المحبة ثمرة المعرفة


الشيخ / فريد الأنصاري

من هنا إذن كانت معرفة الربوبية مورثة لمحبة الله، أي لعبادته. ولذلك فقد وردت التوجيهات التربوية النبوية للأمة العابدة المحبة

لربها أن تذكره تعبدا بجلال ربوبيته سبحانه. قال صلى الله عليه وسلم:

"من قال رضيت بالله ربًّا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وجبت له الجنة"

(رواه أبو داود)

. وذكر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا السياق قصة طريفة مفادها أن عبدا من عباد الله قال:

"يا ربي، لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك" فَعَضَلَتْ بالملَكَين فلم يدريا كيف يكتبانها. (...) فقال الله عز وجل: اكتباها كما قال عبدي حتى يلقاني فأجزيه بها"

(رواه الإمام أحمد).

إن الإعضال الذي حصل للملائكة الكتبة، إنما هو بسبب أن هذا العبد قد حمد الله حمدا موصوفا بصفة الله المطلقة

"كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك"، وهو ما لا يمكن أن يحيط به عبد من عباد الله علما، لأنه متعلق بما هو عليه الله "ربا" في ذاته تعالى وصفاته، من جمال وجلال، وبما يفيض عن سلطانه العظيم من تقدير وتدبير على الإطلاق. وعلم ذلك هو عين المستحيل، فكان أن فزع المَلَكان إلى الله

من هذا التعبير الذي أربكهما إرباكا.

إنها عظمة الربوبية التي توجب الخضوع لله الواحد القهار.

إن هيبة الجمال والجلال في ذات الرب العظيم، تورث العبودية في القلب المؤمن بالله.

ومن هنا كان ذلك الفضل الكبير الذي بشّر به النبي صلى الله عليه وسلم لمن أحصى أسماء الله الحسنى أو حفظها لما لهذه الأسماء من أنوار لا تفتأ تفيض

عن ذات الرب سبحانه وتعالى بمعاني الكمال والجلال. قال المصطفى صلى الله عليه وسلم:

"إن لله تعالى تسعة وتسعين اسما، لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة،"

(متفق عليه).

والحفظ المذكور في الحديث لا يدل على المعنى الشكلي للفعل، من عدّ أو استظهار فحسب، وإنما يدل على الحفظ بمعنى الاستيعاب

القلبي والاستحضار الشعوري كما في قوله تعالى على لسان يوسف عليه السلام:

﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾

(يوسف:55)،

مشيرا بالحفظ إلى الأمانة وهي معنى قلبي محض.

إن تَمَثُّلَ مقتضيات أسماء الله الحسنى تمثل المحب المتعلق ببابه الكريم يرجو وصاله والنهل من أنواره، هو الذي يفتح الطريق للعبد السائر إلى الله للحصول على الإذن الملكي العالي إكراما لمحبته والتعلق بأسمائه.

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ المحبة ثمرة المعرفة

  • ثانيا:أهل الليل أهل المحبة و الصفاء

    زكريا بن طه شحادة

    :وأهل الليل أهل المحبة والصفاء، يحبهم الله تعالى، ويضحك إليهم، ويستبشر فعن أبي الدرداء رضي الله عنه، عن النبي ﷺ

    21/04/2024 473
  • بواعث الحياء من الله (1)

    أحمد عماري

    1) المحبة: فهل هناك أحب إلى المؤمن من الله؟ ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 165]. فإذا

    23/07/2019 1579
  • أقسام المحبة

    محمد بن ابراهيم الحمد

    أقسام المحبة: 1_ محبة عبادة: وهي محبة التذلل، والتعظيم، وأن يقوم بقلب المُحبِّ من إجلال المحبوب، وتعظيمه

    26/09/2010 11378
معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day