الانشغال عن الصلاة
مِنَ القُرآنِ الكرِيم:
1) ]فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ[ ([1]).
فَوَيْلٌ : عذاب أو هلاك أو واد في جهنم.
لِلْمُصَلِّينَ : نفاقاً ورياء.
سَاهُونَ : غافلون غير مبالين بها.
المعنى: (فَوَيْلٌ) فعذاب شديد (لِلْمُصَلِّينَ) نفاقاً ورياء (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) لاهون، لا يقيمونها على وجهها، ولا يؤدونها في وقتها.
* * *
2) ]وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ[ ([2]).
المعنى: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ) وسبب عدم قبول نفقاتهم أنهم أضمروا الكفر بالله U وتكذيب رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ،. (وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى) متثاقلون. (وَلا يُنْفِقُونَ) الأموال (إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ). فهم لا يرجون ثواب هذه الفرائض، ولا يخشون على تركها عقاباً بسبب كفرهم.
* * *
مِنْ سُنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم :
1) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الَّذِي تَفُوتُهُ صَلاةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ ([3]).
وُتِرَ أَهْلَهُ : فقد أهله وماله.
المعنى : روى هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمر - رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا - وهو : عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشى العدوى ، أبو عبد الرحمن المكي المدني ، أسلم قَديماً مع أبيه و هو صغير لم يبلغ الحلم ، و هاجر معه ، و شهد الخندق و ما بعدها من المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و هو شقيق حفصة أم المؤمنين ، مات سنة ثلاث وسبعين (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الَّذِي تَفُوتُهُ صَلاةُ الْعَصْرِ) أَيْ: بغروب الشمس ، وقيل بفوات الوقت المختار ومجيء وقت الإصفرار ، وقيل بفوت الجماعة والإمام ، وخص العصر لاجتماع ملائكة الليل والنهار فيها ، أو لأن العصر لا عذر لأحد في تفويتها ، والله تعالى يخص ما شاء بما شاء من الفضيلة (كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ) روي بنصب اللامين ورفعهما , والنصب هو الصحيح المشهور الذي عليه الجمهور على أنه مفعول ثان , ومن رفع فعلى ما لم يسم فاعله . ومعناه : انتزع منه أهله وماله . وأما على رواية النصب : معناه نقص هو أهله وماله وسلبه , فبقي بلا أهل ولا مال , والمراد أنه حصل له من النقصان في الآجر في الآخرة ما لو وزن بنقص الدنيا لما وازنه إلا نقصان من نقص أهله وماله . والله أعلم .
وفي هذا الحديث :
إشارة إلى تحقير الدنيا وأن قليل العمل خير من كثير منها .
التغليظ على من تفوته العصر .
من فرط في صلاته فقد أتى كبيرة يجب عليه الأسف والندم عليها والتوبة منها .
* * *
2) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ ثَلاثَ عُقَدٍ إِذَا نَامَ بِكُلِّ عُقْدَةٍ يَضْرِبُ عَلَيْكَ لَيْلاً طَوِيلاً. فَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ. وَإِذَا تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عَنْهُ عُقْدَتَانِ. فَإِذَا صَلَّى انْحَلَّتِ الْعُقَدُ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ. وَإِلاَّ أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلانَ([4]).
المعنى : (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه) وهو عبد الرحمن بن صخر الدوسي اليماني تُوفِّيَ سنة 57هـ . (أَنَّ النَّبِيَّ) محمد ( صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَعْقِدُ ) بكسر القاف أَيْ: يشد ( الشَّيْطَانُ) أَيْ: إبليس أو بعض جنوده (عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ ) : أَيْ: قفاه ومؤخره ، وقيل وسطه (ثَلاثَ عُقَدٍ) جمع عقدة ، والمراد بها عقد الكسل . واختلف في هذا العقد فقيل هو على حقيقته وأنه كما يعقد الساحر من يسحره ، وأكثر من يفعله النساء تأخذ إحداهن الخيط فتعقد منه عقدة وتتكلم عليه بالسحر فيتأثر المسحور عند ذلك , ومنه قوله تعالى ( وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ )([5]) وعلى هذا فالمعقود شيء عند قافية الرأس لا قافية الرأس نفسها ، وقيل مجاز كأنه شبه فعل الشيطان بالنائم بفعل الساحر بالمسحور بجامع المنع من التصرف ( إِذَا نَامَ بِكُلِّ عُقْدَةٍ يَضْرِبُ) أَيْ: بيده تأكيداً أو إحكاماً ، قيل معنى يضرب يحجب الحس عن النائم حتى لا يستيقظ ، ومنه قوله تعالى ( فضربنا على آذانهم ) أَيْ: حجبنا الحس أن يلج في آذانهم فينتبهوا (عَلَيْكَ لَيْلاً طَوِيلاً) بالنصب على الإغراء ، كأنه يوسوس له بأنه بقي من الليلة قطعة طويلة فيتأخر عن القيام (فَإِذَا اسْتَيْقَظَ) أَيْ: من نوم الغفلة (فَذَكَرَ اللَّهَ) بقلبه أو لسانه ، ولا يتعين للذكر شيء مخصوص لا يجزئ غيره , بل كل ما صدق عليه ذكر الله أجزأ ، وفيه الحث على ذكر الله تعالى عند الاستيقاظ , وجاءت فيه أذكار مخصوصة مشهورة في الصحيح (انْحَلَّتْ) أَيْ: انفتحت (عُقْدَةٌ) أي : عقدة الغفلة (وَإِذَا تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عَنْهُ عُقْدَتَانِ) أي : انحلت عقدة ثانية وهي عقدة النجاسة , وتم بها عقدتان (فَإِذَا صَلَّى) ولو ركعتين (انْحَلَّتِ الْعُقَدُ) بلفظ الجمع أَيْ : انحلَّت العقدة الثالثة وهي عقدة الكسالة والبطالة ويها انحلت العُقَد كلها (فَأَصْبَحَ) أي : دخل في الصباح أو صار (نَشِيطًا) أَيْ: للعبادة (طَيِّبَ النَّفْسِ) أَيْ: ذات فرح لأنه تخلص عن وثاق الشيطان وتخفف عنه أعباء الغفلة والنسيان وحصل له رضا الرحمن، وصار مسروراً بما وفقه الله له من الطاعة , وبما وعده من الثواب , وبما زال عنه من عقد الشيطان (وَإِلاَّ) أي : وإن لم يفعل كذلك بل أطاع الشيطان ونام حتى تفوته صلاة الصبح ، أوحتى تفوته صلاة التهجد (أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ) محزون القلب كثير الهم متحيراً في أمره (كَسْلانَ) أي : لا يحصل مراده فيما يقصده من أموره لأنه مقيد بقيد الشيطان ومبعد عن قرب الرحمن .
وظاهر الحديث أن من لم يجمع بين الأمور الثلاثة وهي : الذكر والوضوء والصلاة, فهو داخل فيمن يصبح خبيث النفس كسلان .
وهذا الذم يختص بمن لم يقم إلى صلاته وضيعها , أما من كانت عادته القيام إلى الصلاة المكتوبة أو إلى النافلة بالليل فغلبته عينه فنام بغير إرادته وبدون تقصير منه فقد ثبت أن الله يكتب له أجر صلاته ونومه عليه صدقة ؛ لأن نيته كانت في القيام .
* * *
3) حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: عَنْ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي دَارِهِ بِالْبَصْرَةِ حِينَ انْصَرَفَ مِنَ الظُّهْرِ وَدَارُهُ بِجَنْبِ الْمَسْجِدِ. فَلَمَّا دَخَلْنَا عَلَيْهِ قَالَ: أَصَلَّيْتُمُ الْعَصْرَ؟ فَقُلْنَا لَهُ: إِنَّمَا انْصَرَفْنَا السَّاعَةَ مِنَ الظُّهْرِ. قَالَ: فَصَلَّوُا الْعَصْرَ. فَقُمْنَا فَصَلَّيْنَا. فَلَمَّا انْصَرَفْنَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: تِلْكَ صَلاةُ الْمُنَافِقِ يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ قَامَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا لا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلاً([6]).
يَرْقُبُ : ينتظر.
قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ : ناحيتا رأسه وجانباه.
المعنى : (حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه) وهو : أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدى بن النجار الأنصارى النجارى ، أبو حمزة المدنى ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه ، توفي سنة : 92 هـ و قيل 93 هـ (عَنْ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي دَارِهِ بِالْبَصْرَةِ حِينَ انْصَرَفَ) أَيْ: العلاء بن عبد الرحمن (مِنَ الظُّهْرِ وَدَارُهُ بِجَنْبِ الْمَسْجِدِ) أَيْ: دار أنس بن مالك (فَلَمَّا دَخَلْنَا عَلَيْهِ) أي : على أنس (قَالَ) أنس: (أَصَلَّيْتُمُ الْعَصْرَ؟ فَقُلْنَا لَهُ: إِنَّمَا انْصَرَفْنَا السَّاعَةَ مِنَ الظُّهْرِ. قَالَ: فَصَلَّوُا الْعَصْرَ. فَقُمْنَا فَصَلَّيْنَا. فَلَمَّا انْصَرَفْنَا قَالَ) أنس: (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: تِلْكَ) أَيْ: الصلاة المتأخرة عن الوقت (صَلاةُ الْمُنَافِقِ) فيه : تصريح بذم تأخير صلاة العصر بلا عذر (يَجْلِسُ) يحتمل أن يريد بذلك أن تأخيرهم كان لغير عذر ولا شغل وأنه لو أوجب تأخيره نسيان أو غلبه لم يكن من عمل المنافقين (يَرْقُبُ الشَّمْسَ) أَيْ: ينتظرها (حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ) أي : قربت من الغروب ، والمراد أن الشيطان يحاذيها بقرنيه عند غروبها , وكذا عند طلوعها ; لأن الكفار يسجدون لها حينئذ فيقارنها ليكون الساجدون لها في صورة الساجدين له , ويخيل لنفسه ولأعوانه أنهم إنما يسجدون له ، (قَامَ) هذا المتكاسل إلى الصلاة (فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا) المراد بالنقر سرعة الحركات كنقر الطائر ، وعبر بالنقر إشارة لقلة خشوعه وتسرعه في ركوعه وسجوده (لا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلاً) تصريح بذم من صلى مسرعا بحيث لا يكمل الخشوع والطمأنينة والأذكار , وإنما خص العصر بالذكر لأنها الصلاة الوسطى , وقيل إنما خصها لأنها تأتي في وقت تعب الناس من مقاساة أعمالهم . وهذا الحديث صريح في التبكير بصلاة العصر في أول وقتها وأن وقتها يدخل بمصير ظل الشيء مثله .
* * *
4) حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: َ إِذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنْ الصَّلاةِ أَوْ غَفَلَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ] أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي[ ([7]).
المعنى : (حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه) وهو : أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدى بن النجار الأنصارى النجارى ، أبو حمزة المدنى ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه ، توفي سنة : 92 هـ و قيل 93 هـ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: َ إِذَا رَقَدَ) نام (أَحَدُكُمْ عَنْ الصَّلاةِ أَوْ غَفَلَ عَنْهَا) نسيها (فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا) معناه : لا يجزئه إلا الصلاة مثلها ولا يلزمه مع ذلك شيء آخر (فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ] أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي[ لتذكرني فيها . ويجب القضاء على العامد ؛ لأنه إذا وجب القضاء على الناسي - مع سقوط الإثم ورفع الحرج عنه - فالعامد أولى مع بقاء الإثم عليه . ويمكن أن يقال إن إثم العامد بإخراجه الصلاة عن وقتها باق عليه ولو قضاها , يخلاف الناسي فإنه لا إثم عليه مطلقاً , ووجوب القضاء على العامد بالخطاب الأول لأنه قد خوطب بالصلاة وترتبت في ذمته فصارت دينا عليه , والدين لا يسقط إلا بأدائه فيأثم بإخراجه لها عن الوقت المحدود لها ويسقط عنه الطلب بأدائها , فمن أفطر في رمضان عامدا فإنه يجب عليه أن يقضيه مع بقاء إثم الإفطار عليه , واستدل بالحديث على أن شرع من قبلنا شرع لنا ، ما لم يرد ناسخ ؛ لأن المخاطب بالآية المذكورة موسى عليه الصلاة والسلام , وهو الصحيح في الأصول .
-------------------------------------
([1]) الماعون (4-5).
([2]) التوبة (54).
([3]) متفق عليه واللفظ لمسلم في كتاب الصلاة، باب التغليظ في تفويت صلاة العصر، ح991.
([4]) متفق عليه واللفظ لمسلم في صلاة المسافرين وقصرها، باب ما روي فيمن نام الليل أجمع حتى أصبح، ح1295.
([5])سورة الفلق [الآية : 5] . .
([6]) متفق عليه واللفظ لمسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب التبكير بالعصر، ح987.
([7]) الآية في سورة طه (14)، والحديث متفق واللفظ لمسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب قضاء الصلاة الفائتة…، ح1104.