الدرس الثالث : أهمية التوحيد والتربية عليه


عبد العزيز بن ناصر الجليل

لقد ظهر من خلال هذه الأحداث الأهمية البالغة لتربية النفوس على عقيدة التوحيد الخالص ، ولقد بدا من خلال الأحداث أن هناك ضعفاً شديداً في هذا الجانب المهم في حياة المسلم ، كما ظهر من خلال الأحداث أن هذا الأصل المهم من أصول الإيمان لم يأخذ حقه من التربية العلمية والعملية.

ولعل من أهم دروس هذا الحدث أن يشعر المسلمون وأرباب التوجيه والتربية بضعف هذا الجانب ، وما كان ليعرف هذا الخلل لولا تقدير الله سبحانه وتعالى هذه الأحداث.

ومن مظاهر هذا الضعف ما حصل من الارتباك الشديد في بعض المفاهيم العقدية،والتي تعتبر من الثوابت والأصول التي لا تتزعزع ، ولا تهتز ولا تتغير مهما تغيرت الأحوال والأزمان والأمكنة ، ومن أهم هذه الأصول التي اعتراها الاهتزاز ،مفهوم الولاء والبراء،والعداوة للكافرين والمشركين والمنافقين بشتى مللهم وأفكارهم .

أما أن يصبح العدو صديقاً والصديق عدواً ، وأما أن تبذل المحبة للكافر والعداوة للمسلم ، ويكون الميزان في الحب والعداوة موازين الأرض وموازين المصالح الشخصية ؛ فهذا كله مما ترفضه عقيدة التوحيد الثابتة ، والتي تقوم الموالاة والمعاداة على أساسها ، وهذا هو أصل لا إله إلا الله ؛ الكلمة الطيبة التي وصفها الله عز وجل بقوله : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ   تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [ابراهيم:24، 25].

وهي الكلمة التي من أجلها أُرسِل الرسل وأ ُنزلت الكتب ، وجاهد من أجلها أنبياء الله عز وجل ودعاته الصادقين ، كما قال تعالى : {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ }  [الممتحنة:4].

أما ما سواها من المصالح الشخصية والموازين الأرضية فليس لها صفة الثبات؛ بل إن أبرز خصائص المصالح والموازين الأرضية ؛  عدم الثبات والروغان ، فالذي يحب ويعادي من أجل المصالح الدنيوية يدور مع هذه المصالح حيث دارت ، فقد يعادي في الصباح من أحبه في المساء ، وقد يوالي في المساء من عاداه في الصباح ،وصدق الله العظيم: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ    يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ } [ابراهيم:26، 27]، اللهم ثبتنا بقولك الثابت ، ولا تضلنا مع الظالمين .

ومما يؤيد الاهتمام الشديد بالتربية على التوحيد ؛ ما ظهر من النقص والضعف في توحيد التوكل والاستعانة والاستغاثة وغيرها ، وما نتج عن هذا الضعف من الركون إلى غير الله عز وجل من أعداء هذا الدين ، والثقة بما عندهم أكثر من الثقة فيما عند الله عز وجل .

ولأجل كل ما سبق،ظهر أن الحاجة الماسة جداً إلى مزيد من التربية على العقيدة علماً وعملاً ؛بأن نتعلم أركان التوحيد ، وما يضاده من الشرك القديم والجديد،وألا يستخفنا الذين لا يوقنون من أرباب السياسة والمصالح الأرضية ، فيستهووننا معهم ، ويركبوننا في ركابهم ، بل يجب علينا الحذر الشديد منهم ومن مكرهم ، وأن نقبل على ديننا نتعلمه ، ونعمل به وندعو إلى الله ،ونصبر على الأذى فيه ، وألا نستطول الطريق أو الوقت الذي نمضيه في تعلم التوحيد ، وكل متعلقاته .

كما يجب علينا أن نعي واقعنا، وأن نربط ما تعلمناه من دين الإسلام بقضايا عصرنا ، ومستجداته من الأفكار والنحل التي لم تكن موجودة عند أسلافنا ، وأن يكون للتربية الشاملة على التوحيد دورها في مواجهة الشرك المعاصر ،والتي تشن فيه العلمانية معارك طاحنة ضد المسلمين بوسائل شتى.

أي أننا نريد منهجاً دعوياً يقوم على (سلفية المنهج وعصرية المواجهة)([1]) ونقصد بالسلفية: العودة بأصول الفهم والاستدلال إلى الكتاب والسنة ، وقواعد الفهم المعتبرة لدى أصحاب رسول الله لله ومن تبعهم بإحسان ؛ وذلك لنتمكن من خلال هذا المنهج من المواجهة السلفية المعاصرة لمشكلات عصرنا،التي واجه بها سلفنا الصالح انحرافات عصرهم ، وكانت فريضة الوقت يومئذ ، ثم نتخلى عن المعارك الطاحنة التي تديرها الجاهلية في المجتمعات المعاصرة ؛ حيث ضاعت إسلامية الراية وإسلامية النظم وذلك في أكثر بلدان المسلمين.

إن السلفية الحقة لا تقبل أن تستهدف الدعوة في بعض المواقع تحرير العقائد من شرك الأموات،والتمائم،وتضرب صفحاً عن شرك الأحياء والأوضاع والنظم؛والتي لا تقل خطراً عن شرك الأصنام ، وكلا الشركين خطير.

كما لا تقبل السلفية الحقة أن تحارب التشبيه والتعطيل في صفات الله عــزوجل وتقف عند ذلك،ولا تعلن الحرب على تعطيل الشريعة،وتحكيم القوانين الوضعية،وفصل الدين عن الدولة،وإننا بهذا المنهج الشامل والسلفية المعاصرة،نسلم وتسلم عقيدتنا الثابتة من أي خلط أو اهتزاز،كما هو الحاصل في هذه الأيام ،ولكنها الفتن ؛ نعوذ بالله منها ؛ ما ظهر منها وما بطن .

وما أحسن ما كتبه الأستاذ محمد قطب في كتابه القيم (واقعنا المعاصر)حول أهمية التربية والرد على من يستطول طريقها ويريد قطف الثمرة قبل استكمالها،فقال ص٦٨٤:" أما الذين يسألون إلى متى نظل نربي دون أن (نعمل)(؟ فلا نستطيع أن نعطيهم موعداً ؛ فنقول لهم : عشر سنوات من الآن أو عشرين سنة من الآن!، فهذا رجم بالغيب لا يعتمد على دليل واضح، وإنما نستطيع أن نقول لهم : نظل نربي حتى تتكون القاعدة المطلوبة بالحجم المعقول ..." ثم يستمر وفقه الله حول هذا الموضوع إلى أن قال : " ... ونكتفي بثلاثة أبعاد ، ننتقيها من بين أبعاد كثيرة ومجالات عديدة ؛ لأنها ذات أهمية خاصة ؛ وذلك بالنسبة لبناء القاعدة المطلوبة .

يقول سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذريات:58]، ولو أنك سألت أي إنسان في الطريق من الذي يرزقك لقال لك على البديهة: الله ، ولكن انظر إلى هذا الإنسان إذا ضيق عليه في الرزق ، يقول : فلان يريد قطع رزقي! فما دلالة هذه الكلمة ؟

دلالتها أن تلك البديهة ذهنية فحسب ، وبديهة تستقر في وقت السلم والأمن ، ولكنها تهتز إذا تعرضت للشدة ؛لأنها ليست عميقة الجذور ... فلا يصلح لتلك الأعباء إلا شخص قد استقر في قلبه إلى درجة اليقين أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ، وأن الله هو المحيي المميت، وأن الله هو الضار النافع ، وأن الله هو المعطي والمانع ، وأن الله هو المدبر، وأن الله هو الذي بيده كل شيء ...

ترى كم جلسة ؟!كم درساً؟! كم موعظة ؟!كم توجيهاً يحتاج إليها

الإنسان؟! ليرسخ في قلبه إلى درجة اليقين أن الله هو الذي يدبر ، وأن المخلوقات البشرية التي يخالطها في حياته إن هي إلا أدوات لقدر الله ، وأنها حين تضره فهي بشيء قد قدره الله له، وحين تنفعه فإنما تنفعه بشيء قد كتبه الله له ، فلا يتوجه إلا إلى  الله في سرائه وضرائه سواء ،ويعلم يقيناً أن الخلق كلهم لا يملكون له ولا لأنفسهم ضراً ولا نفعاً "اهـ .



(1) المراد (بعصرية المواجهة) أن يواجه أصحاب المنهج السلفي في كل عصر ما يكون في عصرهم من بدع وشركيات ومنكرات سواء كانت لها جذور قديمة أو كانت جديدة لم يسبق لها نظير بعينها وإن كان إنكارها له أصل شرعي .

(1) الكلام هنا موجه لأولئك الشباب المتحمس الذي ينقضه التربية والعلم الشرعي والإمكانات ومع ذلك يطالب بإعلان الجهاد ضد الأنظمة التي تنكرت لشرع الله واستحلت ما حرم الله .

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ الدرس الثالث : أهمية التوحيد والتربية عليه

  • أهمية التوحيد

    دار القاسم

    الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى. قال أحدهم: كنا في إحدى حلقات العلم، وكان الشيخ يتحدث عن

    17/02/2013 5538
  • أهمية التوحيد لحياة الفرد

    الشيخ أحمد الشبكي

    المبحث الأول أهمية التوحيد للفرد والمجتمع المطلب الأول أهمية التوحيد لحياة الفرد معرفة الغاية من خلقه  :-

    05/04/2017 4820
  • أهمية التوحيد

    الشيخ احمد الشبكي

    أهمية التوحيد الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد... فإن حاجة العبد

    04/04/2017 3
معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day