القول الثاني : أن يكون لكل قوم ليلتهم الخاصة بهم
القول الثاني أو الاحتمال الثاني:
أنه يكون لكل قوم ليلتهم الخاصة بهم وإن اختلفت دخولًا وخروجًا بالنسبة إلى آفاقهم، وتكون ليلة القدر أشبه براكب يبدأ السير من نقطة معينة ويسير في اتجاه واحد، فإنه سيلف الكرة الأرضية كلها حتى يصل إلى النقطة التي بدأ منها، ومعنى ذلك أن ليلة القدر تحصل إلى أهل كل منزل في وقت ليلهم، كما تتنزَّل الملائكة على أهل هذه المنازل على حسب دخول الليل عندهم، ولا يبعد أن يتنزَّل عند كل قوم ما شاء الله تعالى منهم عند أول دخولها عندهم، ويعرجون عن مطلع فجرها عندهم أيضًا.
أو يبقى المُتنزَّل منهم هناك إلى أن تنقضي الليلة في جميع المعمورة؛ فيعرجون معًا عند انقضائها.
وما يقال بالنسبة لتنزل الملائكة يقال أيضًا بالنسبة إلى تقديرات الله في هذه الليلة، بأن يقدر الله - عز وجل - على حسب سير الليلة في أي جزء شاء منها بالنسبة إلى مَن هي عندهم أمورًا تتعلق بهم.
ومثل ليلة القدر فيما ذكر وقت نزوله سبحانه إلى السماء الدنيا من الليل كما صحت به الأخبار، وكذا ساعة الإجابة من يوم الجمع، وسائر أوقات العبادة كوقت الظهر والعصر وغيرها.
والراجح هو القول الثاني:
لأنه يتوافق مع سنة الله - عز وجل - في خلق الكون على هذا النحو، وإلا لو كان المراد هو الرجوع إلى زمن مكة لجعل الله الزمان على الأرض واحدًا وما كان بينه هذا الاختلاف.
كما أن القول بهذا الرأي أيضًا يجلي لنا حقيقة مهمة وهي: أن فيوضات الله وتجلياته على عباده وتقديراته لهم لا تنقطع في هذه الليلة من على الأرض لحظة فهي تجليات موصولة وعطاءات متوالية، كما إن عبادات الخلق لا تنقطع من على الأرض لحظة، واتجاههم إلى الله موصول في كل وقت وحين.
وأيما كان الأمر: فمرد الفضل كله إلى الله، وأفضلية هذه الليلة ومناط الفضل فيها يرجع إلى مَن أقامها وأحياها في أي مكان على ظهر الأرض... والله أعلم.