الإنفجار الكبير
عندما نستعرض نظرية الأنفجار الكبير التي تشرح نشأة الكون، قد يسأل سائل:" منذ متى تشكل الانفجارات أنظمة دقيقة متوازنة، وأشكال حياة معقدة؟" إلا أن هذا ما يفترض بعض الناس أنه حدث للكون والانفجار الكبير! قد يرد أحدهم أن هذا هو طرح مبسط جداً ليكون تفسيراً لهذا الكون المعقد، لكن العلم يعتقد أن القوانين التي تنظم الكون منضبطة بشكل لا يسمح للحياة أن توجد من غير هذه الدرجة من الضبط الدقيق.
يمكن أن يلاحظ ذلك فيما يسمى بالثوابت الطبيعية، التي يوجد العديد منها، لكن فلنركز على أربعة من أكثر القوى المعروفة:
القوة النووية القوية،
والقوة النووية الضعيفة،
والقوة النووية الكهرومغناطيسية والجاذبية.
اثنتان منهما وهما القوة الكهرومغناطيسية القوية والضعيفة، مسؤولتان عن إنتاج الكربون، العنصر الذي تبنى عليه أشكال الحياة التي نعرفها، فالقوى تتعاون بشكل ما، لخلق توازن لمستويات الطاقة، مما يسمح بإنتاج الكربون عن طريق دمج ثلاث ذرات هيليوم.
إنه من غير المرجح اصطدام ثلاث ذرات هيليوم في ظل الظروف العادية فالطاقات لا تتوازن، وذرات الهيليوم الثلاث سوف تتباعد قبل أن يكون هناك وقت كافي لتتحد مٌشكلةً الكربون، لكن إن كان هناك توازن غير عادي إحصائيا للطاقات، ستكون العملية أسرع. إن أدنى تغيير في القوانيين الكهرومغناطيسية القوية أو الضعيفة سيغير مستويات الطاقة، مما يؤدي إلى الانخفاض الشديد في إنتاج الكربون، وبالتالى كون غير صالح للسكن في نهاية الأمر.
ولو أخذنا بالاعتبار قوة الجاذبية، بعد الانفجار الكبير قبل بلايين السنين، كانت المادة موزعة عشوائياً في الكون، لم يكن هناك كواكب ولا مجرات ولا نجوم، فقط ذرات تطوف في الفراغ المظلم من الفضاء، وعندما بدأ الكون بالتوسع جذبت الجاذبية الذرات بلطف، لتشكل منها المجموعات التي كوَّنت النجوم والمجرات في نهاية الأمر. المهم أن قوة الجاذبية كان عليها أن تكون بمقدار صحيح، فلو كانت أضعف لكانت الذرات موزعة بشكل أوسع لا يسمح أبداً بتكون المجرات والنجوم والكواكب، ولو أنها كانت أقوى لكانت الذرات ستجتمع مع بعضها مكونة كتلة واحدة كبيرة، ليتحول الانفجار الكبير إلى الانسحاق الكبير، فقد كان على الجاذبية أن تكون على ضبط دقيق لتتشكل النجوم، فما هو هذا الضبط الدقيق؟ تصور أن وزنك كان أكثر أو أقل بجزء من البليون من الجرام، هذا هو الشكل من التغيير في الكون الذي نتحدث عنه، والذي كان كافياً ألا يسمح بتشكيل المجرات والكواكب والنجوم والحياة. على الرغم من أن خسارة بضعة كيلوا جرامات من وزنك يبدو أمراً سهلاً! أليس كذلك؟ إلا أنه من الغريب كيف أن بعض البشر الأذكياء المتعلمين لا يستطيعون أن يخسروا بعض الوزن ليحسنوا صحتهم، ولكن الكون العشوائي غير المتعلم قادر أن ينظم نفسه بظروف مثالية للعيش فقط عبر المصادفة!...
ليس هذا فحسب، فلنلق نظرة فاحصة على معدل توسع الكون بعد الانفجار الكبير، فلو كان معدل التوسع أكبر، وقد اتسع بشكل أسرع، لأصبحت المادة في الكون منتشرة جدا بحيث لن تستطيع الجاذبية أبداً أن تجمعها لتكون المجرات والكواكب، ولو كان معدل التوسع أبطأ لتغلبت الجاذبية لتجمع المادة في ثقب أسود، ولو أن معدل التوسع بعد الانفجار بثانية واحدة كان أبطأ بجزء واحد من مئة ألف مليون، لانهار الكون على نفسه قبل أن يصل إلى حجمه الحالي. في الواقع إن معدل التوسع كان وفق ضبط دقيق، ليسمح بوجود النجوم في الكون.
مثال آخر على هذا الضبط الدقيق هو كثافة المادة في الكون، فلأجل أن ينمو بطريقة تحافظ على الحياة، كان على الكون أن يحافظ على دقة عالية من الكثافة العامة، دقة هذه الكثافة كانت عالية، بشكل لو أن تغييراً بجزء من 10^15 أي( 0.0000000000001%) كان كافياً لنتج انهياراً مبكراً جداً لا يسمح للحياة بالتشكل، أو كان لينتج عنه توسع سريع لا يسمح بتشكيل المجرات ولا النجوم ولا الحياة.
هل تذكر الهاتف المحمول الذي وجدناه في الصحراء؟
أليس منطقياً أكثر استنتاج أن الكون والحياة نتيجة تصميم ذكي مقصود؟
ما هي الخيارات المتاحة أصلا؟
هل يمكن حقاً أن الكون قد يأتي من لا شئ؟ وإن كان هذا هو الحال، فلماذا لا نطبق المنطق نفسه على كل شئ آخر في الحياة؟ ولربما أن الرجل ذو السروال الأحمر القصير قد ظهر بشكل عفوي صدفة!
هل كان قادراً على صنع نفسه؟ فنحن لا نعزو لمجموعة النجوم والمجرات والتى نسميها الكون القدرة على التصميم والتنظيم، لأن ذلك بالتأكيد يحتاج إلى الذكاء والإرداة .
فإن كان المنطق السليم والعقل يشيران قطعا إلى وجود تصميم ذكي مسبوق بإرادة، فما هي الاستنتاجات الأخرى التى يمكن أن نصل إليها عبر هذا المنطق؟
أحد هذه الاستنتاجات التي يمكن أن نصل إليها، أن طبيعة مصدر هذا الذكاء والإرادة يجب أن تختلف عن طبيعة الكون الذي صنعه؟
لماذا؟ لأنهما إن كانا متشابهين، فكل ما سنحصل عليه هو المزيد من التشابه، أى المزيد من المصنوع، وعندها يمكن لسائل أن يسأل: ما الذي صنع هذا الصانع؟ طبعاً هو شئ أكثر قوة وإرادة وذكاء، ثم بالطبع سنسأل السؤال نفسه عن الصانع: ما الذي صنع ذلك؟ وسنبقى على هذا الحال إلى الأبد، نبحث عن الإرادة والذكاء الكائنين وراء ذينك الإرادة والذكاء، صانع يصنع صانعاً يصنع صانعاً إلى ما لا نهاية! وهناك سبب وجيه يوضح لم لا يمكن للأمور أن تكون بهذه الطريقة، سنشرحه في المثال التالي.
تصور لو أن قناصاً حدد هدفه وراسل مركز القيادة ليحصل على إذن بإطلاق النار، لكن مركز القيادة أخبر القناص أن ينتظر ليحصلوا على الإذن من مركز أعلى، والمركز الأعلى يحصل على الموافقة من الذي يعلوه وهلم جرا…
إذا بقى الأمر على هذا المنوال فهل سيطلق القناص النار على الهدف؟
بالطبع لا!
سيبقى ينتظر طالما من فوقه ينتظر أن يأتيه الأمر ممن هو أعلى منه، وهكذا يجب أن يكون هناك مكان أو شخص تصدر منه الأوامر، مكان لا يوجد من هو أعلى منه.
إذن فمثالنا يوضح لماذا كان هناك خطأ منطقياً في فكرة أن هناك من خلق الخالق، إلى ما لا نهاية. لا نستطيع أن نحصل على خالقين يخلقون الخالقين إلى مالا نهاية، وإلا فكما أن القناص لن يطلق النار أبداً، فإن الخلق لن يُخلق أبداً، ولكن الخلق هنا، إنه موجود، لذا فإنه بإمكاننا استبعاد فكرة انحسار الأسباب اللانهائي على أنها طرح غير منطقي.
فما هو البديل إذن؟
البديل هو سبب أول، سبب لا مسبب له!
نستطيع أن نستنتج أن طبيعة القوة الذكية ذات الإرادة ما وراء الكون، والحياة وكل شئ، يجب أن يكون لها طبيعة مختلفة عن الخلق، وكما رأينا: هناك أسباب تضطرنا إلى هذا الاعتقاد.
فإذا كان المصنوع بطبيعته ذا حاجة، فإن الصانع يجب أن يكون غير محتاج إلى أحد.
وإذا كان المصنوع مؤقتاً، فالصانع يجب أن يكون أبدياً.
وإذا كان المصنوع محدوداً بالزمان والمكان، فالصانع يجب أن يكون غير محدود بالزمان والمكان.
وإذا كان المصنوع اعتيادياً فالصانع يجب أن يكون فريداً.
ويتبع هذا منطقياً أنه يمكن لصانع واحد أن يكون فريداً أبدياً، غير ذي حاجة، غير محصور بزمان أو مكان، لأنه إن كان هنالك أكثر من واحد فلإن هذه الصفات لا يمكن أن تنطبق، كيف يكون هناك كائنان أبديان أو ثلاثة، أو كائنان غير محدودين بالزمان والمكان؟
ولهذا فإنه من المنطق السليم الاعتقاد بخالق واحد أبدي صمد.
العقل والمنطق السليم يقودان بشكل أسهل أو حتمي إلى نتيجة أن الكون مخلوق بخالق منزه عن الكون، لا يشبه أى شئ.
ولهذا يصعب أن نفهم أى شئ عن هذا الخالق بواسطة العقل، ولهذا يتوقف البعض من الناس عند هذا الحد.
ولكن رحلتنا لا تنتهى هنا، بل هنا تبدأ، وما زال لدينا الكثير من الأسئلة العالقة بلا جواب، والكثير من المشكلات غير المحلولة.