الشكر وعدم كفران النعم
التوحيد اليومي من حياة الصحابة
حادثة الإفك
(2)الشكر وعدم كفران النعم
في قصة الإفك لما ظلت عائشة شهرا مريضة وعلمت الخبر وزاد مرضها وذهبت إلى بيت أبويها ،فدخل عليها رسول الله ثم قال : " أما بعد يا عائشة بلغني عنك كذا وكذا ، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله ، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه ، فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب ،تاب الله عليه " تقول – رضي الله عنها -" فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة ، فقلت لأبي : أجب عني رسول الله فيما قال ، قال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقلت لأمي : فقالت مثل ذلك ، فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن : والله لقد علمت أنكم قد سمعتم ما تحدث به وقر في أنفسكم فصدقتم به ، ولئن قلت إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقونني بذلك ، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة لتصدقنني ، والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا أبا يوسف إذ قال : صبر جميل الآية ، قالت : ثم تحولت على فراشي وأنا أرجو أن يبرئني الله ببراءتي ، ولكن والله ما ظننت أن ينزل في شأني وحي يتلى ، ولأنا أحقر في نفسي من أن يتكلم بالقرآن في أمري ، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رؤيا تبرئني ، قالت : فوالله ما رام من مجلسه ولا خرج أحد من البيت حتى أنزل عليه ، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في يوم شات ، قالت : فسري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يضحك ، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال : " يا عائشة احمدي الله فقد برأك الله " ، فقالت لي أمي : قومي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقلت : والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله
فلنتعلم من أمنا عائشة –رضي الله عنها -كيف يكون الشكر وكيف ننسبه إلى الله ولا تنسينا فرحة النصر ولا رد الحقوق لأهلها ألا يستشفي أحد ،فالشكر لا يكون إلا لله ،وهو بهذا عبادة من العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه،ومن عرف أن مافيه نعمة من الله من دلائل ربوبيته كان تركه كفر {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [النحل: 83]، فالآية الكريمة تُبيِّن لنا تحريمَ إنكار النعمة، وبيان حُكْم مَن أنكرها بأنه من الكافرين
فلابد على المسلم أن يتأدب مع جناب الله فيضيف النعم إليه ولا يشكر إلا الله على الحقيقة فإنه بهذا من الشاكرين وبغيره يكون من الكافرين الجاحدين لنعم رب العالمين ،فمن نسب نعما لله وحده فضلها كالرزق والستر والعطاء والمنع فهذا من أبواب الشرك الخفي ،فالإنسان إما شاكرا وإما كفورا
ولننتبه أنها كان مرادها ما رباها عليه النبي ،وهو أنه لا يحمد على نعمة من نعم الله ومن خصائص ربوبيته كالستر ودفع الضر إلا الله وحده ، فهي لم ترد النبي لأنها منه غضبى أو لأنها لن تنفذ أمره ،أو ترد كلام أبيها فلو كان هذا حالها لما سكت أبو بكر –أبوها - ويشهد لذلك سكوت سيدنا أبى بكر الصديق لها حين قالت :والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله ،فلو كان ذلك منها لغير الوجه الذي قدرناه لزجرها سيدنا أبو بكر الصديق عن ذلك ،ولجبرها على القيام إليه ،لأن ذلك صدر منه في أقل من هذا كما فى حديث التيمم ؛حين انقطع عقدها ومكث الناس يبثوا عن العقد وتأخروا ونفذ الماء ،فدخل عليها يضرب في خاصرتها ويعاتبها ،ويقول حبست رسول الله والناس ليسوا على ماء ،وليس معهم ماء ،هذا وهى لم يقع العقد منها متعمدة ،ولم تقل شيئا ولا فعلت شيئا ،إلا أن النبي أقام باختياره ،إذن فلما كان كلامها هنا واختيارها موافقا لمراد رسول الله و سيدنا أبى بكر الصديق واختياره ،سكت لها عن ذلك لموافقتها لما علمها النبي من توحيد ونسبة الفضل إلى الله وحده ،وهذا مما يشهد لفضلها وعلو منزلتها على غيرها؛ إذ أنها مع صغر سنها تراعى مرضاة الله وتفضله على مرضاة أي أحد ،ولو كان أبواها .
فأكثروا من شكر الله على نعمه يزدكم ،وسلوه يعطكم.