العزيزُ،القديرُ،القادرُ،المُقتدر ،القويُّ،المتينُ
هذه الأسماء العظيمة معانيها متقاربة، فهو تعالى كامل القوة، عظيم القدرة، شامل العزّة ]إِنَّ العِزَّةَ لله جَمِيعًا [([1])، وقال تعالى: ]إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ [([2])، فمعاني العزة الثلاثة كلها كاملة لله العظيم:
1 - عزّة القوة الدالّ عليها من أسمائه القوي المتين، وهي وصفه العظيم الذي لا تُنسَب إليه قوة المخلوقات وإنْ عَظُمَتْ. قال الله تعالى: ]إِنَّ الله هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الـْمَتِينُ [([3])، وقال: ]وَالله قَدِيرٌ وَالله غَفُورٌ رَّحِيمٌ [([4])، وقال U: ]قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ
بَعْضٍ [([5]). وقال تعالى: ]وَكَانَ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا [([6]). وقال U: ]إِنَّ الْـمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ [([7]).
2 - وعزة الامتناع فإنه هو الغنيّ بذاته،فلا يحتاج إلى أحد،ولا يبلغ العبادُ ضرّه فيضرونه،ولا نفعه فينفعونه،بل هو الضار النافع المعطي المانع.
3 - وعزة القهر والغلبة لكل الكائنات، فهي كلها مقهورة لله خاضعة لعظمته منقادة لإرادته، فجميع نواصي المخلوقات بيده، لا يتحرك منها متحرّك ولا يتصرّف متصرّف إلا بحوله وقوته وإذنه، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة إلا به.
فمن قوته واقتداره أنّه خلق السموات والأرض وما ببينهما في ستة أيام، وأنّه خلق الخلق ثم يميتهم ثم يُحييهم ثم إليه يُرجعون ]مَّا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ [([8])، ]وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الـْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [([9])، ومن آثار قدرته أنك ترى الأرض هامدة، فإذا أنزل عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، ومن آثار قدرته ما أوقعه بالأمم المكذّبين والكُفّار الظالمين من أنواع العقوبات وحلول المثلات، وأنه لم يغنِ عنهم كيدهم ومكرهم ولا أموالهم ولا جنودهم ولا حصونهم من عذاب الله من شيء لمّا جاء أمر ربك، وما زادوهم غير تتبيب، وخصوصاً في هذه الأوقات، فإنّ هذه القوة الهائلة، والمخترعات الباهرة التي وصلت إليها مقدرة هذه الأمم هي من إقدار الله لهم وتعليمه لهم ما لم يكونوا يعلمونه، فمن آيات الله أنّ قواهم وقُدرهم ومخترعاتهم لم تغنِ عنهم شيئاً في صدّ ما أصابهم من النكبات والعقوبات المهلكة، مع بذل جدِّهم واجتهادهم في توقي ذلك، ولكنَّ أمر الله غالب، وقدرته تنقاد لها عناصر العالم العلوي والسفلي.
ومن تمام عزته وقدرته وشمولهما أنه كما أنه هو الخالق للعباد فهو خالق أعمالهم وطاعتهم ومعاصيهم، وهي أيضاً أفعالهم، فهي تضاف إلى الله خلقاً وتقديراً، وتضاف إليهم فعلاً ومباشرة على الحقيقة، ولا منافاة بين الأمرين، فإنّ الله خالق قدرتهم وإرادتهم، وخالق السبب التام خالق للمسبب، قال تعالى: ]وَالله خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [([10]).
ومن آثار قدرته ما ذكره في كتابه من نصره أولياءه، على قلَّة عددهم وعُددهم على أعدائهم الذين فاقوهم بكثرة العَدد والعُدّة، قال تعالى:
]كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ الله [([11]).
ومن آثار قدرته ورحمته ما يحدثه لأهل النار وأهل الجنة من أنواع العقاب وأصناف النعيم المستمر الكثير المتتابع الذي لا ينقطع ولا يتناهى([12]). فبقدرته أوجد الموجودات، وبقدرته دبّرها، وبقدرته سوّاها وأحكمها، وبقدرته يحيي ويميت، ويبعث العباد للجزاء، ويجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، وبقدرته يقلِّب القلوب ويصرفها على ما يشاء الذي إذا أراد شيئاً قال له: ]كُن فَيَكُونُ [([13]). قال الله تعالى: ]أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ الله جَمِيعًا إِنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [([14]).
----------------------------------------
([1]) سورة يونس، الآية: 65 .
([2]) سورة هود، الآية: 66 .
([3]) سورة الذاريات، الآية: 58 .
([4]) سورة الممتحنة، الآية: 7 .
([5]) سورة الأنعام، الآية: 65 .
([6]) سورة الكهف، الآية: 45 .
([7]) سورة القمر، الآية: 55 .
([8]) سورة لقمان، الآية: 28 .
([9]) سورة الروم، الآية: 27 .
([10]) سورة الصافات، الآية: 96 .
([11]) سورة البقرة، الآية: 249 .
([12]) الحق الواضح المبين،ص45-46،وانظر شرح النونية للهراس،2/78،وتفسير السعدي،5/624.
([13]) تفسير العلامة السعدي، 5/624، والآية من سورة يس: 82 .
([14]) سورة البقرة، الآية: 148 .