الانتحار
الحياة متعبه صح؟ مليئة بالتجارب المؤلمة صح؟ الدنيا سجن .. وصخرة مؤلمة تتحطم عليها الآمال إنها أسئلة تدور في ذهن كل مضطرب ذهني وكل مريض نفسي، حين يفقد الحلول ولا يجد ما يخرج به من مآزقه ولكن ما الحل؟
"هل الحل في التشاؤم؟ هل الحل في الاستسلام؟ هل الحل في شائعة العصر ومظنة نجاة الفرد "الانتحار".
قد أتصوَّر أن نسمع عن أرقامٍ هائلةٍ في مجتمعات الكفار والملحدين فاقدي الإيمان لكن أن ينتقل هذا إلى بلاد المسلمين فنسمع عن من يُنهون حياتهم بأيديهم، إمَّا شنقاً أو حرقاً، أو قتلاً بطلقة نارية، أو سكين يُقَطِّع بها جسده ورقبته، فهذا هو العجب كل العجب.
إنها وقفات نقفها لنجد لماذا يلجأ الناس للانتحار ؟ مع أن رسول الله يقول
"من قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة"
فهو عذاب أشد وأنكى.
ولماذا مع خطورته وعاقبته الكؤود "النار" كما قال رسول الله
" مَن تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومَن تحسَّى سمّاً فقتل نفسه فسمُّه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومَن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها [أي يطعن] في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً"
فهو من الكبائر بل من أشد الكبائر ومع ذلك يستسهله الناس واشتهر وكثر في هذا الأيام؟
لذا سنقف هذه الوقفات نذكر أنفسنا وإخواننا بالله ونضع حجرا في جدار الأمل والثقة بالله وحسن الظن إذ لا يمكن لمسلم أن ييأس من رحمة الله، لأنه لا ييأس من روح الله إلا الكافرون، ولا يتمكن القنوط من قلب المؤمن لأنه لا يقنط من رحمة الله إلا الضالون.
فمن تسرب اليأس إلى قلبه ومن توصل القنوط إلى إيمانه فيخاف حتى لا يقع في الردى ويودي نفسه المهالك.
تعريفه
الانتحار محاولة فاشلة أو ناجحة لإنهاء الإنسان حياته بصور مختلفة لاعتراضه على قضاء الله وسخطه على قدره، بصور مختلفة معتقدا أنه بفعله سيكون أحسن وستتحسن الأمور بهذا.
أسبابه
الضعف الإيماني: والجزع وعدم الصبر، والاستسلام لليأس والقنوط، وما يؤدي إلى ذلك من الهواجس والأفكار والوساوس1-.
2- مشاكل نفسية: تشير الإحصائيات أن 90% تقريباً من الذين يحاولون الإنتحار يعانون من مشكلة نفسية أو أكثر، كالاكتئاب والهوس الاكتئابي والانفصام والوحدة والعزلة واضطراب الشخصية...الخ
3- مشاكل اجتماعية: فالمشاكل الاجتماعية تساعد على عدم الاستقرار كالصراعات الأسرية المتكررة أو الشديدة بين أفراد الأسرة وبالأخص الوالدين وانفصالهما أو الاحتقار أو الاضطهاد والاحتقار الدائمين والاتهام بالفشل ...الخ.
4-المشاكل الاقتصادية: كالفقر، والبطالة، وعدم الحصول على وظيفة على الرغم من الشهادات والمؤهلات، أو العمل بمرتبات ضئيلة لا تكفي لدخل الأسرة ...الخ
5-الانفتاح الغير منضبط: على الغرب ومعدومي التدين من الكفرة والملاحدة الذي نقلته وسائل التواصل لبلادنا الإسلامية من خلال الانترنت والتلفزيون والإذاعات و.... و.... الخ وعرضه بصورة بطولية أو مضحية لغيرها مما دعا إلى تقليدهم وحب أفعالهم، والتأثر بهم في كل شأنٍ من شؤونهم، وهو أمرٌ غيرُ محمودٍ، بل ويؤدي لعواقب وخيمة
وغير هذا كثير مما يشترك مع ما سبق في التعرض للقسوة ويؤدي للخلل النفسي والاضطراب الداخلي وفقدان الثقة بالله وبالآخرين.
العلاج
1- التوحيد: فمن عرف ربه من خلال أسمائه وصفاته وتعبده من خلال أوامره ونواهيه فيعرفه ويتوكل عليه، فيعلم أن الله سيكفيه ويعطيه فالملك كله بيده وتحت مشيئته فيؤمن بقضاء الله وقدره وأن الخير كله بيد الله، فَيَطمَئِنُّ قَلبُهُ وَيَرتَاحُ بَالُهُ، فالتوحيد هو النور والأرض الخصبة التي تورق الأمن والأمان بالله " :
"ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما "
وقال أيضا
"ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا "
ذلك لأن التوحيد أنما يعنى التوكل عليه والثقة به وأنه وحده الذي يعلم أين يوجد الخير أو الشر
"وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم"
أو العكس :
"ومن يتوكل على الله فهو حسبه"
اي كافيه جميع ما يهمه ويحزبه من أمر دينه ودنياه وأن يعبر على ما أصابه من ضرر
" اصبروا إن الله مع الصابرين"
وكذلك حديث الرسول الصحيح أنه قال :
"عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير إن أصابته سراء شكر فكان له خير وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا وليس ذلك لأحد إلا المؤمن"
2- فقد الدين والبعد عنه: لذا فإن الدين -ولا شيء إلا الدين –هو فقط الطريقة التي بها ينسجم الإنسان مع كل ما في الحياة من مشاكل وأحوال، الدراساتِ الميدانيةَ والتي أُجريت على المتدينين وخاصة في البيئات الغربية التي تكثر فيها الأمراض النفسية والاضطرابات تثبت أن المتدينين لا تتطرق إلى أذهانهم مطلقًا فكرة الانتحار فهم أقل الناس إصابة بالأمراض النفسية، والعضوية التي تكمن وراءها عوامل نفسية.
والمتأمل لمنهج الدين في علاج هذه الظاهرة يحمد الله على نعمة التدين حيث أن الدين اتبع المنهج الأمثل والأقوم في التعامل مع الأزمات فالدين :
- لا يمنع الإنسان من العمل ومُعاركة الحياة، وأن يعمل لدنياه كأنما يعيش أبدًا، وفي نفس الوقت يعمل لآخرته كأنه يموت غدًا. ولا شك أن هذا التوازن يوجِد لدى الفرد حالة نفسية سوية نقية، تحميه من الوقوع أسفل عجلات الحياة اللاهثة.
- يتعامل مع ما يصيب الإنسان من مشاكل وما يتعرض له من متاعب بطريقة تريح أي عقل وتطمئن أي قلب من خلال الثواب المذكور في ثواب التعرض للابتلاءات، فتجعل الإنسان لا يصل إلى مجرد مرحلة التوتر فضلا عن الوصول الى الانتحار، فيتعامل المؤمن مع كل مشاكله أحسن تعامل، فيعالجها أو فيصبر إذا لم يجد حلا لها، فيصير البلاء خيراً له، ومكفراً لذنوبه، حتى لعله يلقى الله تعالى وليس عليه خطيئة، فقد قال صلى الله عليه وسلم :
(مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ)
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(مَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ)
بل ويتمنى ان لو زاد عليه البلاء قال صلى الله عليه وسلم : « يودّ أهل العافية يوم القيامة حين يُعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم .كانت قُرضت في الدنيا بالمقاريض
التحذير والترهيب من خطورة قتل النفس بأي صورة كانت، يقول تعالى:
{وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً}
فنهى الله تعالى عن القيام بهذه الجريمة؛ مرغباً في رحمته ليتعلق بها الإنسان المضطرب نفسياً والمعرَّضُ للآلام أنَّ الله رحيم مهما بلغ بك الذنب.. أنَّ الله رحيم مهما ضاقت بك الدنيا.. أنَّ الله رحيم مهما قابلك من عقبات في طريق حياتك، فإنْ لم يرغبْ مسلمٌ في رحمة الله –هذه- فقد أتاه الوعيد من عند الله القادر وهو يقول -موضحاً جزاء من يصنع ذلك-:
{وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً}
ومِنْ هُنا نلحظ لماذا عدد المنتحرين من المسلمين قليل بالنسبة لعدد الغربيين والكافرين؟ وذلك لخوفِ كثيرٍ من .المسلمين من الوقوع في الحرمة والنهي الوارد في القرآن، وخوفاً من الله ووعيده
- وفي السنة النبوية ما يوضح ويفسر هذا العذاب ليكون أبلغ في الترهيب وأشد في التخويف ومنها قول النبي
"من قتَل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومَن شَرِب سُمًّا، فقتل نفسه، فهو يتحساه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن تردَّى من جبل، فقتل نفسه، فهو يتردى في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا"
- يعطيه أخطر الأسلحة التي فقدها غيره من خلال أدعية معينة لتفريج الكروب وتعليمه صدق اللجوء إلى الله؛ فالإنسان ضعيف بذاته.. قوي بربه، والدعاء واللجوء إلى ربنا سبحانه وسيلة شرعيَّة قوية الأثر والمفعول، وهي سلاحٌ للخروج من الهموم والآلام، ويكفي في ذلك قول الله تعالى:
{وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}
فربُّك وعدك بأنْ يستجيب لك إذا دعوته، فلا تتباطأ، وانتبه؛ فإنَّ الله جلَّ شأنه جعل الدعاء عبادة، والمُعْرِضْ عنه مُعْرِضٌ عن عبودية ربه، ورسولنا صلى الله عليه وسلم جعل لنا منهجاً وقائياً وعلاجياً مع الدعاء، فهناك دعاء وقائي نتَّقي به شرَّ الأزمات والهموم، كمثل قول المصطفى -صلى الله عليه وسلم-:
"اللهمَّ إني أعوذ بك من الهمِّ والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال"
، وإنْ وقع بالإنسان همٌّ أو مشكلة أو مصيبة؛ فهنا دعوات كثيرة، كمثل: «دعوة يونس عليه السلام: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين»، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ من قالها؛ نجَّاه الله مما هو فيه، وصرف عنه همَّه وغمَّه.
3- حملات التوعية الدينية والمجتمعية وزيادة الجرعات الدينية اللازمة لأفراد وفئات المجتمع، عن طريق مختلف الوسائل الإعلامية والتعليمية، لبيان خطر هذه الجريمة وبشاعتها، وما يترتب عليها من نتائج مؤسفة وعواقب وخيمة؛ سواءً على الفرد، أو المجتمع.
4- عمل برامج تأهيلية علاجية لمن تظهر عليهم اعراض هذا المرض حيث تتشارك فيها الأسرة والمدرسة مع المعالِج النفسي، للنهوض بشخصية المصاب والتركيز على الجوانب الإيجابية لديه، ومساعدته على القيام بدوره في المجتمع، ومتابعته وتحسين ما يمكن تحسينه في محيطه الاجتماعي كتقليل الصراعات الأُسرية.
5- إحياء الروح المعنوية عن طريق بث الأمل في النفوس: لقد حرَّم الله تعالى اليأس المؤدي إلى الانتحار، وندَّد باليائسين واعتبره قرين الكفر، فقال تعالى:
﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾
وندَّد بالقنوط واعتبره قرين الضلال، فقال تعالى:
"قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ"
أما قبل:-
فلابد من الانتباه وخاصة عند ظهور أعراضه كالعزلة والاكتئاب والتغيرات المفاجئة في السلوك؛ مثل: التغير في نمط النوم، أو نمط الطعام، والإهمال في الدراسة أو العمل، وإهمال الشخص لعلاقاته الاجتماعية ولمظهره الخارجي، سواء لك أو لغيرك فيجب التحذير منه والتنبيه على خطره لأنه من أكبر الكبائر بل ومن الممكن ان يؤدي للكفر والعياذ بالله، ويجب على المسلم أن ينتبه ففيه تسخُّط على قضاء الله وقدره، وعدم الرضا بذلك، وعدم الصبر على تحمُّل الأذى، وأشد من ذلك وأخطر، وهو التعدي على حق الله تعالى، فالنفس ليست ملكًا لصاحبها، وإنما ملك لله الذي خلقها وهيَّأها لعبادته سبحانه، وحرَّم إزهاقها بغير حقٍّ، فليس لك أدنى تصرُّف فيها، وكذلك في الانتحار ضَعف إيمان المنتحر؛ لعدم تسليم المنتحر أمرَه لله وشكواه إلى الله.
وما كان الانتحار أبدا علاجًا ولن يكون، فالانتحار حرام بكل صوره وأشكاله، وليس دواءً يوصَف للمُعضلات والمُشكلات، بل داءً يسبِّب الانتكاسة والحرمان من الجنة، ويجلب سخط الرب تبارك وتعالى؛ قال صلى الله عليه وسلم:
"تَداوَوْا، ولا تَداوَوْا بحرام"
وقال عليه الصلاة والسلام:
"ما جعل الله شفاءكم فيما حَرَّم عليكم"