه ولا أَمامه ولا متصلاً به ولا منفصلاً عنه ولا محاذياً له ولا مبايناً، ولا هو مستو على عرشه ولا هو فوق عباده، وحظ العرش منه حظ الحشوش والأَخلية ولا تنزل الملائكة من عنده بل لا ينزل من عنده شيء ولا يصعد إِليه شيء ولا يقرب منه شيء، ولا يحِب ولا يحَب، ولا [يلتذ] المؤمنون بالنظر إِلى وجهه الكريم فى دار الثواب، بل ليس له وجه يرى ولا له يد يقبض بها السموات وأُخرى يقبض بها الأَرض، ولا [له] فعل يقوم به ولا حكمة تقوم به، ولا كلم موسى تكليماً، ولا تجلى للجبل فجعله دكاً هشيماً، ولا يجيء يوم القيامة لفصل القضاءِ، ولا ينزل كل ليلة إلى سماءِ الدنيا فيقول [لا] أَسأَل عن عبادى غيرى، ولا يفرح بتوبة عبده إِذا تاب إِليه ويجوز فى حكمته تعذيب أَنبيائه ورسله وملائكته وأَهل طاعته أَجمعين من أَهل السموات والأرضين، وتنعيم أَعدائه من الكفار به والمحاربين والمكذبين له ولرسله، والكل بالنسبة إِليه سواءٌ ولا فرق البتة إِلا أَنه أَخبر أَنه لا يفعل ذلك، فامتنع للخبر بأَنه لا يفعله، لا لأَنه فى نفسه مناف لحكمته،
ومع ذلك فرضاه عين غضبه وغضبه عين رضاه ومحبته كراهته وكراهته محبته، إِن هى إِلا إِرادة محضة ومشيئة صرفة يشاءُ بها لا لحكمة ولا لغاية ولا لأَجل مصلحة، ومع ذلك يعذب عباده على ما لم يعملوه ولا قدرة لهم عليه، بل يعذبهم على نفس فعله الذى فعله هو ونسبه إِليهم، ويعذبهم إِذا لم يفعلوا فعله ويلومهم عليه، يجوز فى حكمته أن يعذب رجالاً إِذا لم يكونوا نساءَ ونساءً حيث لم يكونوا رجالاً وطوالاً حيث لم يكونوا قصاراً وبالعكس وسوداً إِذا لم يكونوا بيضاً وبالعكس، بل تعذيبه لهم على مخالفته هو من هذا الجنس إذ لا قدرة لهم البتة على فعل ما أُمروا به ولا ترك ما نهوا عنه. فله الحمد والمنة والثناءُ الحسن الجميل إِذ لم يجعلنا عبيداً لمن هذا شأْنه فنكون مضيعين، ليس لنا رب نقصده، ولا صمد نتوجه إِليه ونعبده، ولا إِله نعوّل عليه، ولا رب نرجع إليه بل قلوبنا تنادى فى طرق الحيرة: من دلنا وجمع علينا رباً ضائعاً لا هو داخل العالم ولا خارجه، ولا مباين له ولا محاذ له، ولا متصل به ولا منفصل عنه، ولا نزل من عنده شيء ولا يصعد إليه شيء، ولا كلَّم أَحداً ولا يكلمه أَحد، ولا ينبغى [لأحد أن يذكر صفاته ولايعرفه بها بل يذكرها بلسانه فلا يتكلم بها وبقلبه فلا يعقلها وينبغى] له أَن يعاقب بالقتل أَو بالضرب والحبس من ذكرها أَو أَخبر عنه بها أَو أَثبتها له. أَو نسبها إلِيه أَوْ عرفه بها، بل التوحيد الصرف جحدها وتعطيله عنها ونفى قيامها به واتصافه وما لم تدركه عقولنا من ذلك فالواجب نفيه وجحده [وتكفير] من أثبته واستحلال دمه وماله أو تبديعه وتضليله وتفسيقه، وكلما كان النفى أَبلغ كان التوحيد أتم، فليس كذا وليس كذا أَبلغُ فى التوحيد من قولنا هو كذا وهو كذا.
فللَّه العظيم أَعظم حمد وأَتمه وأَكمله على ما منَّ به من معرفته وتوحيده والإقرار بصفاته [العلى] وأَسمائه الحسنى، وإِقرار قلوبنا بأَنه الله الذى لا إِله إِلا هو عالم الغيب والشهادة رب العالمين قيوم السموات والأرضين إِله الأَولين والآخرين، ولا يزال موصوفاً بصفات الجلال، منعوتاً بنعوت الكمال، منزهاً عن أضدادها من النقائص والتشبيه والمثال. فهو الحى القيوم الذى لكمال حياته وقيوميته لا تأْخذه سنة ولا نوم، مالك السموات والأرض الذى لكمال ملكه لا يشفع عنده أَحد إِلا بإِذنه، العالم بكل شيء الذى لكمال علمه يعلم ما بين أَيدى الخلائق وما خلفهم فلا تسقط ورقة إلا بعلمه ولا تتحرك ذرة إلا بإذنه يعلم دبيب الخواطر فى القلوب حيث لا يطلع عليها الملك ويعلم ما سيكون منها حيث لا يطلع عليه القلب، البصير الذى لكمال بصره يرى تفاصيل خلق الذرة الصغيرة وأعضائها ولحمها ودمها ومخها وعروقها، ويرى دبيبها على الصخرة الصماءِ فى الليلة الظلماءِ، ويرى ما تحت الأرضين [السبع] كما يرى ما فوق السموات السبع. السميع الذى قد استوى فى سمعه سر القول وجهره، وسع سمعه الأَصوات فلا تختلف عليه أَصوات الخلق ولا تشتبه عليه ولا يشغله منها سمع عن سمع ولا تغلطه المسائل ولا يبرمه كثرة السائلين، قالت عائشة: الحمد لله الذى وسع سمعه الأَصوات، لقد جاءَت المجادلة تشكو إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم [وأنه] ليخفى على بعض كلامها، فأنزل الله عز وجل: {قَدْ سَمِع اللهُ قَوْلَ الَّتِى تُجَادِلُكَ فِى زَوجِهَا وَتَشْتَكِى إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسمَعَ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة: 1]،
القدير الذى لكمال قدرته يهدى من يشاءُ ويضل من يشاءُ ويجعل المؤمن مؤمناً والكافر كافراً والبر براً والفاجر فاجراً، وهو الذى جعل إِبراهيم وآله أَئمة يدعون إِليه ويهدون بأَمره، وجعل فرعون قومه أَئمة يدعون إِلى النار. ولكمال قدرته لا يحيط أَحد بشيء من علمه إِلا بما شاءَ سبحانه أَن يعلمه إِياه. ولكمال قدرته خلق السموات والأَرض وما بينهما فى ستة أَيام وما مسه من لغوب ولا يعجزه أحد من خلقه، ولا يفوته، بل هو فى قبضته أَين كان، فإن فر منه فإِنما يطوى المراحل فى يديه كما قيل:
وكيف يفر المرءُ عنك بذنبه إِذا كان يطوى فى يديك المراحلا
ولكمال غناه استحال إضافة الولد والصاحبة والشريك والشفيع بدون إِذنه إِليه، ولكمال عظمته وعلوه وسع كرسيه السموات والأَرض، ولم تسعه أَرضه ولا سماواته ولم تحط به مخلوقاته، بل هو العالى على كل شيء وهو بكل شيء محيط، ولا تنفد كلماته ولا تبدل، ولو أَن البحر يمده من بعده سبعة [أبحر] مداداً وأَشجار الأَرض أَقلاماً، فكتب بذلك المداد وبتلك الأَقلام، لنفد المداد وفنيت الأَقلام، ولم تنفد كلماته إِذ هى غير مخلوقة، ويستحيل أَن يفنى غير المخلوق بالمخلوق. ولو كان كلامه مخلوقاً- كما قاله من لم يقدره حق قدره، ولا أَثنى عليه بما هو أَهله- لكان أَحق بالفناءِ من هذا المداد وهذه الأَقلام، لأَنه إِذا كان مخلوقاً فهو نوع من أَنواع مخلوقاته، ولا يحتمل المخلوق إفناءَ هذا المداد وهذه الأَقلام وهو باق غير فان.
وهو سبحانه يحب رسله وعباده المؤمنين ويحبونه، بل لا شيء أَحب إِليهم منه ولا أشوق إليهم من لقائه ولا أَقر لعيونهم من رؤيته ولا أحظى عندهم من قربه، وأَنه سبحانه له الحكمة البالغة فى خلقه وأمره وله النعمة السابغة على خلقه، وكل نعمة منه فضل وكل نقمة منه عدل، وأنه أرحم بعباده من الوالدة بولدها وأنه أفرح بتوبة عبده من واجد راحلته التى عليها طعامه وشرابه فى الأَرض المهلكة بعد فقدها واليأْس منها، وأَنه سبحانه لم يكلف عباده إِلا وسعهم وهو دون طاقتهم، فقد يطيقون الشيء ويضيق عليهم، بخلاف وسعهم فإِنه ما يسعونه ويسهل عليهم ويفضل قدرهم عنه كما هو الواقع، وأَنه سبحانه لا يعاقب أَحداً بغير فعله ولا يعاقبه على فعل غيره، ولا يعاقبه بترك ما لا يقدر على فعله ولا على فعل ما لا قدرة له على تركه، وأنه [سبحانه] حكيم كريم جواد ما جد محسن ودود وصبور شكور يطاع فيشكر ويعصى فيغفر، لا أَحد أصبر على أَذى سمعه منه، ولا أَحب إِليه المدح منه ولا أحب إليه العذر منه، ولا أحد أحب إليه الإحسان منه، فهو محسن يحب المحسنين، شكور يحب الشاكرين جميل يحب الجمال، طيب يحب كل طيب، نظيف يحب النظافة، عليم يحب العلماءَ من عباده، كريم يحب الكرماءَ، قوى والمؤمن القوى أَحب إِليه من المؤمن الضعيف، بر يحب الأَبرار،
عدل يحب أَهل العدل حى ستير يحب أهل الحياءِ والستر عفو غفور يحب [من] يعفو من عباده ويغفر لهم، صادق يحب الصادقين، رفيق يحب الرفق، جواد يحب [الجود] وأهله، رحيم يحب الرحماءَ، وتر يحب الوتر، ويحب أَسماءه وصفات ويحب المتعبدين له بها ويحب من يسأَله ويدعوه بها ويحب من يعرفها ويعقلها [ويثنى] عليه بها ويحمده ويمدحه بها كما فى الصحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم: "لا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ، ولا أَحَدَ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَرْسَلَ الرُّسُلَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ"، وفى حديث آخر صحيح: "لا أَحَدَ أَصْبَرُ عَلَى أَذَى سَمْعِهِ مِنَ اللهِ، يَجْعَلُونَ لَهُ وَلَداً وَهُوَ يَرْزفقُهُمْ وَيُعَافِيهِمْ"، ولمحبته لأَسمائه وصفاته أمر عباده بموجبها ومقتضاها، فأمرهم بالعدل والإِحسان والبر والعفو والجود والصبر والمغفرة والرحمة والصدق والعلم والشكر والحلم والأَناة والتثبت ولما كان سبحانه يحب أَسماءَه وصفاته كان أَحب الخلق إِليه من اتصف بالصفات التى يحبها، وأَبغضهم إِليه من اتصف بالصفات التى يكرهها، فإِنما أبغض من اتصف بالكبر والعظمة والجبروت لأَن اتصافه بها ظلم، إِذ لا تليق به هذه الصفات ولا تحسن منه، لمنافاتها لصفات العبيد، وخروج من اتصف بها من ربقة العبودية ومفارقته لمنصبه ومرتبته، وتعديه طوره وحدَّه، وهذا خلاف ما تقدم من الصفات كالعلم والعدل والرحمة والإِحسان والصبر والشكر فإِنها لا تنافى العبودية، بل اتصاف العبد بها من كمال عبوديته، إِذ المتصف بها من العبيد لم يتعد طوره ولم يخرج بها من دائرة العبودية والمقصود أَنه سبحانه لكمال أَسمائه وصفاته موصوف بكل صفة كمال، منزه عن كل نقص، له كل ثناءٍ حسن ولا يصدر عنه إِلا كل فعلٍ جميل، ولا يسمى إِلا [بأَحسن] الأَسماءِ ولا يثنى [عليه] إِلا بأَكمل الثناءِ وهو المحمود [المحبوب] المعظم ذو الجلال والإِكرام على كل ما قدره وخلقه، وعلى [كل] ما أَمر به وشرعه.
ومن كان له نصيب من معرفة أَسمائه الحسنى واستقر آثارها فى الخلق والأَمر، رأَى الخلق والأَمر منتظمين بها أَكمل انتظام، ورأَى سريان آثارها فيهما وعلم- بحسب معرفته بها ما يليق بكماله وجلاله أَن يفعله وما لا يليق، فاستدل بأَسمائه على ما يفعله وما لا يفعله فإِنه لا يفعل خلاف موجب [حمده] وحكمته، وكذلك يعلم ما يلبق به أَن يأْمر به ويشرعه مما لا يليق به، فيعلم أَنه لا يأْمر بخلاف موجب حمده وحكمته. فإِذا رأَى بعض الأَحكام جوراً وظلماً أَو سفهاً وعبثاً ومفسدة أَو ما لا يوجب حمداً وثناءً [فليعلم] أَنه ليس من أَحكامه ولا دينه، وأَنه بريء منه ورسوله، فإِنه إِنما أَمر بالعدل لا بالظلم وبالمصلحة لا بالمفسدة وبالحكمة لا بالعبث والسفه، وإِنما بعث رسوله بالحنيفية السمحة لا بالغلظة والشدة، وبعثه بالرحمة لا بالقسوة، فإِنه أَرحم الراحمين، ورسوله رحمة مهداة إِلى العالمين، ودينه كله رحمة، وهو نبى الرحمة وأُمته الأُمة المرحومة وذلك كله موجب أَسمائه الحسنى وصفاته العليا وأًَفعاله الحميدة، فلا يخبر عنه إِلا بحمده ولا يثنى عليه إِلا بأَحسن الثناءِ كما لا يسمى إِلا بأحسن الأسماءِ.
وقد نبه سبحانه على شمول حمده لخلقه وأَمره بأن حمد نفسه فى أَول الخلق وآخره وعند الأَمر والشرع وحمد نفسه على ربوبيته للعالَمين، وحمد نفسه على [تفرده] بالإلهية وعلى حياته، وحمد نفسه على امتناع اتصافه بما لا يليق بكماله من اتخاذ الولد والشريك وموالاة أَحد من خلقه لحاجته إِليه، وحمد نفسه على علوه وكبريائه، وحمد نفسه فى الأُولى والآخرة، وأخبر عن سريان حمده فى العالم العلوى والسفلى، ونبه على هذا كله فى كتابه وحمد نفسه عليه، فتنوع حمده وأسباب حمده، وجمعها تارة وفرقها أُخرى ليتعرف إِلى عباده ويعرفهم كيف يحمدونه وكيف يثنون عليه، وليتحبب إليهم بذلك ويحبهم إذا عرفوه وأحبوه وحمدوه. قال تعالى: {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 2- 4]، وقال تعالى: {الْحَمْدُ للهِ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورِ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام: 1]، وقال تعالى: {الْحَمْدُ للهِ الَّذِى أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لهُ عِوَجاً قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِين} [الكهف: 1-2]، وقال: {الْحَمْدُ للهِ الَّذِى لَهُ مَا فِى السَّمَوَاتِ وَمَا فِى الأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِى الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرِ} [سبأ: 1]، وقال تعالى: {الْحَمْدُ للهِ فَاطِرِ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِى أَجْنَحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِى الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فاطر: 1]، وقال: {وَهُوَ اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِى الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: 70]، وقال: {هُوَ الْحَى لا إلَهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [غافر: 65]، وقال: {فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِى السّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: 17- 18].
أخبر عن حمد خلقه له بعد فصله بينهم والحكم لأهل طاعته بثوابه وكرامته والحكم لأهل معصيته بعقابه وإهانته {وَقُضِى بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيْلَ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الزمر: 75].
وأخبر عن حمد أهل الجنة له [وأنهم] لم يدخلوها إلا بحمده، كما أن أهل النار لم يدخلوها ًإلا بحمده، فقال أهل الجنة: {الْحَمْدُ للهِ الَّذِى هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِى لَوْلا أَنْ هَدَانَا الله} [الأعراف: 43]، و{دَعْواهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سلامٌ، وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَن الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس: 10]، وقال عن أهل النار: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ وَنَزَعْنَا مِن كُلّ أُمّةٍ شَهِيداً فَقُلْنَا هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوَاْ أَنّ الْحَقّ لِلّهِ وَضَلّ عَنْهُمْ مّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} [القصص: 74- 75]، وقال: {فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 11].
وشهدوا على أنفسهم بالكفر والظلم وعلموا أنهم كانوا كاذبين فى الدنيا مكذبين بآيات ربهم مشركين به جاحدين لإلهيته مفترين عليه، وهذا اعتراف منهم بعدله فيهم وأخذهم ببعض حقه عليهم وأنه غير ظالم لهم وأنهم إنما دخلوا النار بعدله وحمده وإنما عوقبوا بأفعالهم وبما كانوا قادرين على فعله وتركه، لا كما تقول الجبرية. وتفصيل هذه الحكمة مما لا سبيل للعقول البشرية إلى الإحاطة به ولا إلى التعبير عنه، ولكن بالجملة فكل صفة عليا واسم حسن وثناءٍ جميل وكل حمد ومدح وتسبيح وتنزيه وتقديس وجلال وإكرام فهو لله عز وجل على أكمل الوجوه وأتمها وأدومها، وجميع ما يوصف به ويذكر به ويخبر عنه فهو محامد له وثناءٌ وتسبيح وتقديس، فسبحانه وبحمده لا يحصى أحد من خلقه ثناءً عليه بل هو كما أثنى على نفسه وفوق ما يثنى عليه خلقه، فله الحمد أولاً وآخراً حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما ينبغى لكرم وجهه وعز جلاله ورفيع مجده وعلو جده.
فهذا تنبيه على أحد نوعى حمده، وهو حمد الصفات والأسماء. والنوع الثانى حمد النعم والآلاءِ، وهذا [مشهود] [للخليقة] برها وفاجرها مؤمنها وكافرها، من جزيل مواهبه وسعة عطاياه وكريم أياديه وجميل صنائعه وحسن معاملته لعباده وسعة رحمته لهم وبره ولطفه وحنانه وإجابته لدعوات المضطرين وكشف كربات المكروبين وإغاثة الملهوفين ورحمته للعالمين وابتدائه بالنعم قبل السؤال ومن غير استحقاق بل ابتداءً منه بمجرد فضله وكرمه وإحسانه ودفع المحن والبلايا بعد انعقاد أسبابها وصرفها بعد وقوعها.
ولطفه تعالى فى ذلك بإيصاله إلى من [أراده] بأحسن الألطاف، وتبليغه من ذلك إلى ما لا تبلغه الآمال، وهدايته خاصته وعباده إلى سبل دار السلام، ومدافعته عتهم أحسن الدفاع وحمايتهم عن مراتع الآثام، وحبب إليهم [الإيمان] وزينه فى قلوبهم وكرَّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان، وجعلهم من الراشدين وكتب فى قلوبهم الإيمان، وأيدهم بروح منه وسماهم المسلمين قبل أن يخلقهم، وذكرهم قبل أن يذكروه وأعطاهم قبل أن يسألوه وتحبب إليهم بنعمة مع [غناه] [عنهم] وتبغضهم إليه بالمعاصى وفقرهم إليه، ومع هذا كله فاتخذ لهم داراً وأعد لهم فيها من كل ما تشتيهه الأنفس وتلذ الأعين، وملأها من جميع الخيرات وأودعها من النعيم والحبرة والسرور [والبهجة] ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ثم أرسل إليهم الرسل يدعونهم إليها، ثم يسر لهم الأسباب التى توصلهم إليها وأعانهم عليها، ورضى منهم باليسير فى هذه المدة القصيرة جداً بالإضافة إلى بقاءِ دار النعيم، وضمن لهم إن أحسنوا أن يثيبهم بالحسنة عشراً وإن أساؤوا واستغفروه أن يغفر لهم، ووعدهم أن يمحو ما جنوه من السيئات بما يفعلونه بعدها من الحسنات، وذكرهم بآلائه وتعرف إليهم بأسمائه، وأمرهم بما أمرهم به رحمة منه بهم وإحساناً لا حاجة منه إليهم، ونهاهم عما نهاهم عنه حماية وصيانة لهم لا بخلاً منه عليهم وخاطبهم بألطف الخطاب وأحلاه ونصحهم بأحسن النصائح ووصاهم بأكمل الوصايا وأمرهم بأشرف الخصال ونهاهم عن أقبح الأقوال والأعمال.
فحقيقة نفس الإنسان جاهلة ظالمة فقيرة محتاجة، والشر الذى.وصرف لهم الآيات وضرب لهم الأمثال ووسع لهم طرق العلم به ومعرفته وفتح لهم أبواب الهداية وعرفهم الأسباب التى تدنيهم من رضاه وتبعدهم عن غضبه، ويخاطبهم بألطف الخطاب ويسميهم بأحسن أسمائهم كقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ}، {وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ} [النور: 31]، {يَا عِبَادِى الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الزمر: 53]، {قَل لِعِبَادِى} [ابراهيم: 31]، {وإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى} [البقرة: 186]، فيخاطبهم بخطاب الوداد والمحبة والتلطف كقوله: {يَأيّهَا النّاسُ اعْبُدُواْ رَبّكُمُ الّذِي خَلَقَكُمْ وَالّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِرَاشاً وَالسّمَاءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ السّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثّمَرَاتِ رِزْقاً لّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 21- 22]، {يَأَيّهَا النّاسُ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللّهِ يَرْزُقُكُمْ مّنَ السّمَآءِ وَالأرْضِ لاَ إِلَهَ إِلاّ هُوَ فَأَنّىَ تُؤْفَكُونَ} [فاطر: 3]، {يَأَيّهَا النّاسُ إِنّ وَعْدَ اللّهِ حَقّ فَلاَ تَغُرّنّكُمُ الْحَيَاةُ الدّنْيَا وَلاَ يَغُرّنّكُمْ بِاللّهِ الْغَرُورُ} [فاطر: 5]، {يَأَيهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيم الَّذِى خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعدَلَكَ} [الانفطار: 6- 7]، {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ حَقّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مّسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مّنَ النّارِ فَأَنقَذَكُمْ مّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 102- 103]، {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتّخِذُواْ بِطَانَةً مّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدّواْ مَا عَنِتّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيّنّا لَكُمُ الاَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران: 118] {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتّخِذُواْ عَدُوّي وَعَدُوّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُمْ مّنَ الْحَقّ يُخْرِجُونَ الرّسُولَ وَإِيّاكُمْ أَن تُؤْمِنُواْ بِاللّهِ رَبّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَآءَ مَرْضَاتِي تُسِرّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدّةِ وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلّ سَوَآءَ السّبِيلِ} [الممتحنة:1]،
{يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ للّهِ وَلِلرّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ وَاتّقُواْ فِتْنَةً لاّ تُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصّةً وَاعْلَمُوَاْ أَنّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَاذْكُرُوَاْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مّسْتَضْعَفُونَ فِي الأرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطّفَكُمُ النّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيّدَكُم بِ