السابع: و هو التفكير الضار و المذموم و هو التفكير في ما لا يعني
السابع: و هو التفكير الضار و المذموم و هو التفكير في ما لا يعني و يدخل في ذلك البعد عن الأمور الأربعة أو الثمانية التي يجري فيها التفكير.. الغايات المطلوبة.. الغايات المرهوبة.. وسائل هذه و هذه..دنيوية و أخروية ( اضرب أربعة في اثنين تكون النتيجة ثمانية ) فمن التفكير المذموم التفكير في أمور خارجة عن هذه الأمور الثمانية لا دنيا و لا آخرة فتفكيره ليس بواقعي إنما هو خيال أحلام اليقظة كما يقول ابن القيم رحمه الله في مفتاح السعادة..
فهو يعيش على الخيالات الرديئة و الأماني الباطلة كالفقير الذي يتخيل نفسه أنه من أغنى البشر.. جالس يفكر.. يحلم أنه أغنى الناس و يتخيل نفسه و هو يعطي و يأخذ و ينعم و يحرم و كذلك العاجز المقهور الضعيف حينما يتخيل نفسه من أقوى الملوك و يتصرف في البلاد و الرعية و يأمر و ينهى و يرسل الجيوش و يعقد الألوية فهذا كما يقول ابن القيم يقول: هذا من أفكار القلوب الباطولية و ليست الباطلة فقط.. الباطولية هذه من أفكار البطّالين الذين خرجوا عن الواقع و عن التفكير فيما يجدي و يثمر إلى السباحة في الخيال و عالم الوهم فهذا يقول مثل أفكار السكران و المحشوش و ضعيف العقل..
يقول فهذه الأفكار الدنيئة هي قوت الأنفس الخسيسة التي هي في غاية الدناءة يقول فإنها قد قنعت بالخيال و رضيت بالمحال و لا تزال هذه الأفكار تقوى بها و تتزايد حتى توجب لها آثاراً رديئة و وساوس و أمراضاً بطيئة الزوال و هكذا التفكير في الأمور التي لم نكلف بالبحث و التفكير فيها كالتفكير في ذات الله عز و جل و كنه صفاته هذه أمور لا يمكن الوصول إليها و لا يجوز للإنسان أن يفكر فيها و هكذا التفكير كما يقول ابن القيم في الصناعات الدقيقة التي لا تنفع بل تضر مثل الشطرنج و الموسيقى و أنواع الأشكال و التصاوير و هكذا التفكير في العلوم التي لو كانت صحيحة لم يحصل الفكر فيها كمالاً و لم يحصل صاحبه شرفاً عندما يحصلها كالتفكير في دقائق المنطق و الفلسفة فمهما بلغ الإنسان في هذه الأشياء فإنه لا يحصل شرفاً بل هي نقص في حقه و هكذا التفكير في الشهوات و اللذات و طرق تحصيلها فهذه أمور عاقبتها سيئة في الدنيا قبل الآخرة و الأمور المنغصة فيها إذا تبصر فيها العاقل يجد أنها أضعاف اللذات التي يجدها عند مقارفتها و هكذا التفكير بالفرضيات كالذي يفكر لو كان ملكاً ماذا سيصنع لو حصل كنزاً كيف سينفق هذا الكنز ثم يكون جدل.. تعطيني جزء منه أو ما تعطيني..أعطيك كذا..سأعطي فلان كذا فهو يسبح في هذه الفرضيات
و هكذا الأفكار التي يسميها ابن القيم أو يضيفها في كتاب آخر من كتبه يضيفها إلى السفلة من الناس و هكذا التفكير في شؤون الناس الخاصة مثل دخل فلان كم؟ كم راتب فلان؟ كم يأتيه من أجار الشقة الفلانية؟ كم يأتيه من المحل الفلاني؟ كم علاوة فلان؟ كم رصيد فلان في البنك.. هذه أمور لا تعنيه و هي من شؤون الناس الخاصة و كان العرب يكرهون السؤال عن مال الإنسان.. أن يُسأل عن ماله كم عندك؟ أو السؤال عن ولده كم عندك من الولد فهذا لا شك أنه دخول في ما لا يعني و هكذا التفكير في الحيل التي يتخلص فيها من الأحكام الشرعية الربا حرام إذن ما هي الطريقة التي نفكر حتى نستحل هذا الربا و هذا المطلوب أنا أريد هذه السلعة الآن.. قيمة هذه السلعة مائة ألف.. لا أستطيع شرائها أقرضني مائة بمائة و عشرين يقول هذا ربا طيب إذن أنا اشتري هذه السلعة و أبسطها عليك هذا فكرة لكنها حيلة على الربا.
الآجار المنتهي للتمليك كيف اخترعوه مع أنه لا يمكن أن ينسجم مع الضوابط و الأصول الفقهية و شروط البيع و حقيقته و صورته و هكذا فيما يسمونه بالقروض الإسلامية أو المباحة التي يحتالون فيها على الإنسان من أجل أن يحصلوا مطلوبهم فيحتالون فالتفكير في هذه الحيل لاشك أنه أمر سيء و مذموم و هكذا التفكير في بعض الأمور المفضولة كالتفكير في الشعر و أوزان الشعر و قوافي الشعر و أفانينه و المدح و الهجاء و الغزل و المراثي و نحوها فإنه يشغل الإنسان عن الفكر فيما فيه سعادته و حياته الدائمة
و هكذا في أمور كثيرة تجدها في كتب الفقه و في غيره من أمور لا ينبني عليها عمل و لا يترتب عليها شيء من الأحكام فتجد الأصوليين مثلاً يناقشون كثيراً من القضايا و يعيدون فيها و يزيدون ثم بعد ذلك يقول إن هذه المسألة مما لا يبني عليه عمل و حينما نقول بأن التفكير في ذات الله عز و جل و في كنه صفاته أن ذلك يضر لا أعني بذلك الخواطر التي تخطر للإنسان يأتيه الشيطان و يقول من خلق كذا.. من خلق كذا..من خلق كذا ثم بعد ذلك قد يصل به إلى أمور لا تحمد فهذه الوساوس و الخواطر التي ترد لا يؤخذ الإنسان عليها فهي معفو عنها كما أخبر النبي صلى الله عليه و سلم و قال’ الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة ‘ فهي في حقيقتها كما قال ابن القيم رحمه الله كالمار الذي يمر في الطريق فإن تركته ما ضرك و إن استدعيته و استوقفته و حادثته فقد تفتن فيه فحق هذه الخواطر أن تعرض عنها و لا تتوقف عندها ولا تسترسل مع التفكير فيها و إنما تعرض عن ذلك فتمر فهذه الأشياء تزعج القلوب الحية و أصحاب النفوس المطمئنة و أما أصحاب القلوب الأمارة بالسوء و القلوب المريضة أو الميتة فإنها لربما تسترسل معها و تعشعش فيها و كل ما سنح له خاطر من هذه الخواطر أو مر به أوقفه و حادثه و ناجاه حتى يتحول هذا الخاطر إلى عقيدة راسخة أو إلى شبهات مزعجة مقلقة تفسد عليه آخرته.