الصدق والصادقون
بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهديه الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار
الصدق صفة من الصفات الكريمة، وخلة من الخلال الحميدة، أمرت الشريعة الإسلامية بالتحلي به، والصديقون يحشرون في زمرة الأنبياء والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، وبالصدق يشعر العبد بالطمأنينة، وينجو من الهلاك، وتحل به البركة. وقد حرم الإسلام الكذب بكل صوره، ولم يجزه إلا في ثلاثة مواطن: في الحرب، وبين الزوجين، وفي الإصلاح بين الناس.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71]. وبعد: عباد الله: إن لله سبحانه وتعالى صفات يحب أن يتخلق بها عباده، ولله عز وجل صفات لا يحب أن يتخلق بها عباده، فهي له وحده سبحانه وتعالى، فمن الصفات التي هي لله سبحانه ويحب أن يتخلق بها عباده صفة الكرم، فهو كريم يحب الكرماء، وكذلك صفة العفو عن الناس، فهو عفو يحب العافين عن الناس، وكذلك صفة الجمال، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله جميل يحب الجمال)، وصفة الرحمة، فالله رحيم يحب من عباده الرحماء. ومن هذه الصفات أيضاً صفة الصدق، وعليها مدار الحديث إن شاء الله، فالله سبحانه وتعالى قال عن نفسه: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا [النساء:122]، وقال عن نفسه: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا [النساء:87] ، وقال عن نفسه: قُلْ صَدَقَ اللَّهُ [آل عمران:95]، فالله سبحانه وتعالى فيه هذه الصفة، فهو سبحانه وتعالى صادق فيما وعد، وصادق فيما أخبر، وصادق في كل شيء سبحانه وتعالى، وليس أحد أصدق من الله قيلاً أبداً، وليس أحد أصدق من الله حديثاً، وأمر الله نبيه أن يقول هذه الكلمة فقال تعالى: قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [آل عمران:95] .