الآثار الواردة عن الصحابة ومن بعدهم في فضيلة الصبر
الآثار الواردة عن الصحابة ومن بعدهم في فضيلة الصبر
قال الامام أحمد حدثنا وكيع عن مالك بن مغول عن السفر قال مرض أبو بكر رضى الله عنه فعادوه فقالوا ألا ندعو لك الطبيب فقال قد رآنى الطبيب قالوا فأى شئ قال لك قال انى فعال لما أريد
وقال الامام احمد حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن مجاهد قال قال عمر ابن الخطاب رضى الله عنه: "وجدنا خير عيشنا بالصبر" وقال أيضا أفضل عيش أدركناه بالصبر ولو أن الصبر كان من الرجال كان كريما
وقال على بن أبى طالب رضى الله عنه ألا ان الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد فإذا قطع الرأس بار الجسم ثم رفع صوته فقال ألا انه لا ايمان لمن لا صبر له وقال الصبر مطية لا تكبو
وقال الحسن الصبر كنز من كنوز الخير لا يعطيه الله إلا لعبد كريم عنده وقال عمر بن عبد العزيز ما أنعم الله على عبد نعمة فانتزعها منه فعاضه مكانها الصبر الا كان ما عوضه خيرا مما انتزعه وقال ميمون بن مهران ما بال أحد شيئا من ختم الخير فما دونه الا الصبر وقال سليمان بن القاسم كل عمل يعرف ثوابه الا الصبر قال الله تعالى {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} قال كالماء المنهمر
وكان بعض العارفين في جيبه رقعة يخرجها كل وقت ينظر فيها وفيها {واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا} وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه لو كان الصبر والشكر بعيرين لم أبال أيهما ركبت وكان محمد بن شبرمة إذا نزل به بلاء قال سحابة صيف ثم تنقشع وقال سفيان بن عيينة في قوله تعالى {وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا} لما أخذوا برأس الأمر جعلناهم رءوسا وقيل للأحنف بن قيس ما الحلم قال أن تصبر على ما تكره قليلا وقال وهب: "مكتوب في الحكمة قصر السفه النصب وقصر الحلم الراحة وقصر الصبر الظفر وقصر الشيء وقصاراه غايته وثمرته".
وقدم عروة بن الزبير على الوليد بن عبد الملك ومعه ابنه محمد وكان من أحسن الناس وجها فدخل يوما على الوليد في ثياب وشيء وله غديرتان وهو يضرب بيده فقال الوليد هكذا تكون فتيان قريش فعانه فخرج من عنده متوسنا فوقع في اصطبل الدواب فلم تزل الدواب تطأه بأرجلها حتى مات ثم ان الآكلة وقعت في رجل عروة فبعث اليه الوليد الأطباء فقالوا إن لم تقطعها سرت إلى باقى الجسد فتهلك فعزم على قطعها فنشروها بالمنشار فلما صار المنشار إلى القصبة وضع راسه على الوسادة ساعة فغشى عليه ثم أفاق والعرق يتحدر على وجهه وهو يهلل ويكبر فأخذها وجعل يقبلها في يده ثم قال أما والذى حملنى عليك انه ليعلم انى ما مشيت بك إلى حرام ولا إلى معصية ولا إلى ما لا يرضى الله ثم أمر بها فغسلت وطيبت وكفنت في قطيفة ثم بعث بها إلى مقابر المسلمين فلما قدم من عند الوليد المدينة تلقاه أهل بيته وأصدقاؤه يعزونه فجعل يقول {لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} ولم يزد عليه ثم قال لا أدخل المدينة انما أنا بها بين شامت بنكية أو حاسد لنعمة فمضى إلى قصر بالعقيق فأقام هنالك فلما دخل قصره قال له عيسى بن طلحة لا أبا لشانئيك أرني هذه المصيبة التي نعزيك فيها فكشف له عن ركبته فقال له عيسى أما والله ما كنا نعدك للصراع قد أبقى الله أكثرك عقلك ولسانك وبصرك ويداك وإحدى رجليك فقال له يا عيسى ما عزاني أحد بمثل ما عزيتني به ولما أرادوا قطع رجله قالوا له لو سقيناك شيئا كيلا تشعر بالوجع فقال إنما ابتلاني ليرى صبري أفأعارض أمره وسئل ابنه هشام كيف كان أبوك يصنع برجله التي قطعت إذا توضأ قال كان يمسح عليها
وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الصمد حدثنا سلام قال سمعت قتادة يقول قال لقمان وسأله رجل اى شئ خيرا قال صبر لا يتبعه أذى قال فأى الناس خيرا قال الذى يرضى بما أوتى قال فأى الناس أعلم قال الذى يأخذ من علم الناس إلى علمه قيل فما خير الكنز من المال أو من العلم قال سبحان الله بل المؤمن العالم الذى ان ابتغى عنده خيرا وجد وان لم يكن عنده كف نفسه وبحسب المؤمن أن يكف نفسه وقال حسان بن أبى جبلة من بث فلم يصبر ورواه ابن أبى الدنيا مرفوعا إلى النبي وان صح فمعناه إلى المخلوق لا من بث إلى الله وقال حسان ابن أبى جبلة أيضا في قوله تعالى {فصبر جميل} قال لا شكوى فيه ورفعه ابن أبى الدنيا أيضا
وقال مجاهد فصبر جميل في غير جزع وقال عمرو بن قيس فصبر جميل قال الرضا بالمصيبة والتسليم وقال بعض السلف فصبر جميل لا شكوى فيه وقال همام عن قتادة في قوله تعالى {وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم} قال كظم على حزن فلم يقل إلا خيرا وقال يحيى بن المختار عن الحسن الكظيم الصبور وقال همام عن قتادة في قوله تعالى {وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم} أى كميد أى كمد الحزن وقال الحسن ما جرعتين أحب إلى الله من جرعة مصيبة موجعة محزنة ردها صاحبها بحسن عزاء وصبر وجرعة غيظ ردها بحلم
وقال عبد الله بن المبارك أخبرنا عبد الله بن لهيعة عن عطاء بن دينار أن سعيد ابن جبير قال: "الصبر اعتراف العبد لله بما اصابه منه واحتسابه عند الله ورجاء ثوابه وقد يجزع الرجل وهو يتجلد لا يرى منه الا الصبر" فقوله اعتراف العبد لله بما اصاب منه كأنه تفسير لقوله {انا لله} فيعترف أنه ملك لله يتصرف فيه مالكه بما يريد وقوله راجيا به ما عند الله كأنه تفسير لقوله {وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} أى ترد اليه فيجزينا على صبرنا ولا يضيع أجر المصيبة وقوله وقد يجزع الرجل وهو يتجلد أى ليس الصبر بالتجلد وانما هو حبس القلب عن التسخط على المقدور ورد اللسان عن الشكوى فمن تجلد وقلبه ساخط على القدر فليس بصابر
وقال يونس بن يزيد سألت ربيعة بن أبى عبد الرحمن ما منتهى الصبر قال أن يكون يوم تصيبه المصيبة مثله قبل أن تصيبه وقال قيس بن الحجاج في قول الله {فاصبر صبرا جميلا} قال أن يكون صاحب المصيبة في القوم لا يعرف من هو وكان شمر اذا عزى مصابا قال اصبر لما حكم ربك وقال أبو عقيل رأيت سالم بن عبدالله بن عمر بيده سوط وعليه ازار في موت واقد بن عبدالله بن عمر لا يسمع صارخة الا ضربها بالسوط.
قال ابن أبى الدنيا حدثنى محمد بن جعفر بن مهران قال قالت امرأة من قريش:
أما والذى لا خلد الا لوجهه ومن ليس في العز المنيع له كفو
لئن كان بدء الصبر مرا مذاقه لقد يجنى من غبه الثمر الحلو
قال وأنشدنى عمرو بن بكير:
صبرت فكان الصبر خير مغبة وهل جزع يجدى على فأجزع
ملكت دموع العين حتى رددتها إلى ناظرى فالعين في القلب تدمع
قال وأنشدنى أحمد بن موسى الثقفي
نبئت خولة أمس قد جزعت من أن تنوب نوائب الدهر
لا تجزعى يا خول واصبرى ان الكرام بنوا على الصبر
قال وحدثنى عبد الله بن محمد بن اسماعيل التيمى أن رجلا عزى رجلا في ابنه فقال انما يستوجب على الله وعده من صبر له بحقه فلا تجمع إلى ما أصبت به من المصيبة الفجيعة بالأجر فإنها أعظم المصيبتين عليك وأنكى الرزيتين لك والسلام وعزى ابن أبى السماك رجلا فقال عليك بالصبر فيه يعمل من احتسب واليه يصير من جزع وقال عمر بن عبد العزيز أما الرضاء فمنزلة عزيزة أو منيعة ولكن جعل الله في الصبر معولا حسنا ولما مات عبد الملك ابنه صلى عليه ثم قال رحمك الله لقد كنت لى وزيرا وكنت لى معينا قال والناس يبكون وما يقطر من عينيه قطرة وأصيب مطرف بن عبد الله في ابن له فأتاه قوم يعزونه فخرج اليهم أحسن ما كان بشرا ثم قال انى لأستحى من الله أن أتضعضع لمصيبة وقال عمرو بن دينار قال عبيد بن عمير ليس الجزع أن تدمع العين ويحزن القلب ولكن الجزع القول السيء والظن السيء
وقال ابن أبى الدنيا حدثنى الحسين بن عبد العزيز الحروزى قد مات ابن لى نفيس فقلت لأمه اتق الله واحتسبيه واصبرى فقالت مصيبتى أعظم من أن افسدها بالجزع قال ابن أبى الدنيا وأخبرنى عمر بن بكير عن شيخ من قريش قال مات الحسن بن الحصين أبو عبيد الله بن الحسن وعبيد الله يومئذ قاض على البصرة وأميرا فكثر من يعزيه فتذاكروا ما يتبين به جزع الرجل من صبره فأجمعوا أنه اذا ترك شيئا مما كان يصنعه فقد جزع
وقال خالد بن أبى عثمان القرشى كان سعيد بن جبير يعزينى في ابنى فرآنى أطوف بالبيت متقنعا فكشف القناع عن رأسى وقال الاستكانة من الجزع