الهمة العالية عند التابعين
لقد اجتهد التابعون ومن بعدهم في السفر إلى الرب جل وعلا، وكانوا ذوي همة عالية, فعن فاطمة بنت عبد الملك زوج أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه، قالت: ما رأيت أحداً أكثر صلاةً ولا صياماً من عمر بن عبد العزيز ، ولا أحداً أشد خوفاً ووجلاً من ربه جل في علاه منه, كان يصلي العشاء ثم يجلس يبكي على حاله وعلى الدنيا حتى تغلبه عيناه. وكان عامر بن عبد الله يقوم الليل كله ويقول: أذهب حر النار نوم الليل. إن هذه الكلمات بيان، وإن من البيان لسحراً، فمن منا يستيقظ في ليله ليقومه، ويستغفر في سحره، ويتذكر النار وعرصات يوم القيامة والكلاليب والصرع ويقول: أذهب حر النار نوم الليل؟ وكان الإمام الأعظم أبو حنيفة رحمة الله عليه يقوم الليل كله، ويقبض على لحيته باكياً ويقول: إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا [الزلزلة:1-5] ويتلو الآيات ويتدبرها ويعقلها ويفقه ما فيها, ثم يختمها ويقول: يا من تأخذ بمثقال الذرة اغفر لـأبي حنيفة . إنها همم عالية كالجبال الشم الشوامخ, وإن الله يحب صاحب الهمة العالية, ويكره قليل الهمة ومن يهتم بسفاسف الأمور.