العبادات القلبية مُجَمِّلَةٌ لعبادات الجوارح
أن العبادات القلبية أشق من عبادات الجوارح:
ويكفي المثال الذي ذكرناه قبل قليل في تصفية القلب وتنقيته من الغل للمسلمين، يقول يونس بن عبيد رحمه الله - وقد كتب إليه أحد إخوانه يسأله عن مسائل فقال يونس- :'أتاني كتابك تسألني أن أكتب إليك بما أنا عليه – أرسل إليه رسالة يقول ما عملك ؟ - فيقول:أخبرك بأني عرضت على نفسي أن تحب للناس ما تحب لها، وتكره للناس ما تكره لها، فإذا هي عن ذلك بعيدة – يقول ما استطعت هذا، هذا من؟ هذا يونس بن عبيد العابد – يقول:ثم عرضت عليها مرة أخرى ترك ذكرهم إلا من خير لا أذكرهم لا أتكلم بهم بسوء – بطريق مباشر أو بطريق غير مباشر بطريقة مغلفة – يقول:فوجدت الصوم في اليوم الحار أيسر عليها من ذلك – فهذا يدل على أي شيء ؟ يدل على أن الإنسان له لذة جامحة في الكلام في أعراض المسلمين، فهذا يدل على أن الإنسان يحتاج إلى كبح قوي لهذه النفس، ولهذه الرغبة الجامعة المسيطرة على النفس، وما يفسد علينا أمرنا في هذا الباب إلا كثرة التأويلات، هذه المرة المقصود كذا والمقصود كذا، ثم نقع فيما حرم الله عز وجل من الغيبة – يقول:هذا أمري يا أخي والسلام' [نزهة الفضلاء1/539]. يقول: أنا في مكابدة، وهذا يدل على أن العبادات القلبية شاقة .
أن العبادات القلبية أجمل أثراً من عبادات الجوارح بل هي مُجَمِّلَةٌ لعبادات الجوارح:
فعبادات الجوارح على غاية الأهمية وهذا أمر لا ينازع فيه، لكن عبادات القلب أحلى وأوقع وأجمل أثراً، وهذا ما يجده الإنسان في نفسه-إن كان قلبه موصولاً بالله عز وجل- كان بعض السلف يقول:'مساكين أهل الدنيا خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها، قالوا:وما أطيب ما فيها؟ قال:محبة الله والأنس به والشوق إلى لقائه والإقبال عليه والإعراض عما سواه' [تهذيب مدارج السالكين ص 245] .