العري كبيرة من الكبائر
فمن هنا إذن؛ كان الوعيد النبوي شديدا بالنسبة للمتعريات من المسلمات، ففي هذا الإطار السيميائي، والسياق الحضاري؛ جاءت الأوامر القرآنية والنبوية بالتزام صورة معينة للباس لدى النساء. وأنكر الرسول e إنكارا رهيبا تعري المرأة. والعجيب أن ذلك الإنكار تعلق بصورة (كاريكاتورية) للباس المرأة؛ لم تكن قد ظهرت في زمانهe، ولا عرفتها العرب. وإنما حدَّث عنها عليه الصلاة والسلام مطلا على المستقبل من مشكاة النبوة، ومستبصرا للغيب، مما علمه الله. أي أنه كان يقرأ زماننا ويبصر عري نسائنا من قمة زمانه e! فأنكر ذلك المستقبل الماضي في علم الله، وحذر من مجاراته والافتتان به؛ لِمَا عَلِم - عليه الصلاة والسلام - من انتسابه الشيطاني، وتمرده على رب الكون! فرتب عليه وعيدا شديدا من عذاب الله! وتلك صفة كبائر الذنوب عموما في الإسلام، والسياق قاطع بأن هذه منها! وقد اشتهر في ذلك قولهe في الحديث الصحيح:
(صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النّارِ لَمْ أَرَهُمَا. قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النّاسَ. وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلاَتٌ مَائِلاتٌ، رُؤُوسُهُنّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنّةَ، وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا. وَإنّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا)
فهذا الحديث من دلائل نبوتهe، فقد وصف فيه ما لم يره بعين البصر، وإنما رآه بعين النبوة، مما سيكون في آخر الزمان وهو زماننا هذا. فكان وصفه العجيب كأدق ما يكون الوصف؛ لما عليه حال النساء اليوم، مما لم يسبق له مثيل في التاريخ! فهن فعلا كما قالe (كاسيات عاريات) بمعنى أنهن يلبسن ما به يكون العري أشد! وهو شيء غريب فعلا. ألا ترى أن نوع اللباس الأنثوي اليوم إنما هو لزيادة بيان تفاصيل العورة، ومواطن الفتنتة من الجسم: خِرَقٌ رقيقة أو ناعمة تكشف وتشف، أو ترسم هيأة البدن على التمام والكمال، وتعري بعضه أو أغلبه تعرية تامة. فإذا المرأة في الشارع تسير عارية تماما! إنها لو خرجت بلا ثوب مطلقا لما فتنت كما تفتن الآن بقليل اللباس، مما يكون به عرض مواطن الفتنة في الجسم على أبين وجه، وعلى أدق توصيف! فأي شيطان هذا الذي يملي هندسة الشر على منتجي الموضة في العالم؟ ذلك هو قول النبيe (كاسيات عاريات!)
ثم إنهن بعد ذلك (مائلات مميلات)، ومعناه أنهن مائلات عن الصراط المستقيم أولا، ثم هن مائلات في مشيتهن بالطرقات، يَسِرْنَ بنوع من الانحناء إلى شمال تارة، وإلى يمين تارة أخرى؛ إمعانا في عرض أجسامهن العارية بأوضاع مختلفة، في المعرض المفتوح لأجساد النساء! ماذا بقي بعدُ من الكرامة لهؤلاء؟
وأما كونهن (مميلات) فهو أنهن يملن أعطافهن وأردافهن – إذا مشين - بتكسر ماجن، وتعهر فاضح. و(الإمالة) أيضا هي أثر ذلك كله على قلوب الشباب خاصة، وقلوب الرجال عامة، من التأثير الشيطاني والغواية الإبليسية، التي تميلهم عن الصراط المستقيم، وتخرجهم عن سبيل الهدى إلى سبل الضلال، وتخرجهم من النور الظلمات، أو من الظل إلى الحرور!
ثم هن كما قالe: (رُؤُوسُهُنّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ)، ومعناه أن طريقة قص شعرهن، وشكل حلاقته؛ تجعل رؤوسهن أشبه ما تكون بأسنمة البُخْت المائلة. والبُخْت: جمع بُخْتِية، وهي الناقة. لكنها نوع خاص من الإبل، مُنَسَّلَةٌ من الجِمال العجمية. والأسْنِمَةُ: جمع سنام، وهو ذروة الناقة. وكثيرا ما تكون ذروة الناقة، أو الجمل؛ فعلا مائلة إلى جانب معين، ثائرة الوبر، متناثرة الشعر، بشكل وحشي، أو قل (فوضوي) بالمعنى الفني المعاصر للكلمة! أليس النساء هن كذلك فعلا؟ بلى والله! وبالضبط كما وصفهن النبيُّ! فَعُدَّ أنواع القَصَّات في حلاقة الموضة الجهنمية اليوم! لترى مدى صدق الرسولe في الوصف الاستبصاري النبوي! عُدَّ إذن: القَصَّةَ المربَّعة! وقَصَّةَ الفرس! وقَصَّةَ الفتى! (للبنات طبعا!) والقَصَّةَ الإيطالية! والقَصَّةَ الوحشية ...! إلى آخر ما في جعبة إبليس من تحليقات شيطانية! ذلك هو والله وصف الرسولe لهن: (رُؤُوسُهُنّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ)! وصدق نبي الله e.
فإذا أضفت إلى هذا ما أخبر به عليه الصلاة والسلام في بداية هذا الحديث، وهو الصنف الأول من أهل النار، أي: (قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النّاسَ!) رأيت ما يسمى في العصر الحديث بـ(قوات مكافحة الشغب)، ورأيت (جلادي السجون)، وشرطة الاختطافات والاستنطاقات القسرية، ورأيت كيف يحملون معهم هراواتهم وسياطهم، وسائر أدوات التعذيب الميكانيكية والكهربائية؛ لتحطيم جماجم المستضعفين، وتهشيم عظام المظلومين في كثير من بلاد العالمين! مما لم يدر بخلد شياطين العهد النبوي! إذا أضفت ذلك إلى ذلك؛ علمت دقة التصوير النبوي لمدى خطورة الانحراف الذي عليه المرأة المسلمة اليوم!
فاقرئي الحديث - بنيتي - مرة أخرى، وتدبري! أليس كان عليه الصلاة والسلام ينظر إلى زماننا هذا بالضبط، وبدقة متناهية؟ أليس كان ينظر من مشكاة النبوة إلى غيب يبعد عنه e بأزيد من أربعة عشر قرنا من الزمان؟ بلى والله! وقطعا ستصدق نذارته كما صدقت نبوته. وإنما نذارته هنا هي قوله عن الفريقين: إنهم جميعا: (صنفان من أهل النار)، وأن النساء الكاسيات العاريات: (لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنّةَ، وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا. وَإنّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا)! أي أنه كان يصف البعد الرهيب الذي يفصل بين هؤلاء النسوة وبين ريح الجنة؛ لِمَا هن هاويات فيه من دركات الجحيم الضاربة في أعماقها والعياذ بالله!
ولقد روي هذا المعنى بنبوءات أخرى عجيبة، في أحاديث صحيحة، تتحدث عن موديلات السيارات الفاخرة، التي تركبها النساء العاريات! فأبصَرَ منها النبيe لقطة فيها من التناقض السلوكي، والانفصام النفسي والاجتماعي؛ ما نراه اليوم عيانا! وهو ذهاب هؤلاء الكاسيات العاريات مع أزواجهن إلى المساجد للصلاة أحيانا! زعموا! وهو ما يقع خاصة يوم الجمعة، وأحيانا لا يذهبن للصلاة، وإنما يتبعن موكب العرسان، على عادة بعضهم في إدخال العريس إلى المسجد، في جوقة من الزغاريد والغناء، والعري الفاضح الماجن. وهذا أمر نشاهده اليوم في مصيف الأعراس، في بعض المساجد المغربية! وهو من أقبح البدع وأسوئها! اقرأ هذا الحديث النبوي العجيب، وانظر إلى تلك السيارات الموصوفة منذ أزيد من أربعة عشر قرنا من الزمان! قالe: (سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على سروج كأشباه الرحال، ينزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات، على رؤوسهن كأسنمة البخت العجاف! العنوهن فإنهن ملعونات! لو كانت وراءكم أمة من الأمم لخدمن نساؤكم نساءهم! كما خدمتكم نساء الأمم من قبلكم)([2]).
وروي بلفظ آخر هو قولهe: (يكون في آخر هذه الأمة رجال يركبون على المَياثِرِ(حتى يأتوا أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات، على رؤوسهن كأسنمة البخت العجاف، العنوهن فإنهن ملعونات! لو كانت وراءكم أمة من الأمم لخدمتهم كما خدمكم نساء الأمم قبلكم!)([4])
فتدبر هذا الخطاب الرهيب، والوعيد الشديد في قول النبيe: (العنوهن فإنهن ملعونات!) ما كان ليكون ذلك كذلك؛ لو لم يكن التعري خطيئة من أبشع الخطايا، وأخسها! ولو لم يكن مسخا للفطرة الإنسانية، وتغييرا لخلق الله في السلوك النفسي والاجتماعي! إنه سيمياء الشيطان!
فالسِّتْرَ السِّتْرَ بنيتي! فإنه سيماء الرحمن! قالe: (إن الله تعالى حَيِيٌ سِتِّيرٌ، يحب الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر!)(
والخلاصة في هذه المسألة أنه يمكنك القول: إن هيأة المسلم في لباسه ومظهره - رجلا كان أو امرأة – هي عبارة عن صلاة! بكل ما تحمله كلمة (صلاة) من معاني السير إلى الله خضوعا وخشوعا.
إن سيماء الصورة في الإسلام لغة كاملة؛ لغة من لغات الصلاة المودعة في أسرار هذا الملكوت! إنها تعبير عن منطق الطير، وصحف إبراهيم، وألواح موسى، ومزامير داود وإنجيل عيسى، وآيات هذا الكتاب العظيم، الذي أنزل على محمد عليه الصلاة والسلام، وعلى سائر الأنبياء والمرسلين. ذلك الدين الواحد، ضل عنه المحرفون الذين بدلوا، وغيروا خلق الله، ونبذوا ستر الله، وانحازوا لعري إبليس! فهدى الله المسلمين إلى جمال الستر. ولكن أكثرهم اليوم – مع الأسف – لا يعقلون!
رواه مسلم
رواه أحمد وابن حبان والطبراني في الثلاث. قال الهيثمي في مجمع الزوائد: 5/137: (رجال أحمد رجال الصحيح. وعبارة الطبراني قال: (سيكون في أمتي رجال يُركبون نساءَهم على سروج كأشباه الرحال)".
المَيَاثِر: جمع مَيْثَرَة، وهي الأريكة الفخمة. والمقصود هنا أريكة السيارة.
رواه الطبراني والحاكم وقال هذا حديث صحيح على شرطهما ولم يخرجاه.
رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وصححه الألباني. انظر حديث رقم: 1756 في صحيح الجامع.