الفرح بالتوفيق إلى الطاعات
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، صلوات ربي وسلامه عليه، تركنا على محجةٍ بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فأكثروا عليه من الصلاة والتسليم كما أمر الله بذلك المؤمنين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].
ثم أبشروا معشر المؤمنين؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من صلَّى عليَّ صلاةً صلى الله عليه بها عشراً) اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه، وعلى من تبعهم بإحسانٍ، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الإخوة والأخوات! حياكم الله في بيتٍ من بيوت الله، أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يجعلنا وإياكم ممن يتحقق فيه هذا الخبر: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده).
لا إله إلا الله، يا له من فضل عظيم يا أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم.
ثم إن الموضوع كما سمعتم وعلمتم: فرح المؤمنون بدخولهم الجنان، أو كما سمعتم -أيها الإخوة في الله- عن الموضوع.
فكم للمؤمن من فرحة، بل في الدنيا له فرحة، بل له في الدنيا أفراح يا أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم! فرحه يوم أن ألهمه الله جل جلاله ووفقه لأن يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله.
فرحه يوم أن يوفقه الله سبحانه وتعالى يقول: رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً.
فرحه يوم أن يقف بين يدي الله سبحانه وتعالى ممتثلاً أمر الله (وأقيموا الصلاة).
فرحه يوم أن تكون المحاورة بينه وبين ربه في ذلك الموقف الشريف، ألا وهو الصلاة يوم أن يقول: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] فيقول الله: حمدني عبدي، ويقول الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] فيقول: أثنى عليَّ عبدي، ويقول: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] فيقول: مجدني عبدي.
الله أكبر! محاورة عظيمة يفرح بها المؤمن، حمدني عبدي، أثنى علي عبدي، مجدني عبدي، وإذا قال العبد: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] قال الله: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل.
فرح المؤمن يوم أن يتحقق له هذا الفضل العظيم، ويلحقه الله بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين الذين أنعم الله عليهم، وحسن أولئك رفيقاً.