الاستغفار و أفضاله في حياة المسلم


أم محمد عياطي

الاستغفار في اللغة: طلبُ المغفرة بالمقال والفِعال.


وعند الفقهاء: سؤالُ المغفرة كذلك، والمغفرة في الأصل: الستر، ويُراد بها التجاوزُ عن الذنب، وعدمُ المؤاخذة به، وأضاف بعضهم: إما بترك التوبيخ والعقاب رأسًا، أو بعد التقرير به فيما بين العبد وربِّه؛ قال ابن القيم: "وأما الاستغفارُ، فهو نوعان: مفرد، ومقرون بالتوبة، فالمفرد؛ كقول نوح عليه السلام لقومه: ﴿ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ﴾ [نوح: 10، 11]، وقول صالح لقومه: ﴿ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [النمل: 46]، وكقوله تعالى: ﴿ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 199].



وقوله: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الأنفال: 33].



والمقرون؛ كقوله تعالى: ﴿ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ﴾ [هود: 3]، وقول هود لقومه: ﴿ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ﴾ [هود: 52]، وقول صالح لقومه: ﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ ﴾ [هود: 61]، وقول شُعيب: ﴿ وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ ﴾ [هود: 90].



آداب الاستغفار:


• ومن آداب الاستغفار: طهارةُ المكان والبدن والثياب؛ عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: سمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما مِن عبدٍ يُذنب ذنبًا، فيُحسن الطهور، ثم يقوم فيُصلِّي ركعتين، ثم يَستغفر الله - إلا غفَر الله له، ثم قرأ هذه الآية: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 135]))؛ صحَّحه الألباني في صحيح سنن أبي داود.



• الاستغفار بالأدعية المذكورة في القرآن الكريم، والمأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ففي ذلك ثوابُ الذِّكر بكلام الله سبحانه وتعالى، وثواب اتِّباع سُنة النبي صلى الله عليه وسلم.



• اختيار الأوقات الفاضلة والمباركة لإجابة الدعاء؛ كوقت السجود، ووقت الأسحار؛ ﴿ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الذاريات: 18].



صِيغ الاستغفار:


• مِن صِيغ الاستغفار في القرآن الكريم:


﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ﴾ [إبراهيم: 41].


﴿ وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [المؤمنون: 118].


﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ ﴾ [آل عمران: 193].


﴿ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 23].



• من صِيغ الاستغفار المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم:


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سيدُ الاستغفار أن تقول: اللهم أنتَ ربي، لا إله إلا أنت، خلَقتني وأنا عبدُك، وأنا على عهدِك ووعدِك ما استطعتُ، أعوذُ بك مِن شرِّ ما صنَعت، أبوءُ لك بنعمتك عليَّ، وأَبوء بذنبي؛ فاغفِر لي فإنه لا يغفِر الذنوبَ إلا أنت)) قال: ((مَن قالها من النهار موقنًا بها، فمات مِن يومه قبل أن يُمسي، فهو مِن أهل الجنة، ومَن قالها مِن الليل وهو مُوقنٌ بها، فمات قبل أن يُصبحَ، فهو من أهل الجنة))؛ صحيح البخاري.



وفي الصحيحين عن أبي موسى أنه عليه الصلاة والسلام كان يقول: ((اللهم اغفِر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلمُ به مني، اللهم اغفِر لي هَزلي وجِدِّي، وخطاياي وعَمْدي، وكلُّ ذلك عندي، اللهم اغفِر لي ما قدَّمتُ وما أخَّرتُ، وما أسرَرتُ وما أعلَنتُ، وما أنت أعلمُ به مني، أنت المقدِّم وأنت المؤخِّر، وأنت على كلِّ شيءٍ قديرٌ)).



وعن أبي بكر الصديق أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: علِّمني دعاءً أدعو به في صلاتي، قال: ((قل: اللهم إني ظلمتُ نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفِر الذنوبَ إلا أنت، فاغفِر لي مغفرةً مِن عندك، وارحَمني؛ إنك أنت الغفور الرحيم))؛ متفق عليه.



وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: ((اللهم إني أعوذُ بك مِن شرِّ ما عمِلتُ، ومِن شرِّ ما لم أعمَل))؛ رواه مسلم.



أفضال الاستغفار:


للاستغفار أفضالٌ كثيرة تُعد ولا تُحصى؛ منها:


المغفرة:


يغفِر الله سبحانه لمن استغفَره؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 110].



يَجلِبُ الرزقَ والخير والبركةَ:


يقول الله تعالى: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا * مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا ﴾ [نوح: 10 - 14].



من موجبات رحمة الله بعباده:


قال تعالى: ﴿ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [النمل: 46].



تفريج الكروب:


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن لَزِمَ الاستغفارَ، جعَل الله له مِن كلِّ هَمٍّ فرَجًا، ومِن كلِّ ضِيقٍ مَخرجًا، ورزَقه مِن حيث لا يَحتسب))؛ رواه أبو داود، وغيره.



السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ الاستغفار و أفضاله في حياة المسلم

  • التسبيح و الاستغفار

    عبد العزيز الطريفي

    أكثر الأذكار التي كان النبي ﷺ يقولها كل يوم ( التسبيح ) و ( الاستغفار ) ؛ لأنّ التسبيح تعظيم لله ، و ⁧‫الاستغفار‬⁩

    09/06/2019 2142
  • ​حقيقة الاستغفار

    إسلام ويب

    الاستغفار استفعال.. وهو طلب الغفران من الله باللسان مع التوبة بالقلب، إذ الاستغفار باللسان دون التوبة بالقلب غير

    17/10/2021 952
  • أكثروا من الاستغفار

    الشيخ صالح العُصيمي

    أكثروا من الاستغفار؛ فإنَّه حجابٌ من النَّار، به ينجو العبد من لظاها، ويتباعد عن سناها، رُبَّ استغفارةٍ أُجيب

    14/11/2023 191
معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day